فتبيَّنوا

>بقلم / ناصر إل عثمان 

يستطيع راعي المواشي »الأُمِّي« أن
يسوق ببساطة وسذاجة ألف ألف رأس من البقر أو الماعز بقليل من الكلاب والأجراس إلى ما يريد من المراعي والجبال والآكام وبطون الأودية .. وهذا القطيع من البهائم يعجزُ عن الاختيار أو التساؤل بِـ كيف أو لماذا؛ لأن البهائم لا تَعقل بالفطرة وهي معذورةٌ في هذا .

لكنَّ ما يُثير حفيظتي هي تلك الجيوش الجَرَّارة والجماهير التابعة من البشر »الرُعاع« على
مواقع التواصل الاجتماعية!! تلك الجماهير المسلوبة لنعمة الاختيار والتعقُّل، حيث يتباها بهم الأُجَرَاء و الأخفياء و المنافقون الأتقياء ويتكاثرون منهم وبهم ثم يتلاطمون بهم كالأمواج ويستخدمونهم في تصفياتٍ غريبة، يسحق بعضهم بعضاً، يُصَنِّف بعضهم بعضاً، فتارةً يتراشقون
بالتُهم، وأخرى يتبادلون الأوسمة، لا قرار لهؤلاء الجماهير 
»الرُعاع« فيما
يجري، ولا تأثير لهم إلا أنهم يُثيرون الجَلَبة ليتباها بهم الرُعاة الحمقى.

إن هذه الجماهير الجانحة عن الصواب في حاجةٍ ماسة إلى أن تُعاد إلى دُوُر القيم ومعامل الأخلاق ومصانع التنوير
لتعود إلى رُشدها وتستعيد زمام مبادراتها ؛ لأن وعيها ينعكس على اختيارات الأمة الاجتماعية والسياسية والثقافية والدينية، أي على حضارتها بشكلٍ عام إن صح التعبير والتشخيص.

ثم إنني بعد تمعنٍ أيقنت أن الجهل هو سر تلك الجماهير المُدجَّنة، وما تلك العداوات التي لا تهدأ في منتدياتنا
إلا بسبب تلك القضايا التي يُثيرها الساسة أو المُخرَّبون أو غيرهم، ثم يتحمس  الجَهَلة الرُعاع
  لهذه
القضايا دون علمٍ في الغالب بظواهر الأمور فضلاً عن بواطنها، وقد قيل قديماً: 
»الإنسان
عدو ما يجهل
« ولهذا
ترى العداوات بين تلك الجماهير المُدجَّنة لا تهدأ أبداً بسبب آفة الجهل المُتعمَّدة لها بقصدٍ أو بغير قصد.

أعلم أن في هذا قسوة، لكنني أدعوا هذه الجماهير الغافلة إلى أن تستنير العقول قبل أن  تدخل في دهاليز القضايا
الغامضة والشائكة، والقراءة في جوانب الحقيقة وعدم الانسياق خلف العواطف والمشاعر والتعصب للنعراتِ التي تُفرِق صف أمتنا وتُضِعف حَيلها، وإنني إذا أقول هذا القول لَتَعصُف بقلبي مرارة الحزن على واقعنا الذي أضحى يشبه غابةً من المراعي يأكل فيها بعضنا البعض.

ولهذا فإنني أدعوا تلك الجماهير التي تتلاطم وتتلاحم إلى التعُّقل والتبيُن فيما تُسَتعمل فيه؛ فالمُغرِضون
لأمتنا كُثُر، ولأننا تلك الأمة التي ذكرها الله تعالى في القرآن فقال:( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس..) الآية، فلابد أن تتمثَّل هذه الخيّريّة أيضاً في استجابتنا لقوله تعالى 🙁 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا
 إِنْ جَاءَكُمْ
فَاسِقٌ بِنَبَأٍ
 فَتَبَيَّنُوا ..)
الآية، ويا ترى كَم مِن الفُسَّاقِ في أمتنا ينشرون الخراب ويمكرون في أرجائها ويسوقون 
»الرُعاع« الجَهَلة
أمامهم إلى المهالك، غافلين عن العنوان السامي والمنهج الربّاني: 
»فَتَبَيَّنُوا.

 


>

شاهد أيضاً

جمعية الثقافة والفنون ببيشة تحتفي باليوم العالمي للمسرح

صحيفة عسير – هياء آل ظافر : احتفلت جمعية الثقافة والفنون بمحافظة بيشة باليوم العالمي …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com