عسير صحيفة عسير الإلكترونية
نورة الدوسري
إن أحد الأسباب الرئيسة لفشل التعليم الرسمي هو أن المعلمين يبدؤون بالأمور التجريدية عبر اللغة بدلاً من الفعل المادي الحقيقي، وأن عادات العقل من خلال تقديمها كمراحل تتبعيه تتفق مع مراحل النمو المعرفي لدى الطلاب.
و تكمن أهمية تنمية عادات العقل بكونها مجموعة من السلوكيات الذكية التي تنقل الطالب من نقل المعرفة، وحفظها إلى بناء المعرفة، وإنتاجها وأنها تكسبهم مجموعة من السلوكيات المرتبطة بتطوير أنماط تفكيرهم، وطرائق معالجتهم للأفكار وحلهم للمشكلات، والتعامل مع البيانات، والمعلومات، والتواصل مع زملائهم. ()
وتهدف عادات العقل إلى مساعدة المعلمين في تطوير قدرات الطلبة ليصبحوا ذوي انتباه وقدرات عالية المستوى وذو تفاعلية، ومتعاطفين ومتعاونين وقادرين على الانتاج في عالم غني بالمعلومات والمعارف، وأن يصبح هؤلاء الطلبة أكثراستعداداً لاستخدام عادات العقل عندما تواجههم مواقف ينقصها اليقين أو يسودها التحدي وتشمل ست عشرة عادة عقلية هي: المثابرة، والتحكم بالانتفاع،والإصغاء بتفهم وتعاطف،والتفكير بمرونة،والتفكير في التفكير،والكفاح من أجل الدقة، والتساؤل وطرح المشكلات،وتطبيق المعارف السابقة في المواقف الجديدة، والتفكيروالتوصيل بوضوح ودقة، وجمع البيانات باستخدام الحواس،والخلق والتصور والابتكار، والاستجابة بدهشة وانبهار، والإقدام والمجازفة المحسوبة، وايجاد الدعابة، والتفكير التبادلي، والاستعداد الدائم للتعلم المستمر. ()
ولقد أكدت بعض الأدبيات والدراسات كوستا وكاليك، وأليسون، وإلين وجين أهمية تنمية العادات العقلية لدى الطلاب والاهتمام بدمج عادات العقل أثناء التخطيط للتدريس، لأن هذا سوف يؤدي إلى تغير الممارسات والمعتقدات حول عمليات التعليم والتعلم، كما أشارت هذه الدراسات إلى أن الغاية من تعليم عادات العقل هي أن يكون الطالب مبدعا وخلاقاً وإنسانا في جوهر الأمر؛ لأن التفكير المبدع خاصية إنسانية، فعادات العقل بصفة عامة تؤكد على حب الاستطلاع والمرونة وطرح المشكلات وصنع القرارات والتصرف المنطقي والإقدام على المخاطر مما يدعم الفكر النقدي الخلاق. من خلال ذلك أصبح من الأهمية بمكان أن تسعى المؤسسات التربوية إلى تبنِّي ، برامج لتنمية عادات العقل، وتتمثل أهمية تنمية عادات العقل في أنها تساعد على” تنمية المهارات العقلية وتعلم أي خبرة يحتاجها التلاميذ في المستقبل، فهي تؤدي إلى فهم أفضل للعالم من حولهم. واكتساب المتعلم العادات المفيدة له في الحياة كالمثابرة والمرونة والتواصل الناجح وتنظيم عملية التعلم وتوجهها واختيار الإجراء المناسب للموقف الذي يمر به التلميذ.والتعامل مع المعلومات من مصادرها المختلفة بصورة جيدة سعياً وراء تحقيق مستوى أفضل من إدراك وفهم، وتمييز لتلك المعلومات والإفادة منها.” ()
ويعكس نموذج كوستا Costa في التفكير العلاقة بين عادات العقل ومهارات التفكير وإستراتيجياته،إذ شهدت السنوات الأخيرة تركيزا قًويا على غرسمهارات التفكير في المنهج وفي التدريس من خلال تشجيع الطلبة على طرح الأسئلة حول المعلومات والأفكار المعروفة، كما تساعد عادات العقل على تعلم كيفية تحديد الافتراضات غير المحددة وبناء أو طرح الأفكار والآراء العديدة والدفاع عنها وفهم العلاقات بين الحوادث والأفكار المختلفة. وترتبط عادات العقل بمهارات التفكير بعلاقة هرمية . ()كما في الشكل التالي(نموذج كوستا Costa):
شكل العلاقة بين عادات العقل ومهارات التفكير وإستراتيجياته
وتتمثل أهمية اكتساب المتعلمين لعادات العقل في إتاحة فرص عملية يتمكن المتعلم خلالها من ممارسة عادات العقل بشكل عملي أثناء التعلم ولرؤية مسار تفكيره الخاص، واكتشاف كيف يعمل عقله أثناء حل المشكلات، ومساعدة المتعلم على التعديل في العادات التي يراها غير مجدية بالنسبة لحياته، ومساعدة المتعلم على اكتساب القدرة على مزج قدرات التفكير الناقد، والإبداعي.وتعمل على اكتساب المتعلم العادات المفيدة للحياة مثل عادة الإصرار، والمثابرة بما يساعده على إنهاء الأعمال التي يبدأ فيها، وكذلك عادة العقل المنفتح للتعلم وتدريب المتعلم على التخطيط بدقة في ضوء متطلبات المهمة التي يقوم بها وفق معايير يقوم المتعلم بوضعها بنفسه لتقييم أدائه في ضوئها، وتدريبه على تحمل المسئولية. ()
وللمعلم دور هام لتنمية عادات العقل لدى طلابه لأن المعلمين الذين يستخدمون مع طلابهم عادات العقل يقومون باستخدام كل الفرص المتاحة أمامهم لتعليم هذه العادات، فنجد أنهم يحاولون أن يدخلوا عادات العقل في كل ما يمر عليهم من مشكلات، أو نزاعات، أو اتخاذ قرارات، أو أعمال محاكاة مع طلابهم تتطلب استخداماً متواصلاً لعادات العقل.
فالمعلم يساعد المتعلمين على فهم عادات العقل وذلك من خلال إدارة حلقة نقاش حول كل عادة واستخدام أمثلة من بيئة المتعلمين ومن واقع ثقافتهم ومشاركة المتعلمين ببعض النوادر الشخصية التي لها علاقة بعادات العقل. كما يقوم المعلم بملاحظة سلوكيات المتعلمين بدقة وتصنيفها تحت عادات العقل المناسبة. وتكليف المتعلمين بتحديد شخصيات ناجحة، ثم وصف بعض أفعالهم وعاداتهم التي تدل على ذلك. وتصميم بعض الصور أو الملصقات التي تعبر عن مدى فهمهم لعادات العقل. الاستفادة من شبكات العصف الفكري وكذلك المنظمات البيانية لمساعدة الطلاب ليتآلفوا وليصبحوا أكثر طلاقة بأعمال التوصيل والتواصل وبتشكيل أنماط للمعلومات. من شأن المعلمين الماهرين أن يؤلفوا ويراقبوا أسئلتهم بهدف إشغال الطلاب بواحدة أو أكثر من عادات العقل، فهذه الأنواع من الأسئلة تبني وعياً قوياً.
والمعلم يساعد المتعلمين على تحديد وتطوير الاستراتيجيات المرتبطة بتنمية عادات العقل،وذلك من خلال استخدام طريقة التفكير بصوت مرتفع لتوضيح الاستراتيجيات المحددة لتنمية عادات معينة. ومطالبة كل متعلم بمشاركة زملائه المتعلمين بالإستراتيجية الخاصة به لتنمية عاداته العقلية.تشجيع المتعلمين على إيجاد أمثلة على الاستراتيجيات التي ذكروها من واقع بيئتهم وحياتهم. وتكليف المتعلمين بعقد لقاءات مع الآباء أو الأصدقاء أو غيرهم لمعرفة الاستراتيجيات التي ينمون بها عاداتهم العقلية. كما يقوم المعلم بتوجيه المتعلمين لتحديد عاداتهم العقلية في بداية كل فصل دراسي ليتم التركيز عليها أثناء الفصل.
كما ان تهيئة المعلم بيئة تعلم صفية ومدرسية تشجع على تنمية واستخدام عادات العقل، من خلال القيام بعمل تصميم نموذج لعادات العقل. ومزج عادات العقل بأنشطة الحياة اليومية والأنشطة الدراسية داخل الفصل الدراسي. وتطوير وعرض الصور والملصقات وكذلك العروض البصرية التي تعبر عن أهمية عادات العقل.سؤال المتعلمين لتوضيح أي العادات العقلية يمكن أن يساعدهم في إنهاء المهمة التعليمية المكلفين بها.
وتوفير المعلم الدعم الإيجابي للمتعلمين الذين يظُهرون تجاوبا مع عادات العقل، من خلال قيام المعلم بتحديد مهمة تحت مسمى “ملاحظي العمليات” وهي عبارة عن قيام متعلمين بملاحظة متعلمين آخرين يقومون باستخدام عادات العقل أثناء أداء مهامهم، مع كتابة الملاحظات للاستفادة منها في مواقف أخرى.كما يقوم المعلم بتكليف المتعلمين بعمل تقييم ذاتي لقدرتهم على استخدام عادات معينة في مواقف معينة.وتوفير التغذية الراجعة للمتعلمين أو إعداد تقرير خاص بكل متعلم يحدد مدى تقدمه من حيث استخدامه لعادات العقل. ()
كما أن عادات العقل في الاتجاه الحديث يجب أن تركز على الطرق التي ينتج بها المتعلمون المعرفة، وليس على استذكارهم لها أو إعادة إنتاجها على نمط سابق ، لذلك يجب الاهتمام بتنمية عادات العقل من خلال تضمين المناهج الدراسية لجوانب تسهم في عادات العقل وتوظيفها في المجال الدراسي لدى الطلبة،وتنويع التدريس لتفعيل عادات العقل الإيجابية والانتقال بالعقل من حالته السلبية إلى حالة فاعلة نشطة، وبترسيخ هذه العادات نتحول إلى مجتمع منتج وفعال ومبدع وخلاق ومشارك في عملية بناء الحضارة وإنتاج التكنولوجيا ومواجهة التحديات الكبرى التي يزخر بها عالمنا المعاصر.كما يخلق استمرار التدريب على عادات العقل في المدارس ثقافة تعليمية تؤثر في بناء مجتمع متيقظ ومهتم لإنتاج المعرفة وكيفية التعامل معها، كما يجب تكرار الفرص المتاحة لتعلم هذه العادات ولمدة زمنية طويلة ليكتسبها الفرد ويطبقها بشكل صحيح. ولذلك ينبغي العمل على توظيف عادات العقل من قبل القائمين على العملية التعليمية والتربوية سواءً في الجامعات أو المدارس، بشكل يسهم في استغلال هذه العادات في مجال التحصيل الدراسي.
المراجع :
· السويلميين ، منذر بشارة (2016م). أثر استراتيجية مبنية على تفعيل عادات العقل في تعديل المفاهيم البديلة في العلوم وتنمية مهارات العلم الأساسية لدى طلبة المرحلة الأساسية، قسم علم النفس الإرشادي والتربوي، كلية التربية، جامعة اليرموك ، مجلة دراسات، العلوم التربوية، المجلّد 43 ، الملحق 1 ، عمادة البحث العلمي/ الجامعة الأردنية .
· بربخ ،إلهام فايق سليمان(1436هـ – 2015م). عادات العقل وعلاقتها بمظاهر السلوك الإيجابي لدى طلبة جامعة الأزهر – غزة- رسالة ماجستير في علم النفس -كلية التربية – جامعة الأزهر – غزة .
· رياني، علي حمد ناصر علامي (1433هـ-2012م ). أثر برنامج إثرائي قائم على عادات العقل في التفكير الإبداعي والقوة الرياضية لدى طلاب الصف الأول المتوسط بمكة المكرمة، رسالة دكتوراه، كلية التربية، جامعة أم القرى، السعودية.>
