الشّيم الشَهم .. علي بن صالح

علي القاسمي

  • ثمة رجال حين يأتي الموت ليأخذهم فهو لا يكتفي بفجيعة الأخذ والانتقاء ، بل انه يمضي ليرسم وجعاً كبيراً ، ويترك أثراً نحتاج معه لرصيد وافر من الصبر والتعود المُّر على نسيان قاسٍ وحاد ، وفي مجتمعاتنا التي تذوب فيها جملة من عناوين المروءة والشيمة والعطاء ننكسر ونخجل ونهزم حين يرحل شيخُ هذه العناوين وعرّابها في الزمن الصعب والظروف القاسية وتقلبات الحياة ، وهنا ومن هنا فالذكر الحسن والسمعة الفاخرة الطيبة والذكريات الأصيلة والوفاء المتفرد والفطرة المتجذرة لا يمكن أن تجدها مجتمعة في رجل إلا وهو استثناء في الخطى والخطوات والتجارب والحكايات وعملاق في الوصف والوصفة عصي على التكرار والنسيان .
    في القرى الحالمة والجبال العالية والمساحات المتعطشة للأصيل من الرجال والثري بالأخلاق والمبادئ ولطف المعشر عاش الوالد / علي بن صالح آل صالح ، وخلّد في الأمكنة التي تنفس بها وتنقل تاريخاً من الكرم وعمراً من العطاء السخي وسيرة تتحدث عن أن الرجال المختلفين والأثرياء قدراً وقلباً يأسرون الكبار والصغار ، وحين يغادرون – دون عودة – فهم يوزعون البكاء والحزن والألم على الذين عرفوهم وأدركوا هيبة الأمكنة بهم ، وارتفاع الهمم معهم ، وجمال اللحظات برفقتهم وفي ضوءهم وإطلالتهم ، حين يرحل مثل هؤلاء فهم يقدمون دروساً عظيمة عن جمال أن تصنع أثراً وتأثيراً وحباً ونقاءَ وصدقاً .
    الجبل الشامخ والوالد الراحل / علي آل صالح .. سامحنا فنحن قومُ لا ينثرون مشاعرهم ولا يكتبون بحرقة وصدق إلا مع المصافحة الجبرية للموت ، هكذا اعتدنا أن نستيقظ للرجال النبلاء في حضرة الغياب الحاد كـ نصل ” الموت ” ، وهذا عيب فظيع وجرح منزو متوارٍ ، لكننا وللحق أحببناك ورأيناك علامة فارقة في مشهدنا الاجتماعي ، كنا نهابك ونعتز بك ، نحفظك مواقِفاً وتواضعاً وعلواً وصعوداً بنا نحو الجمال والجميل ، ويكفي أنك اسم على مسمى العلي علي … والرجل الصالح .
    للولد والحفيد والمحب والصديق ولمن يعنيه الفقيد ، لكم الفخر في أن سنين من عمركم كانت في حضرة أب نموذجي عطاءً وطيبة ونقاءً ، ولكم متعة الفرح أنكم ودعتم شيخاً حقيقياً ، شيخاً بالمواقف والأفعال ، ورمزاً جنوبياً فاخراً محبوباً بتجرد تام من المجاملات وخدع العلاقات الشخصية ، كان الوالد الراحل أبا صالح ” عمدة ” و ” عميداً ” ، عمدة يضيء الطريق لمسارات النقاء والطيبة الخالصة ، وعميدا للسمو والتسامح والسيرة العطرة من الصغر لـ الكبر ..
    إذا جاء ذكر رجال المع محافظةً وإنسانا ومكاناً حضر علي بن صالح بما لم يحضر به أحد من قبله ، وها هو الآن يغيب عن البشر الذين أحبوه بعمق ، وعن الجغرافيا الساحرة التي عشقها وعشقته ، وظل فيها جزءاً شامخاً فيها ومبهراً بها ، وليت أنا قادرون على استنساخ رجل بقامته وقيمته وصدقه وحضوره ، وحتى وهو يطوي اللحظات الأخيرة من حياته أصر إلا أن يقدم حكاية سترويها الأجيال من بعده ، حكاية لوجه الله ثم للشرفاء من بعده ، حكاية للتاريخ حقاً ، ” ولكن الرزية فقد شهم … يموت بموته خلقُ كثير ” ، علي بن صالح الى جنات النعيم ولكل ذويك ومحبيك الصبر والسلوان .

>

شاهد أيضاً

 (نبض عسير (٦٢٩) الذاكرة الابهاوية بين الماضي والحاضر وعالمية المُستقبل)

بقلم/ بندر بن عبدالله بن احمد ال مفرح ✍️من لايشكُر الناس لايشكُر الله في البداية …

تعليق واحد

  1. ابراهيم الألمعي

    غفر الله ، من مواقفه أتاه شابان من قبيلة مجاورة لقبيلته وأخبراه بأنه تم فصلهما من الجامعة لسبب ما ، وأخبراه بأن ذويهم سيغضبون وربما ستكون ردة فعلهم قاسية ، فما كان منه إلا أن ذهب في اليوم التالي بنفسه للعمادة المختصة وعلى سجيته وببلاغته استشفع للطالبين وأعاد قيدهما للجامعة وهو لا يعرفهما.
    ومن طباعه أنه يذهب للتسوق ليلا فإن وجد أحدا في طريقه أقسم عليه إلا أن يشاركه العشاء في منزله. كان كريما متواضعا شهما ، وصدق من سماه (سلطان المحاضر)

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com