الشيلات بين التنظيم والرقابة

الشيلة هي (في أصلها) فن شعبي نبطي، ونوع من أنواع الحداء.
ويرى الدكتور سعد الصويان في كتابه (الشعر النبطي: ذائقة الشعب وسلطة النص) أن الشاعر النبطي: «لا يسأل عن بحر القصيدة، وإنما عن شيلة القصيدة، أو طَرْق القصيدة. وكلمة شيلة مشتقة من شالَ بمعنى رفع، وتعبر عن رفع الصوت بالغناء، وكلمة طرق تفيد معنى القرع المتكرر بانتظام، أي الموقع».
لكن الملاحظ في الأعوام الأخيرة على هذا الفن هو دخول المعازف له من طبول، ودفوف، وإيقاعات، وهو ما لم يكن معروفًا في السابق، والتغير الكبير الذي طرأ عليه في المضمون، واللون، وهو ما جعل الكثيرين يكتبون، ويتكلمون حول هذا الموضوع، ولكن هذا لا يمنع أن آخذ بقول من قال: ولكن ألقِ دلوك في الدلاء!
ففي ظل استمرار هذا اللون الطربي، وتعلق الكثيرين به والكثيرات، وخاصة من صغار السن من أبنائنا وبناتنا ممن نشعر بمسؤوليتنا نحوهم، ونحن نرى جميعًا مدى تعلقهم بها، وتقمصهم لأدوارها الحركية المقلقة، وأصواتها الصارخة المزعجة، مما سيؤدي بهم لا محالة إلى فساد في الذوق؛ وذلك بانحسار السماع في اللهجات المحصورة، وعدم الانفتاح على الثقافات الأوسع التي تقدمها الألوان المصوغة الفصيحة!
كما أن هذه الشيلات والتي زادت حمياها في الآونة الأخيرة قد أسهمت في تعليم أبنائنا العصبية، وحب الصراخ، والاستمتاع بالضوضاء، ولكم أن تشاهدوا أطفالكم في لعبهم، وحديثهم مع بعضهم بعضًا، أو حتى حين يطلبون إليكم طلبًا ما فهم ما يطلبون إلا بصراخ، ولا يقابلون الرفض إلا بعصبية، وضجيج يملأ المكان!
وقد كشفت هذه الشيلات عن مدى تدخل الشباب والشابات في كثير من الأمور، وفرض آرائهم على من هم أكبر منهم من الوالدين، والأجداد، وقد ظهر ذلك جليّاً في حفلات الزواجات، والاحتفالات الخاصة، فصارت حفلات الزواج أشبه بالمهرجانات التي تضج بالإزعاج، دون مراعاة للحضور، ولا احترام للموروث، بل قد وصلت إلى اجتماعات النساء الخاصة فصارت عنوانًا لاجتماعاتهن، وهن اللاتي لم يُعرف عنهن إلا العاطفة، وحب الهدوء، والأجواء الحالمة؛ فصرن يحببن الصراخ، والضجيج، والضوضاء!
ثم إن كثيرًا من هذه الشيلات الحالية تحمل كمّاً كبيرًا من العصبية القبلية، وتثير النعرات الجاهلية، وترسخ قواعد الأنانية، وحب النفس، وعدم الانصهار مع الجميع في قالب المجتمع الواحد المتحاب المتماسك!
وأعجب كثيرًا من هذا الرواج الكبير لها، وقبول الكثيرين بها من كبار السن والعقلاء ممن قبلوا بها في احتفالاتهم، واجتماعاتهم، وأخشى أن تغزو مدارسنا، وجامعاتنا!
وإن كانت هذه الشيلات واقعًا لا بد منه، وفي حال استمرارها، فإنها لا بد أن تخضع للتنظيم، والرقابة!
وأرى أن المجتمع بفكره، ووعيه، ورقي ذوقه هو من يقرر استمرارها من عدمه لا سيما وهي بشكلها الحالي تعد موضة جديدة لم تستقر بعد!

ماجد الوبيران>

شاهد أيضاً

أسرة ال دليم مدرسة في الحكمة والحنكة

  بقلم أ/ خالد بن حريش ال جربوع في ليلة جمعت بين الحكمة والحنكة وبين …

8 تعليقات

  1. استاذنا
    لك أن تتخيل بين شخص تربى اذنه على صوت فيروز وابو نوره وشخص يردد زلزله ….
    سيدي إنه سوء المنقلب
    الشيلات زرعة العنصرية والفوضى وقس عليها القنوات الشعبية التي انتشرت في السنوات الاخيره ورسخت ( الهياط )

  2. نعم أدخلت عليها الآلات الموسيقية فما عادت تختلف عن باقي الأغاني عوضاً عن كونها سبب ومحفز للعصبية والنعرات القبلية..

  3. يوسف آل حازب

    عندما يحدث انتقال فكري يصاحبه انتقالات عدة. أقصد التحول المعرفي الناتج عن انفتاح المجتمع المحافظ على ثقافات أخرى يحدث تأثير وتأثر في كل الجوانب دينينا وثقافيا وحضاريا بكل تفاصيلها. لعل ما أحاول الوصول في هذه النقطة أن الظاهرة الصوتية التي تسمى الشيلات هي نتاج تماس بين الظواهر الفنية في الثقافات الغربية والتي تضج بها القنوات التواصلية( الروك والجاز ألخ..) والتي عمد من عايشها إلى تحويرها وتكيفها لتناسب الذوق العربي( الصحراوي الذي أنتشرت فيه الظاهرة أولا قبل أن تكتسح باقي البيئات ) فطوع الصراخ والتموجات الإيقاعية الفظة الصاخبة لتكون هيكلا عظميا اكتسى لحمة ولهجة عربية تقذف ضجيجا مزعجا لفئة من الناس. ولكنها أصابت فئة الشباب المندفع الطروب في أدق المفاصل وهي الحماس لأمجاد القبيلة وتفجر طاقات الشباب في القفز والركض والصراخ.

    أقول أن هذه الظاهرة وصلت إلى مرحلة متقدمة بل أصبحت بالية تمجها أغلب الأذواق حتى من روج لها وسعى لنشرها.
    وما هي إلا مرحلة عمرية تمر الآن وستتخلى عنها الأذواق لتحل محلها ظاهرة أخرى تحمل سمات ما بعد الصدمة الثقافية.

  4. عبدالمجيد معوض

    بسم الله ..
    كلام صحيح وعقلاني الشيلات آفة هذا العصر .. ارجعت العصبية القبلية وهذه النقطة محسوبة على الشاعر قبل المنشد .. من جانب اخر فقد حظر بعض العلماء منها وعلى رأسهم عضو هيئة كبار العلماء الشيخ صالح الفوزان وقال بالحرف (( الشيلات هي الأغاني )) وأخشى ان نكون قد وقعنا فيمن قد قيل عنهم (( يستحلون الغناء )) مقال رائع وجميل .. تقبل مروري

  5. فهد القحطاني

    جزاك الله خيرا والله إنها من اكبر الفتن في هذا الزمان

  6. الله يعطيگ العافيه …

    مقال رائع بمعنى الكلمه …

    لابد من تثقيف و وعي المجتمع على هذا الشيلات الغير هادفه
    كما ابديت رأيك في المقال
    (للأسف العنصريه في الشيلات كثير )

    و لكن اسال الله الصالح لشبابنا و للامه الاسلامية ..

    و دمتم بود ?

  7. عبدالله آل نملان

    رأيك سديد
    أما أنا أرى أن )الشيلات تجر الويلات (
    والسلام هو الختام .

  8. أحمد آل عبدالمتعالي

    يشهد الله ما أتت به هذه الشيلات الا كل همجيه وعنصريه ومشاكل.

    اتمنى من الجهات المسوؤلة منعها والعقوبه ع من يخالف ذلك مثلها مثل حمل السلاح في المناسبات وغيره.

    لان هذه الشيلات خرجت عن مسارها تماما واتجهت الى العنصرية والهمجيه وبعدها القتل لا سمح الله.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com