http://1asir.com/wp-content/uploads/2016/08/الدكتور-صالح-الحمادي.jpg

زاوية مسبار

IMG-20160721-WA0027

إبراهيم طالع.. اللغوي يكبّل الشاعر (2)

استهل هذه المقالة في جزئها الآخر بـ:

ولا أنا -في الشعر- بالفارس الفذّ كي أنحلك
فخذ يا (سهيل اميماني) من الشعر ما لذّ لك
من قصيدة لإبراهيم طالع في ديوانه (نحلة سهيل)، وقد كانت إهداء منه (نِحلة) لمولود صديقه الشاعر مريع سوادي الذي أسماه سهيلا باسم ديوان طالع (سهيل اميماني).
هذا البيت يحمل تصريحا شفيفا ومباشرا -من الشاعر نفسه- عن شعريته، بل إنه ليضع محددا وصفيا (الفارس الفذّ في الشعر) فيقرر أنه لم يقارب هذا المحدد كي يتمكّن من إهداء (سميّ) ديوانه ما هو أهل له، على أنه حين اقتبس مضمون بيت المتنبي:
لا خيل عندك تهديها ولا مال فليسعد النطق إن لم تسعد الحال
في قوله في الديوان نفسه:
ولا خيل عندي ولا طولَ مال فأهديه لك
يكون نفى عن نفسه أن يكون ذا مال وخيل وطول، ولا نطق يسعد به الحال، فماذا بقي إذن ليهديه؟ يأتي الجواب في البيت التالي مباشرة:
فخذ يا (سهيل اميماني) من الشعر ما لذّ لك!!
إن بناء القصيدة عند طالع يتأسس بدءا على اللغة لا على الصورة والمخيال، فالنص وخطابه عنده ينجدلان حول المعطى اللغوي والدلالي، فيما تأتي الصورة متأخرة وغير ذات حظوة. يعبّر إبراهيم عن ذلك بوضوح في موضع سابق هو مقدمة ديوانه هجير:

“احتج الإنسان على فقر اللغة في ترجمة المشاعر فنحت مشاعره في الفن التشكيلي، والعمارة والهندسة والمغامرة والغناء والرقص.
واحتججت على فقرنا نحن في اللغة اللفظية والنصية، فنحتُّ من لظى (هجير التهائم) لوحاتي في قالب اللغة”.
ولا يهم -عنده- نوع العطاء الشعري وصفته ما دام في قالب اللغة المنحوتة، “مطرا كان أم حجرا” كما عبر هو عن ذلك في المقدمة عينها! وهنا إشارة إلى تداولية نقدية تاريخية مفادها (الغرْف من البحر، والنحت في الصخر) في المفاضلة بين الشاعرين الأمويين جرير والفرزدق.
اللغة عند إبراهيم ليست وسيطا ناقلا للشعر، إنما هي جزء من الشعر، جزء مهم وبارز إن لم تكن هي قوام النص وعصبه، ومع ذلك كله فللنص الشعري عند طالع سيمياؤه الخاصة يراها من يراها، وينكرها من ينكرها، وله كذلك أثره ونفاذه، يحدث ذلكم في بعض يسير من النصوص، ليست المساحة لإحصائها، أما السمة الغالبة فتكمن في أن اللغة في النص الشعري هي البطل، وهي المعتمد سواء أ كان الأمر على صعيد التركيب أم على صعيد البنية والدلالة المعجمية، وفي هذا ما يفوّت على المتلقي الاندماج مع الصورة الشعرية المغلوبة على أمرها في كثير من النصوص التي حفلت بها دواوين شاعرنا. هنا مثال لنصين أوردهما الشاعر في مجموعته (هجير) أحدهما للشاعر محمد زايد الألمعي، والآخر له، اختارُ منهما البيتين التاليين:
يقول زايد:
أنا من أدار الليل فانسكب الضحى في كأسه من مقلة الجوزاءِ

ويعارضه طالع بقوله:
يا أيها الآتون قسرا من دمي متورمين تغيظهم أشلائي
فاللغة في بيت (زايد) وسيط مؤدٍّ يحمل الصورة في تؤدة وانسياب، محافظا على رونقها واكتمالها حتى تصل إلى خيال المتلقي كما أريد لها، فيما هي في بيت (طالع) ركن رئيس اعتمد تركيبا لغويا صارما بدأ بالنداء ثم الحالية ثم التقديم والتأخير بين المفعول والفاعل.
أمر آخر يحتاج إلى مراجعة يتلخص في غنائية النصوص ومدى توافرها عند طالع، وهو جدير بالتنبه إذا عرفنا أن الشعر العربي شعر غنائي بالضرورة، ونقص الغنائية أو تنحيها يقوض البناء الشعري فنيا، ويحيله إلى مجرد نظم رتيب.
وبعد فإنّ هذه القراءة العجلى ليس لها أن تقرر حكما حيال منجز الشاعر، والنقد من جهة أخرى ليس منوطا بترميز أحد أو تأطيره، فالمنهج هو المحكُّ والفيصلُ لحظة التصدي للعمل والاشتغال، وهي أيضا لا تبرأ من انطباعية التذوق الذي يعد عتبة أولى في تلقي النص، وإن اعتمدت في منهجها الموضوعَ ذاته وفق ما يوفره الدرس النقدي العام، ويبقى للنصوص فضاؤها من وجهة نظر مختلفة.
لعل إبراهيم (الشاعر) يخرج يوما من هيمنة إبراهيم (اللغوي) دون أن يفارقه، فالشعر حالة تمرّد واختلاف ومناوشة لما لا يلمس أو يتوقع.

 

يحيى محمد العلكمي>

شاهد أيضاً

الكتب السماوية

بقلم / سميه محمد الكتب السماوية هي التي أنزلها الله من فوق سبع سموات على …

تعليق واحد

  1. الموضوع لوه علائه بالبلح

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com