كورونا وإنسانيتنا

جوري  الغامدي

فترة جعلت الركض وراء الحياة يتأنّى قليلاً بل يتوقف طويلاً طويلاً ..
لتعود الأسرة تلتم من جديد تعطلت الدوامات وأُوقف التعليم وأُغلقت المساجد لتعود الحياة لطبيعتها الأولى اجتماع أسري حميم يجتمع فيه الأب بأسرته يتجاذبون أطراف الحديث سوياً ويصلون معاً ويستمعون الأخبار ويتشاركون الوجبات !
كنّا نحلم في حياة أسرية جميلة كهذه فلعّل كورونا قدمها للجميع ليستغلوها وينجزوا أعمالهم ويرتبوا فوضى الحياة فيهم ؛
لتعود معها رحلة البحث عن مواهبهم وقدراتهم التي غابت أو تعثّرت بسبب زحمة الحياة وتسارع عجلة الزمن !
يمارسون هواياتهم بعيداً عن صخب الحياة والمدنيّة الروتينية القاتلة !

كورونا التي أتت لتخبـرنا بأن الوطن هو الأهم في حياة كل البشرية بل هو الوطن الأم الذي نشعر من خلاله بوطن الأسرة العظيم ووطن الأقليم الذي نعيش فيه فالوطن هو الكلمة العظمى التي ترسم لنا خارطة الطريق وأسلوب الحياة الحقيقي والعودة إلى عمقنا النبيل الطاهر ..
نتابع بشغف الأطفال ولهفة الحلوى في عيون الطفولة ماتقدمه مملكتنا من عطاء وتضحيات لكل المواطنين والمقيمين على أرضها وخارج أرضها من السعودييين وهل تفعلها دولة أخرى غير السعودية العظمى ؟!

نتابع مايقوم به جنودنا البواسل من دفاع وكفاح وتضحية وفداء في الوقت الذي نعيش بسلام وأمن وأمان ملتزمون بمسؤولية البقاء في منازلنا نحمل شعار حكومتنا الرشيدة والتي كان ومازال المواطن السعودي هدفها الأول والأخيـر
نمتثل لأوامر قادتنا كواجبٍ وطنيٍ بالدرجة الأولى تمليه علينا المواطنة الصادقة والعهد والولاء والانتماء .. !!

الكثير منَّا يعيش تلك اللحظات بكل تفاصيلها الصغيرة منها والكبيـرة يستمتع بالمكوث مع أسرته يستعيد ذكرياته يعبر بها صمت الأسرة فيخلق أجواء من الفرح والإيجابية والأنس بعد معاناة الأمس ..
لقد أعاد هذا الحجر المنزلي قيمة الأسرة والمنزل وتلك اللمة واللحمة الجميلةً بين العائلة وعدنا بحاضرنا لماضينا الأصيل ..

فيروس كورونا وإن كان مخيفاً إلا إنه صحّح الكثيـر من المفاهيم والمعتقدات التي كرّست لها البهرجة الاجتماعية المارقة من حقيقة الواقع ساعد في هذا الهياط المجتمعي المزيّفة وسائل التواصل بشكل مبالغ فيه حتى كأننا لا نعيش إلا في تلك العوالم الافتراضية من أجل إبراز مظاهر الترف واللهو والزينة وغيرها التي ضاق بها مجتمعنا وبتنا معها نعيش المثالية المبنية على المجاملة والملاطفة حتى بات مجتمعنا يسعد لموقف ويغضب لآخـر بطريقة فيها من السذاجة والإسفاف الغير مقبول ؟!
إن بإمكاننا العيش بهدوء وبساطة وتصالح مع الذات بعيداً عن مساحيق التجميل الإجتماعية التي تحركها نزعات شيطانية ما انزل الله بها من سلطان ؟!
ظهر التعاون والحب والإخاء والإنسانية بين أفراد هذا المجتمع والمبادرات الخيرية والمشاريع المجتمعية النافعة في ظل رؤية وطننا 2030 تلك الرؤية الواقعية على أرض الحقيقة البيضاء بعيداً عن المثبّطين الحاسدين الناغمين الناعقين !!!
وأنا أشاهد الزمان وكأنه يعود بي لحكايات أبي عند المساء وهو الذي قبل عدة اعوام كان يقول لي :
” يا ابنتي كان لايأتي الغروب إلا والجميع
بالبيت .. وكان يردّد :
” الليل يا ابنتي مأوى والنهار معاش ”
أما والدتي التي شاركت أبي كل تلك الحكايات الجميلة فكانت تقول لي :
” الآن لاشيء جديد يا ابنتي تلك هي حياتنا القديمة كنّا نقتصد في كل شيء الإدخار كان ضرورة والزواجات كانت مختصرة بسيطة والجميع متعاون تلك هي حياتنا يا ابنتي ..
تصمت قليلاً ثم تستطرد في حديثها العذب قائلةً :
” دولتنا تبذل جهود عظيمة لخدمة هذا المواطن الغالي عليها ..
في زماننا لم تكن هناك مستشفيات ولا أخبار ولا وسائل إعلام كنَّا نبحث عن قوت يومنا ومصدر رزقنا الحلال ..
لم تكن تلك النعم التي تقدمها مملكتنا لنا الآن لتختم كلماتها وهي ترفعُ كفيها للرب متضرعةً :
(اللهم احفظ بلادنا قيادةً وشعباً
اللهم احفظ بلادنا من كل شر ومكروه ” .

فيروس كورونا الذي عصف بكل العالم لم يجد في مجابهة إلا وطني المملكة العربية السعودية وهي تبذل عبر كافة قطاعاتها وأجهزتها الغالي والنفيس للحد والقضاء على هذا الفيروس الخطير فكم دعمت داخلياً وخارجياً ومازالت عنواناً للتحدي والإنسانية على كافة الأصعدة ..
رأيت مناطق وطننا وكأنها خلية نحل لا تندأ من العمل المتواصل والجهود الجبّارة ..
وعن منطقتي الباحة فلن تكفي حروفي في إنصاف حسامها العظيم الذي بذل الغالي والنفيس من أجلها ..
هذا الحسام الذي يتابع هنا وهناك ويقدّم مبادراته وأفكاره وطموحاته وآماله للجميع ..
الحسام الذي جعل من الباحة واجهة عطاء مستمر وبوصلة نجاح يعانق المجد ..
هذا الحسام الذي كلما رأيته رأيت الأمير المسؤول والإنسان المتواضع المحب للصغير والكبير .. الأمير الذي يشعرك بالمشاركة في المنجز والإنجاز حتى في عزِّ الأزمات تجده صوت العقل والحكمة والرأي السديد .

غداً سنتجاوز هذه الأيام العصيبة بإذن الله بتكاتفنا وتنفيذنا للتوجيهات وستعلمنا هذه المرحلة الكثير الكثيـر ..
سنستعيد ذكرى هذه المرحلة كلما ابتعدنا عن إنسانيتنا وحياتنا الجميلة ..

السطر الأخيـر :
يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم :
“مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا “>

شاهد أيضاً

عبدالله الدجران لـ” عسير ” : مزاد الجنوب للإبل بنسخته 3 مختلفاً عن النسخ السابقة

النقيع – تقرير – حنيف آل ثعيل : التقت صحيفة عسير الإلكترونية برجل الأعمال عبدالله …

2 تعليقات

  1. جميل مادونت
    اللهم ارفع عنا هذا الوباء والبلاء وعنا بلدنا وعن سائر بلاد المسلمين…
    ماسخر الله شى في هذه الدنيا إلا لحكمه (ولو كان بلاء) فلنبحث عن الأمر الايجابي الذي بداخله وناخذ به.

  2. الحمدالله على كل حال
    هذه الجائحة أعطتنا فرصة لمراجعة أنفسنا ولاستشعار النعم التي من الله بها علينا دون تقدير منا .. اللهم أرفع عنا الوباء وقنا شر الداء عاجلاً غير آجل .
    تحياتي لك

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com