” آليات تطوير التعليم .. الحلقة الثالثة

صحيفة عسير :

أ.د . عبد العزيز بن عمر القنصل
رئيس قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة
جامعة الملك خالد –
كلية الشريعة وأصول الدين

9 – تقوية العلاقة بين المعلم والطالب لإقامةِ الثقة بينهم:قديماً كان احترام الكبير واجباً مقدّساً، أباً كان، أو معلماً، أو أحد أفراد المجتمع، وبحكم منظومة العلاقات الاجتماعية السائدة آن ذاك، فقد كان للمعلم مكانته الاجتماعية المرموقة، فهو المعلّم، والقدوة، والأستاذ، والمربي، هكذا قامت العلاقة بين المعلم والطلاب سابقاً على الهيبة والاحترام لدرجة أن الكثير من الطلاب كانوا يتحرجون أن يناقشوا معلّميهم أو يردوا عليهم، بل إنّ الكثير منهم كان يتحاشى أن يلاقي أستاذه في الطريق رهبةً، واحتراماً.
أما الآن فقد بدأ ثمة خلل واضحٌ، واضطراب مريبٌ يشوب تلك العلاقة بين المعلم والطالب، وهذا ما انعكس سلباً على مخرجات المنظومة التعليمية والتربوية برمّتها، فبعضُ الطلاب لا يعيرون المعلم أية قيمة، ولا يمنحونه أية احترام، بل قد يعتدون عليه بالضرب والإهانة، وفي المقابل نجد بعض المعلمين ينظر للتعليم على أنه وظيفة تكسّبٍ وليس رسالة مقدّسة، فيستوي عنده من حضر من الطلاب ومن لم يحضر، وهذه الازدواجية لم تأت من فراغ، بل هي تراكمات السنين، ونقل خبرات أمم بعجرها وبُجرها دون تمييز، وستكون ثمارها مرّة على المجتمع ما لم تتدارك الوزارة هذه الازدواجية، فتمنح المعلم حقوقه ومكانته، وتعطي الطالب حقوقه ومكانته، وتهيء الجو المناسب للجميع.
من الركائز الأساسية الصحيحة في المنظومة التعليمة وجود علاقة بين المعلم والطالب متينة وقويّة، قائمة على المحبة والتقدير والاحترام المتبادل، فالطالب يعتبر المعلم والداً له، والمعلم يعتبر الطلاب أبناءه، هكذا يُبْنَى التعليمُ، ويؤثّر المعلم، ويفيد الطالب، وهكذا نجد الطلاب منكبين على التحصيل العلمي بشغف، وهكذا تحفظ مكانة المعلم الرفيعة، ومكانة الطالب المحترمة، ولتحقيق هذه المعادلة يجب أن تكون العملية التعليمية هي القاسم المشترك لتحقيق الفائدة القصوى للطالب بالتعلّم، وللمعلّم بأداء رسالته المنوطةِ به، كما يجب أن تقوم هذه العلاقة على الأخلاق الفاضلة، بعيدة كل البعد عن المصالح الخاصة، والمعرفة الذاتية، وأخيراً وليس آخراً يجب على المعلم أن يحتفظ بمكانته المرموقة والمحترمة كمعلّم، له رسالة مقّدّسةٌ يؤديها، وأمانةٌ علميّة يوصلها، فهو القدوة للطلاب، فعليه أن يكون قدوةً حسنةً ليؤدّي رسالته، ويثمر غراسه.
ومما يساعد على أداء المعلم لواجباته التعليمية على أكمل وجه: وجود جوّ مدرسي مناسب، وبيئة تعليمية مدرسية صحية مميزة، تتكون من ساحات واسعةٍ معدّةٍ بعنايةٍ فائقة للترفيه، وغرف جيدة الإضاءة والتهوية والأثاث المدرسي لتلقي العلم، ترغّب الطلاب في الحضور للمدرسة، تُستخدم فيها أحدث وسائل التعليم البصرية والسمعية، كما ينبغي أن تجهّز المدارس بالمختبرات من المراحل الابتدائية إلى الدراسات العليا لتثبيت المعلومات وتطبيقها في الواقع، وينبغي أن يتم تشكيل لجان مدرسية اجتماعية تحت إشراف إدارة المدرسة، ومتابعة الوزارة، مهمتها متابعة الطلاب وتفقد أحوالهم، وحل مشكلاتهم المدرسية أو حتى الأسرية إن أمكن، وتساعدهم قد الإمكان مالياً إن دعت الحاجة لذلك، وتعمل على اكتشاف المواهب لدى الطلاب وتنميها وتوجههم التوجيه الصحيح ونحو ذلك.
10 – تقويم التجارب والمشروعات التي تم تطبيقها من قبل: لا يوجد عملٌ من صنع الإنسانِ إلاّ ويشوبه الخلل والنقص، كما لا يوجد عملٌ بشريٌ صالح لكل زمانٍ ومكانٍ، فما يناسب هذا البلد، ليس بالضرورة أن يكون مناسباً للبلد الآخر، وما يناسب هذا العصر، فالطبع لن يناسب العصر الّذي بعده، ومن الخطأ بمكان أن يبقى العمل الّذي نقوم به دون مراجعة وتطوير وتحديث، فليس كلّ قديمٍ تراثٌ يجب الحفاظُ عليه، ولا كلّ جديد تقدمٌ وحضارة يجب الأخذ به، لنا عقول نقيم الصحيح من السقيم، فنأخذ بالصحيح، ونطوّره ونحدّثه، وننبذ السيء والغير مناسب لديننا وعاداتنا، وإبقاء المشاريع العلمية القديمة دون مراجعة ولا تحديث يعيقُ تقدّمنا الحضاري، فما يصلح في عصر البريد لا يصلح في عصر الفاكس، وما يصلح في عصر الفاكس لا يصلح في عصر الإيميل، وهكذا، نعم قد تكون مشاريعنا التعليمية السابقة جيدة، وحققت المقصود، لكنها في عصر غير عصرها، ولن تحقق المقصود، بل قد تكون عائقاً للتقدم والنهوض.
نحن نعلم أنّ المعلم فيما سبق كان هو مصدر المعلومة الوحيد، أما اليوم فهو مصدر من تلك المصادر المتوفّرة والمتعدّدة، وهذا من الأسباب التي أفقدت المعلم هيبته ومكانته عند البعض، فكما لا يصحّ أن نُبقي على الطباشير والصبورة، والعدّ على الأصابع، فكذلك لا يصح أن نبقي على مشاريعنا التعليمية السابقة قائمة وقائدة للمنظومة التعليمية الحديثة، فلكل زمانٍ آلته ورجاله.
11 – التّحوّل من المركزية المفرطة في إدارة النظام التعليميإلى اللاّمركزية: تتمحور المركزية واللاّمركزية في العمل الإداري حول القرارات والتوجيهات الإدارية، فكما أنّ المركزية تفيد في توحيد القرارات، والوصول إلى قدر معقول من العدالة الإدارية، والدقة في تطبيق اللّوائح والأنظمة، إلاّ أنّ سلبياتها أكثر من إيجابياتها، فمن أبرز سلبيات المركزية الإدارية في التعليم وغيره أنّها تؤدي إلى وأد روح الابتكار لدى القياديين الّذين ليس لهم صلاحيات، كما تؤدي لتهميش الإداريين ذوي الكفاءات المميزة، ومن سلبياتها أيضاً أنّها تشغل المسؤول الموكل إليها اتخاذ القرارات بأمور ثانوية على حساب المسائل الجوهرية الهامّة، كما أنّ القرارات المركزية قد لا تلائم جميع المناطق التابعة لهذه الدائرة الرئيسية، فقد تكون القرارات صالحة لهذا القُطْر، وغير صالحةٍ للقُطْر الآخر، ومن سلبياتها أيضاً تأخير إنجاز المعاملات لانتقالها من هذا القطر وذاك إلى مركز اتّخاذ القرار.
لا يعني هذا أن نتحوّل من المركزية إلى الفوضوية، بل المراد هو توحيد الرؤى في اتّخاذ القرار لتجنّب الخللللوصول للأفضل، وللوصول لهذا الهدف المنشود ينبغيتشكيل مجلس من جميع المناطق، وليس بالضرورة أن يكون المجلس من مدراء التّعليم، ولا أن يُقصَوا، المقصود الخبرة والكفاءة وليس المنصب، يجتمعوا اجتماعاً ربع سنوي أو سنوي على الأقل لمراجعة القرارات التي اتّخذت وتقويمها، وتقديم التقارير الدقيقة عن ملائمتها وجودتها وصلاحيتها للمنظومة التعليمية لجميع المناطق، وإعادة النّظر في القرارات التي تم اتّخاذها فتبيّن أن غيرها أصلح منها، وإيجاد البديل الناجع والمفيد.
12 – شمولية البرامج التطويريّة لجميع عناصر التعليم وقياداته: إذا أردنا الفوز في سباقٍ ما فعلينا أن نطوّر الآلة التي نسابق بها، والقائد لهذه الآلة ليكون مؤهّلاً لقيادتها، وأي تقصير في أحدهما فسنبقى متأخّرين بقدر تقصيرنا فيهما أو في أحدهما.
وهذا ما ينطبق حرفياً على المنظومة التعليمية، إذا أردنا النّجاح في برامجنا التّعليميّة فعلينا تطويرها، ولنسابق الزمنَ في ذلك للوصول للهدف المنشود، علينا أن نطوّر المناهج والأدوات والوسائل لتوائم المخرجات المطلوبة، تحقيقاً للرؤية المرسومة، فنحن في عصر الحاسوب المتقدم، والألياف البصرية، والحزم الضوئيّة، والنانو وما بعد النّانو، والتطوير يقتضي بالضرورة الشمول، فلا نكتفي بجزءٍ من مناهجنا نعكفُ على تطويرها ونهمل المناهج الأخرى، ولا نبدأ بالمهمِّ قبل الأهمِّ، التعليم الدّيني، والتّعليم التقني كلاهما يجب أن يتواكبا مع العصر الحديث، يجب أن نغير لغة التعليم الديني لنحافظ عليه، نغير لغة الإردبّ، والصاع، والذراع، والباع، إلى الكيلو والسنتي والميل والملّي، يجب أن نتجاوز خلافنا مع الفرق القديمة التي اندثرت، فندع الكرامية والكلابية، والأشاعرة والمعتزلة يهنؤون في قبورهم، فقد أفضوا إلى ما عملوا، وما أعلم عنهم إلاّ أنّهم أرادوا نصرة دين الله، فأخطأوا وأصابوا، وإذا صلحت النّوايا وهذه علمها عند الله فالمخطئُ والمصيبُ كلاهما مأجورٌ، فلماذا نفني أعمارنا في الخلاف معهم، يجب أن نركّز على الخوارج لأن فكرهم لايزال ممتداً من القاعدة إلى داعش في حبلٍ من مسدٍ، ونركّز على الرافضة الفرسِ، فهم الدّاءُ، وأُسُّ البلاءِ، فخلافنا مع الفرسِ المجوس لا مع الشيعة المحبين لعلي رضي الله عنه والمحبين كذلك لبقية أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، يجب أن نركز على تعليم العقيدة الصحيحة السليمة البعيدة عنتحريفات المبطلين، وتأويلات الحاقدين، وتجاوزات الجاهلين، فنعلّم عقيدة الولاء والبراء، فليس كل تعامُلٍ مع اليهود والنصارى ردّةٌ، ولا حتى معصيةً، فقد تعامل معهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم، وكان يزورهم في مرضهم، ومات عليه الصلاة والسلام ودرعه مرهونةٌ عند يهوديُّ، وكان عمر الفاروق رضي الله عنه يفرضِ للعاجزين من اليهود والنصارى من بيت مال المسلمين، ويقول: ما أنصفناكم، أخذنا منكم في شبابكم، وأضعناكم في شيخوختكم، يجب أن نعلّم أبناءنا أن إخراد اليهود والنصارى من جزيرة العرب تعني ألاّ يبقى فيها دينان حاكمان، وليس معنا ذلك ألاّ يدخلها يهوديُّ ولا نصرانيُّ، وقد أجلى عمر رضي الله عنه اليهود لشمال المدينة، ولليمن، وهذه من الجزيرة العربية، ومعنى أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب أي: لا يحكم في هذه البلاد إلاّ الإسلام، فلو اختصم مسلم وكتابيُّ، حُكِم بينهم بالإسلام، ولو اختصم اثنان من أهل الكتاب حُكم بينهم بالإسلام أيضاً لا بدينهم، ميزة لهذه البلاد، لا أن المعنى أن نضع سوراً على المملكة العربية السعودية ودول الخليج واليمن، ونضع بوابات على السور وحرّاساً فلا يدخلها يهوديُّ ولا نصرانيٌ، أي عقل يفكر هكذا يجب أن يكون في مصحّةٍ نفسية، لأنه يتهم الإسلام بعدم صلاحيته لكل زمانٍ ومكانٍ، كما يجب أن يكون تركيزنا على الكليات لا على الشكليات، لقد غرقنا وأغرقنا المنظومة التعليمية في شكليات الأهداف، الرسالة، الرّؤية، المخرجات، حتى أضحى حفظ هذه المصطلحات هو العلم الّذي نفخر به، إنّنا بهذا نشبه صاحب الحديقة الّذي يتحدث طويلاً مع عماله عن نوعية السياج ولونه وصلابته، وطريقة الرّيِّ … ويكتفي من عماله بحفظ تلك التوجيهات والتعليمات، واللصوص يسرحون ويمرحون داخل الحديقة يسرقون ويخرّبون، وهو غارق في التوجيهات وعقد الدورات فيها.

13 – ألاّ نربطّ عمليات التّطوير لدينا بمؤشّرات أداء ومعايير عالميّة: وهذا ما عنيت به في الفقرة السابقة من الحديث عما يعرف بمعايير الجودة، طلابنا بحمد الله وفضله عباقرة، والنتائج العالمية تشهد لهم بذلك، ويكفي أن نعلم أنّ المملكة العربية السعودية لدى أبنائها من براءة الاختراع ما يعادل ثلاثة أضعاف ما لدى الدول العربية مجتمعة.>

شاهد أيضاً

جامعة الملك خالد تستضيف ندوة “عسير منطقة الطهي العالمية”

صحيفة عسير _ أبها انطلقت أمس فعاليات ندوة “عسير منطقة الطهي العالمية”، التي تستضيفها جامعة …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com