ذكرياتي مع السديري

 

الدكتور صالح الحمادي
اعتبار ذكرياتي مع فقيد الإعلام العربي تركي السديري من طرف واحد، فهي ذكريات عابرة تخصني لوحدي لم يتوقف عندها بقامته الشامخة بينما لا زالت عالقة بذهني ، لأنها أتت هكذا بعفوية ولم يتكرر اللقاء نهائيا.
في احدى الرحلات وأنا عائد من لندن إلى القاهرة وكنت حينها رئيس وفد رسمي، وكان يجلس تركي السديري في مقعد مواز للكرسي الذي أجلس عليه ولمحته يقرأ صحف عربية وبجواري شخص مسن من دولة الامارات العربية وعندما بدأ توزيع الوجبات على الركاب وجدت أن المسن المجاور لي رفض الوجبة فسألته قال لا أرغب في وجباتهم ، قلت له أطلب مثلي غذاء بحري فقال اطلب لي وجبة مثلك، وكانت هذه نقطة البداية للحوار طوال الرحلة في حضرة ملك الإعلام تركي السدير حيث توقف عن قراءة الصحف، وانصت للحوار بيني وبين المسن الإماراتي الذي عرفت فيما بعد أنه رجل أعمال أسمه عبد الله الختال وله أعمال جليلة عرفت بعضها من خلال الحوار عندما استفزني بسؤال عن الهدية التي أقدمها لأم عيالي عند العودة فقلت له سوف أقدم هدية في حدود ألف ريال أو ألفي ريال بالكثير فقال أنا أقدم هديه بنصف مليون ريال أو مليون ريال ، ذابت الحواجز وبدا الحوار يتخذ نغمة مختلفة بسبب مقارناته، فقلت له يمكن عندك مال محيرك واللي عنده مال محيره يشتري طير ويطيره فضحك، وأشرت عليه بأهمية العمل الخيري لوجه الله أفضل من مقاييس الهدايا التي يزول أثرها بزوال الأثر.
أتى الكابتن بندر العميري وجلس معنا، وأستمع للحوار، وكان ملك الإعلام يراقب الموقف دون تدخل منه، وكنت اتمنى تدخله خاصة عندما طالب مني المسن احضار حكم بيني وبينه عن نتائج الحوار، فكان الحكم الكابتن بندر العميري وكنت أتمنى لو كان تركي السديري الذي اكتفى بمتابعة المشهد ، عموما شرح المسن لبندر العميري ابرز نقاط حوارنا واتجه للمقارنة بين تفكيري وتفكيره وقال أنا متجه لمصر حيث اشرف على مزرعة لي في مصر فيها عدد كبير من الأسر وكلهم يعيشون من خيرات هذه المزرعة، واقدم لهم رواتب ومميزات أخرى، ثم رمى السؤال اللافت لي وللسديري قائلا لبندر العميري من أفضل أنا أم رئيسكم من الناحية الإنسانية؟ فكان رد العميري سريعا بأن الأفضلية له قياسا بما يقدمه من أعمال خيرية عرفنا بعضها من سياق الجدال الذي لم يخلوا من الطرافة والمداعبة والود، عندما وصلنا مطار القاهرة أعطاني المسن الإمارتي عنوانه في مصر وطلب مني زيارته ولم أفعل، وحاولت بعد سنوات زيارته في مجمعه في سوق خضار دبي ولم التقي به.
بعد تلك الرحلة أختفى من حياتي ملك الصحافة العربية فقيد الحرف والقرطاس والقلم تركي السديري، وأختفى من حياتي ذلك المسن الإمارتي الطيب المتواضع، ولا زلت نادم على عدم استغلال الفرصة بالحديث مع القامة الإعلامية الكبيرة، ولا زلت احتفظ بذكريات الطرف الواحد، وصورة مغادرة الثنائي لا زالت أمامي حيث مضى كل منهما إلى غايته ، وتحققت انهم من عقب فرقاهم مقفيني، وكنت أقول ربما تجمعنا أقدارنا ذات يوم، ولكن الأيام لم تفعل، رحم الله فقيد الإعلام السعودي تركي السديري وغفر له وأسكنه فسيح جنات.>

شاهد أيضاً

أسرة ال دليم مدرسة في الحكمة والحنكة

  بقلم أ/ خالد بن حريش ال جربوع في ليلة جمعت بين الحكمة والحنكة وبين …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com