لك اللحم ولي العظم

 

علي القاسمي

 

المقولة الواردة في العنوان أعلاه هي المقولة الأشهر، وربما الأكثر تطبيقاً في مفاهيم التربية والتعليم خلال بضعة عقود من الممارسات والتجارب والرغبات والتوصيات والأحلام، هذه المقولة بدت متلاشية تماماً وفي حيز الإلغاء أو الإخفاء، فهناك من يصرّ على وجود بدائل تربوية حديثة، وإن كانت البدائل لن تجدي نفعاً، وهناك من أولياء الأمور من يطبق هذه المقولة مع فوارق أن له اللحم والعظم كونه أكثر القادرين على الفصل بينهما، لا سيما أن المقولة تأسست من رغبة اجتماعية وقناعة متأصلة في أن الضرب- بكل طرقه ووسائله- خير وسيلة لبناء جيل مختلف متحمس ومبتعد عن كل الانحرافات السلوكية ومخاوف الوقوع في الفشل.

هذه المقولة يتراوح بشأنها الرأي الاجتماعي فهناك من يرى أن الضرب وسيلة ضرورية لازمة ومن المستحسن استخدامها بضوابط، وهو رأي يميل المحملون بتجارب الماضي والقناعة في نجاح هذه التجارب، وأنها قدمت أجيالاً مختلفة، وهناك من يقول إن العقوبات البدنية ذات أثر نفسي على الأبناء ولها انعكاسات لا ولن تحمد عقباها، وعند هذه الجزئية أعبر على رأي حديث للشيخ عبدالله المطلق والذي طالب فيه بعودة الضرب إلى المدارس شريطة أن يكون وفق ضوابط محددة، ماضياً نحو وضع حدٍ لعنتريات بعض الطلبة، وهذا الرأي بطبيعة الحال سيكون محط نزاع وخلاف، كما هي آراءنا دوماً، والمتنازعون هم المنقسمون السابقون بين من يرى الضرب ممارسة غير تربوية، وذاك الذي يميل إلى استدعائه وطلب النجدة به كوسيلة تربوية وفق دلائل شرعية «فأضربوهم عليها لـ عشر»، ودلائل جيل سابق كان يؤخذ لحمه جهاراً نهاراً، والأمور كلها إلى خيرٍ ونجاح وعافية، وإن كنت مع فريق الاستخدام المقيد له للفوارق الكبيرة بين جيل المربين.

وزارة التعليم تؤكد على إلغاء كل ما له علاقة بالضرب، وهذا طبيعي لحساسية مجتمعاتنا من التربية، وكونها أصبحت شأناً خاصاً بالأسر ولا يجب أن يكون للمدرسة أو الصرح التعليمي أي علاقة، ولعل الاكتفاء بمسمى الوزارة في خانة التعليم وركن التربية لمساحات أخرى، يشير إلى أن المهمة لم تعد يسيرة أو ممكنة، فالبدائل التربوية الحديثة ستظل تعاني على الورق وفي مواجهة تحديات أهمها أن فينا من يريد لأبنائه التفوق، لكنه لا يسأل عنهم مطلقاً سوى متى جاءه الإبن شاكياً من قرصة أذن أو عتاب على إهمال وتقصير، كنت أضحك كثيراً عندما صُنف تبلد الحس الذهني وفقدان المعنى الصادق للإحساس بالمسؤولية كنواتج صريحة للعقاب البدني، لكون هذا التصنيف نسي وتجاهل وأهمل جيلاً أو أكثر كانوا والضرب في مصافحة يومية، ونجوا من التبلد والخوف والارتباك وانعدام المسؤولية، أكثر ما سنتصارع عليه حالياً أن الجيل الحالي اختلف، مع أن الحقيقة تقول إن الجيل الحالي– على الأغلب– في كوكب الترف والتربية لم تعد من مهام الوالدين بل تم تفويضها إلى الشارع والشاشة.

>

شاهد أيضاً

الكتب السماوية

بقلم / سميه محمد الكتب السماوية هي التي أنزلها الله من فوق سبع سموات على …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com