لماذا جمال خاشقجي وفي هذا التوقيت بالذّات”


لا يجوز بأي حال من الأحوال ذكر الميّت إلا بمحاسنه، ومعاذ الله أن نتشفى أو أن نستهزئ برجل لقي الله عزّ وجل، غير أنّ السؤال المطروح والمشروع هو: لماذا جمال خاشقجي؟ ولماذا هذا التوقيت بالذّات؟ ومن المقصود من هذه الهجمة الشرسة واللطم وصواوين العزاء على خاشقجي؟ كل هذه التساؤلات أحاول الإجابة عليها بناءً على القراءة الخاصة الغير رسمية.
أوّلاً: أمّا لماذا جمال خاشقجي؟!! فأعتقد أنّ الرجل في آخرته قد تحوّل من إخونجي إلى شبه معارض للإخونجية، فقد صرح في بعض لقاءاته في الآونة الأخيرة أن على جماعة الإخوان الابتعاد عن السياسة والاهتمام بالعمل الدعوي لأنّهم في السياسة أتوا بالطوام،ومن ذلك موقفهم المخزي من تحرير الكويت، وموقفهم الثاني من النهضة في مصر ومحاولة تحويل مصر من دولة لها ثقلها إلى حزب إخواني، ولم يذكر جمال تماهي الإخوان مع الرافضة من حماس إلى العدالة والتنيمة!! وهذا يعني أنّ جمال خاشقجي أضحى يشكل عليهم خطراً محدقاً، ولا بد من التخلص منه، فكان التخلّص من جمال خاشقجي ضربةٌ لعصفورين بحجر واحدٍ، منها التخلّص منه، ومنها اتهام السعودية بذلك تنفيساً لأحقادهم.
وثانياً: لماذا هذا التّوقيت بالتّحديد؟!! فأعتقد أنّ هناك عدداً من الاحتمالات والمؤشّرات تشير إلى اختيار هذا التوقيت بالذّات، منها على سبيل المثال:
1 – محاولة تشويه سمعة ولي العهد الأمير الشاب: محمد بن سلمان القادم بقوّة لتحويل المملكة العربية السعودية من دولة كلاسيكية إلى دولة حديثة عصرية نهضوية قوية صناعية تعتمد على الله تعالى ثم على سواعد أبنائها وعلى استغلال الموادر الأخرى بجانب البترول، كما تعتمد على الصناعات الخفيفة والثقيلة، تعتمد على التقنية، تعتمد على استغلال جميع الموارد المشروعة للنهوض بالدولة العصرية، وتحويلها من دولة نامية إلى دولةٍ عظمى، وقد خطى في هذا المشوار خطواتٍ جبارة في زمنٍ قياسي، وحظي بتأييد شعبويٍ منقطع النّظير، فلا بد من محاولةٍ لتشويه سمعته ومحاولة الإضرار به وبمشروعه الجبار، وهي محالاتٌ فاشلة تشبه قَلْعَ جَبَلٍبِقَرْنِ وَعْلٍ.
2 – محاولة لفت الأنظار عن إخراج القس الأمريكي أندرو برونسن المعتقل في سجون تركيا مع الوعود باستحالة خروجه مهما كلف الأمر، فخرج في ضباب هذه الزوبعة المفتعل.
3 – محاولة التغطية على انهيار الليرة التركية التي فقدت أكثر من نصف قيمتها خلال أشهر قليلة، والتغطية على الاقتصاد التركي الذي نزف حدَّ الاحتضار.
4 – محاولة التعمية على التومان الإيراني وانهياره حتى أضحى أرخص من ورق التواليت، هذا قبل حلول العقوبات المفروض على إيران المجوسية والتي من المفترض أن تبدأ قريباً وما هي النتائج المتوقّعة من جراء ذلك.
5 – تصفية حسابات الإخوان مع المملكة العربية السعودية التي كشفت أوراقهم، وفضحت مؤامراتهم لتحقيق مآربهم للوصول لأهدافهم والاستيلاء على السّلطة في البلدان التي يتحكمون في مفاصلها، وتبريرهم للدمار العربي المسمّى بالرّبيع العربي، وسقوط بعض الدول العربية في براثن الفتنة والضياع والفوضى والقتل من ليبيا لسوريا لغيرها لولا أن الله سلّم.
6 – تماهياً مع الفرس المجوس حيث أوقف هذا البطل شبل الأسد المد الصفوي في المنطقة.
وكان الّذي تولّى كِبْرَ هذه الفِرْية الآلةُ المسماة بقناة الجزيرة لسان الأفعى القذر التابع للصهيوني عزمي بشارة، حيث أخذت هذه القناة تنشر الأخبار والتصريحات والوقوعات والإحداثيات قبل أن يعلم بها المسؤولين في السعودية وتركيا على حدٍ سواء، فأعلنوا من الساعات الألى أوّلاً عن اختطاف جمال خاشقجي، ثم أعلنوا عن قتله، ثم زعموا العثور على جثته في شقة في إستانبول، ثم زعموا تقطيعه بالمنشار، ثم أضافوا على التقطيع الأمر بسماع الموسيقىعلى أنغام المنشار الكهربائي، ثم زعموا تضجّر القنصل السعودي في إستانبول من طريقة القتل البشعة فنقلوا عن الجزارين تهديدهمللقنصل السعودي في تركيا بلزوم الصمت إذا أراد العيش في السعودية، ثم أعلنوا البحث عن جثة خاشقجي في غابة قرب استانبول …
كل هذا والسعوديةُ العظمى مديرةٌ ظهرَها لهذه الأبواق الوضيعة لم تُعِرْهُم أي انتباه، ولم ترد عليهم وتجاهلتهم ولسان حالها يقول لهم: موتوا بغيضكم، فإنّ الرد على السفلة رِفعٌ لخسيستهم.
جمال خاشقجي يا سادة ياكرام لا يساوي في ميزان الفكر شيئاً، فهو مجرد صحفي لا أقل ولا أكثر، وهو معارضٌ لسياسة بلده، ساعياً لإثارة الفتنة، وإنشاء حكومة إلكترونية في الخارج من تورنتو إلى فرجينيا بشرائح كندية وأمريكية هدفها الإضرار بالمملكة العربية السعودية، ويسعى عبر لقاءاته المشبوهة لاستعداء الغرب على المملكة العربية السعودية وفي العلن كما أظهرت المقاطع التي انتشرت له في الآونة الأخيرة مع مجموعة من المشبوهين يتحدث عن التغيير من الداخل والديموقراطية، هذا جمال يا سادة يا كرام!! فهل تبكون على بيدركم الّذي سقط؟!!.
إذا كنتم لا بد باكين لا أرقى لكم لكم عيناً فابكوا أيضاً علىشخصياتٌ كبيرة قُتلت لها وزنها مثل: أميرة ولز ديانا الّتي لم يخصص لها إعلام الصهيوني عزمي سوى سويعات، وقُتل المعارض الإيراني: سعيد كريمان، ومرافقه الكويتي: محمد متعب الشلاحي في تركيا وفي وضح النّهار، وقتل السفير الروسي: أندريه كارلوف في تركيا أيضاً، واعتقل عبد الله غول، واعتقل آلاف الصحفيين خلف غياهب السجون في تركيا ولا يَعلَمُ عن مصيرهم أحدٌ، وقُتل العشارت من الصحفيين في العراق وسوريا واليمن … وقناة عزمي بشارة مسلّطة أوباشها المرتزقة على جمال خاشقجي وكأنّه ولي عهد النّمسا: الأرشيدوق فرانز الّذي كان بسبب مقتله نشوب الحرب العالمية الأولى.
لقد اختطف جمال خاشقجي يا سادة يا كراك أيام الغزو الروسي لأفغانستان ولم يسأل عنه أحدٌ!! واختطف يوم أن كان مراسلاً لمجلة البيارق الأفغانية ولم يسأل عنه أحد!! واختطف يوم أن كان مع القاعدة يروّج لعبد الله عزّام وأسامة بن لادن ولم يسأل عنه أحدٌ!!واختطف يوم أن انضم لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية ولم يسأل عنه أحدٌ!! واختطف يوم أن كان يروّج للتعدّدية مع الرافضة ولم يسأل عنه أحدٌ!! واختطف يوم أن كان يمجّد السستاني ويثني عليه ويطالب أن يُعطى جائزة خدمة الإسلام ولم يسأل عنه أحد!! واختُطف يوم أن كان يقترح على مفتي السعودية وشيخ الأزهر وغيرهم من علماء الأمّة الإسلامية أن يذهبوا للسستاني ليقبّلوا يديه!! ولم يسأل عنه أحدٌ، واختطف يوم أن كان في صفّ قطر ضد بلده السعودية ويصف حمد بالوالد مع موقفها المخزي ضد السعودية ولم يسأل عنه أحدٌ!! واختطف يوم أن غدر بالسعودية وغادرها خلسةً عام: 1439هـ لأمريكا ولم يسأل عنه أحد!! واختطف وهو ينادي بتغيير الدين الإسلامي في قبلة المسلمين المملكة العربية السعودية إلى الديموقراطية وينادي بالتغيير من الداخل وإثارة الفتنة ولم يسأل عنه أحد!! ومع كل هذه الاختطافات لم يتحدث أحدٌ عن جمال خاشقجي، ولم يُفْرِدْ له أحدٌ سطراً في الصحافة المحلية أو العالمية، ولم يُذْكر كخبر رسمي أو فرعي في قناةٍ من القنوات، غير أنّ الوقت المناسب للمرتزقة الآكلين بذممهم الرخيصة هو الآن ليشنّو حرباً شعواء تشبه حرب البسوس وداحس والغبراء على السعودية، وأنا على يقين أنّ كل من تطاول على المملكة العربية السعودية العظمى، ولعب ضدها سيعض يد الندامة، يوم لا تنفعه الندامة، ويقول يا ليتني لم أتخذ عزمي والقرضاوي خليلاي والأيام بيننا.
سادتي الكرام: في خطوةٍ جريئةٍ وجبارة لا يُقدم عليها إلاّ العظماءُ أعلنت دولة العدل المملكة العربية السعودية عن اعتقال ثمانية عشر متّهماً كلهم سعوديون يشتبه أنّ لهم يدٌ في مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وهذا الإعلام من وجهة نظري يحقق ما يلي:-
1 – قطع الألسن والتّكهّنات والتخرّصات وإسكات المنابحين في كل مكان عن التّخلّل بألسنتهم تخلّل الأبقار وتحميل الموضوع أكثر مما يحتمل.
2 – قطع الطريق على الرّاغبين الاسترزاق من قضية جمال خاشقجي رحمه الله تعالى بالابتزاز وكأنّهم قد مسكوا على المملكة العربية السعودية ما لا تقدر على دفعه، أو تخشى منه.
3 – إظهار الحقيقة مهما كانت والاعتراف بالحقيقة من شِيَمِ النبلاء الكرام، وهذه الميزة لا تجدها عند غير حكام المملكة العربية السعودية، لن تجدها حتى عند أقوى دول العالم اليوم، فهذا جون كندي الرئيس الخامس والثلاثين لأمريكا اغتيل عام: 1963م وإلى الآن لم يُعلم من قتله، ولم تعترف دولة أو منظمة بذلك، والليدي ديانا أميرة ولز قُتلت ولم يعترف أحدٌ بمقتلها!! والرئيس الجزائري محمد بوضياف قتل علناً ولم يعترف أحدٌ بقتله وأسباب قتله، والقائمة طويلة.
غير أنّ الّذي يجب أن يعلمه القاصي والدّاني، المحب والمبغض أن الحكومة السعودية لا يد لها في قتله، ولديها ثمانية عشر متّهماً سعودياً قيد التحقيق قد يكون لهم يدٌ في ذلك، والمدعي العام أعلن أن المؤشرات تحوم حول هؤلاء الثمانية عشر، وأعلنت مملكة العدل أن من تورط في القتل سيقدم للمحاكمة العادلة، وأُبرّيء الحكومة السعودية للأسباب التالية:
1 – أن الصحفي جمال خاشقجي رحمه الله تعالى لم يكن معارضاً صريحاً بل كان مذبذباً، فتارةً ينتقد بعض التصرفات في المملكة، وتارةً أخرى يشيد بساستها في الداخل والخارج.
2 – أن المملكة العربية السعودية في عصورها الثلاثة يدها نظيفةٌ لم تتلطّخ بالدماء، ولا تعرف الاغتيالات، لأن هذا دينها وعقيدتها التي تدين بها، أما الأيادي الملطّخة بالدماء فهي معروفة ومن أراد معرفتها فليقرأ قليلاً، ولينظر شمالاً ويميناً.
3 – لو افترضنا جدلاً أنّ السعودية تريد تصفية جمال خاشقجي فلن تقدم على هذه الطريقة المكشوفة التي ستؤلّب عليها العالم بأسره خاصةً في قنصلية دولة ليست العلاقات بيننا وبينها على أحسن الأحوال، وكان بإمكانها تصفيته علي يد مخور أو رجل عصابة بحفنة من الدولارات كما اغتيل من اغتيل في تركيا وغيرها.
4 – أن المملكة العربية السعودية لم تتعرّض لمن هم أفجرُ منه خصومة، وأقذع ألسنة، وهم على علاقة مكشوفة وواضحةٍ مع إيران وقطر والقذافي أيام حكمه، كالمسعري وسعد الفقيه وغانم الدوسري وغيرهم من المرتزقة المجرمين، فكيف تدع هؤلاء السفلة وتغتال خاشقجي؟!!!.
5 – أن الأنباء توافرت من فترة أن هناك تواصل مع جمال خاشقجي رحمه الله تعالى للعودة للسعودية، ووعود منه بالعودة حتى أن له تغريدات يقولو فيها بلدي وأهلي، فهل يعقل أن تغتاله وهو على أعتاب العودة لبلده، لو أرادت تصفيته لانتظرت حتى عودته مثلاً، وهذا لا ينفي أن يكون هناك بعض السعوديين لهم يد في قتله لكنهم تصرفوا من تلقاء أنفسهم وسينالون عقابهم إن ثبت ذلك عليهم.
وأخيراً: هذه المعلومات التي تنشرها قناة الجزيرة بكل جرأة، واستماتة القناة وإصرارها عليها على كثرة المخالفين لها من المحلّلين تدل على أحد أمرين: –
1 – إما أنّ تكون قطر متورّطة مع القتلة وأقنعتهم بشكلٍ من الأشكال كما أقنعت خالد شيخ محمد مهندس هجمات الحادي عشر من سبتمبر على إشراك أحد عشر سعودياً في الهجمة لتوريط السعودية مع أمريكا.
2 – أو يكون مراسل الجزيرة حاضراً مع القتلة الجزارين داخل القنصلية وهم ينشرون جمال خاشقجي رحمه الله ويستمعون لأنغام الموسيقى وهو يتابع عن كثب ويهزّ ويصوّر!!! لا يوجد تفسير عنديغير أحد هذين الاحتمالين.
ملاحظة هامّة: ما أعلنته مملكة العدل المملكة العربية السعودية من اعتقال مجموعة على ذمّة التّحقيق في قضية خاشقجي هو الفصل الأوّل من المسرحية، وهناك فصول لم ترفع عنها الستارة وسيكون رفعها قريبٌ جداً عندها ستنجلي الحقائق وعندها:

ستعلم إذا انجلى الغبارُ
أفرسٌ تحتك أم حمارُ
حفظ الله خادم الحرمين الشريفين وولي عهد الأمين من كل شرٍ وكيدٍ، ونفع بهما البلاد والعباد، والإسلام والمسلمين في كلّ مكان، وحمى هذه البلاد من شرِّ كل ذي شر، وعلى يقين أنّ كل من أراد بهذه البلاد قبلة المسلمين شراً أن سهامه سترتد في نحره.
أ.د: عبد العزيز بن عمر القنصل
جامعة الملك خالد – كلّية الشريعة وأصول الدين
قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة>

شاهد أيضاً

الكتب السماوية

بقلم / سميه محمد الكتب السماوية هي التي أنزلها الله من فوق سبع سموات على …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com