رعاية الفِكر في مواجهة الفِكر‎

IMG-20151001-WA0049-1

استطاع الطب النفسي منذ القدم أن يحتوي الأشخاص الذين يعانون اضطرابات نفسية ، وانحرافات سلوكية ، قد تؤذي الشخص نفسه ، أو تؤذي من حوله ، فهذا أبو البركات هبة الله بن علي بن ملكا المولود بملكا بالعراق وهو الطبيب الذكي العالم بعلوم الأوائل ذائع الخبر يذكر له ابن أبي أصيبعة نادرة في المداواة بالإيهام مع أحد المرضى النفسيين ،  فيقول : ” إن مريضًا ببغداد أصابه عرض الماليخوليا حيث اعتقد أن على رأسه وعاء لا يفارقه ، فكان يمشي برفق متجنبًا الأسقف القصيرة ، ولا يجعل أحدًا يدنو منه حتى لا يميل الوعاء فيقع عن رأسه ، وطلب الرجل العلاج حتى وصل به الأمر إلى ابن ملكا الذي فكر في علاجه بالأمور الوهمية ، فقال لأهله : إذا كنتُ في الدار فأتوني به ، ثم أمر أحد غلمانه أن إذا دخل عليه المريض ، وبدأ في الكلام معه ، وأشار للغلام بعلامة بينهما أنه يسارع بخشبة كبيرة فيضرب بها فوق رأس المريض كأنه يريد كسر الوعاء الذي يزعم أنه على رأسه ، وأوصى غلامًا آخر وكان قد أعد معه وعاء في أعلى السطح أنه متى ما رأى ذلك الغلام قد ضرب فوق رأس المريض أن يرمي الوعاء الذي عنده بسرعة إلى الأرض .
فلما حضر المريض ، وبدأ في الكلام معه أشار إلى الغلام الذي عنده فأقبل إليه ، وقال : لا بد لي أن أكسر هذا الوعاء ، وأريحك منه ، ثم أدار تلك الخشبة التي معه ، وضرب بها فوق رأسه ، وعند ذلك رمى الغلام الآخر وعاء من أعلى السطح ، فكانت له ضجة عظيمة ، وتكسر قطعًا كثيرة . فلما رأى المريض ما فعل  به ، ورأى الوعاء المنكسر لم يشك أنه هو الذي كان على رأسه بزعمه ، وأثر فيه الوهم أثرًا برئ من علته تلك !! وقد قيل : هذا باب عظيم في المداواة ” .
أورد هذه القصة ، وأنا أقرأ قصورًا كبيرًا في اهتمامنا بالطب النفسي في علاج كثير من مشكلات المجتمع ؛ ولعل أبرزها الفكر المتطرف المنحرف !!
فالفِكر غالبًا لا يعالج إلا بالفكر ، والذين يعملون ليل نهار من أجل إفساد العباد ، والإضرار بالبلاد بحاجة إلى التصدي لهم كما هو متبع ، ومن أهم وسائل التصدي مجابهة هذا الفكر المنحرف من قبل المختصين في هذا المجال من خلال الإعلام ، والبحث العلمي ، والندوات ، وتقديم الاستشارات ، وتفعيل دور مواقع التواصل الاجتماعي .
ولا يكون همُّنا فقط هو التعامل مع من وقعوا فريسة لهذا الفكر ، بل وبتوعية أفراد المجتمع كبارًا وصغارًا والتعامل مع الواقع الراهن بكثير من التبصير والإيضاح يتصدى لها المختصون في هذا العلم من أطباء وأساتذة ؛ وذلك بتطبيق برامج في المدارس والجامعات تعمل على رسم الطريق الصحيح ؛ لبناء هذه النفس البشرية يتم من خلالها إشراك ولي الأمر وتبصيره بكثير من الأمور المستجدة في العالم اليوم ، والإفادة من دورات التطوير وبناء المهارات وتفعليها في قطاعات الدولة ومؤسساتها .

ماجد محمد الوبيران

>

شاهد أيضاً

أسرة ال دليم مدرسة في الحكمة والحنكة

  بقلم أ/ خالد بن حريش ال جربوع في ليلة جمعت بين الحكمة والحنكة وبين …

13 تعليقات

  1. أبومحمد الأسمري

    بارك الله فيك يا أبا محمد
    لابد من تظافر الجهود من جميع مؤسسات المجتمع الرسمية حتى يد مغ هذا الفكر الد خبل على شبابنا ونسأل الله أن يرد كيد الكائدين في نحورهم وأن يحفظ بلادنا وشبابنا من كل مكروه إنه على ذلك قدير .

  2. حفظ الله بلادنا وشبابها من كل فكر ضال وادام عليها نعمة الامن والامان

  3. بسم الله
    تماماً كما قلت ” بتوعية أفراد المجتمع كبارًا وصغارًا ”
    مثال على ذلك التغيرات النفسية المصاحبة لمرحلة البلوغ كحب الوحدة والعزلة والإنطوائية كثيرٌ من الأهالي يظنون أن أبناءهم يعانون من مشاكل مع آخرين ولا يريدون إطلاع أحد عليها بل قد تحدث المشاكل من الأهل مع أبناءهم بسبب هذه التغيرات التي يجهلون أسبابها الفعلية وبالتالي يحتاج الجميع للتوعية وأيضا معرفة المشاكل المشابهه الأخري واكتشافها مبكراً وبالتالي المسارعة بحلها لدى ذوي الإختصاص.
    شكراً أبا محمد وعذراً على الإطالة….

  4. شكرآ أبا محمد
    على طرح مثل هذه المواضيع التي أصبحت هاجس العالم بأسره والفكر لايعلج إلى بفكر أشد منه وذلك لنه ترسخ في أدمغة اوليك الذين اتبعوه كلام جميل من كاتب دايما نتقي مواضيع جديدة في غاية الأهمية فشكرا مرة اخرى ياابا محمد

  5. لابد من وعي الناس وتثقيف المجتمع ،، شبابنا ليس لديهم وعي وينجرفون وراء الإشاعات والمهاترات
    موضوع جميل وأشكرك يا أستاذ ماجد

  6. طرح متميز من أستاذ متميز ، بالتوفيق أبا محمد …

  7. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أشكر الأستاذ / ماجد على طرح هذا الموضوع ففي هذا العصر أصبح ينخاف من أصحاب الأفكار المنحرفة والسبب الرئيسي فيما أتوقع تنطلق من البيت في عدم الاهتمام وعدم المراقبة والدور الأول والأهم يعود على الأب أو الإخوان والأهل فإذا تجاوزت الحدود ذلك صعب علاجها بالسهولة ولكن جميل أن تفعل دور المصحات النفسية ولو إنه يقال تتغير جبال ولا تتغير طبيعة أسأل الله أن يدحر أصحاب الأفكار الهدامة وأن يكشف مخططاتهم وأن يرد تدبيرهم تدميرآ عليهم وأن يحفظ بلادنا وأهلها وقادتها من كل مكروه…
    شكرآ لك أبا محمد وفقك الله وسدد خطاك…
    محبك / حسن الجابري…

  8. ياسر بن مشهور

    تذكرت قصة ابراهيم عليه السلام مع النمرود .. الذي كان يعتقد انه يستطيع فعلا” ان يحيي ويميت .. وكيف تماشا ابراهيم عليه السلام مع فكره .. خطوة خطوة حتى بهت الذي كفر .. نحن بحاجة ماسة انية لأن نعمل العقل .. تلك النعمة التي وهبنا الله تعالى .. وفظلنا بها عن سائر المخلوقات .. لابد من اعمال العقل واستخدام التفكير المنطقي لكي نستطيع انتشال أبناءنا من براثن هذا الفكر ..
    في وجهة نظري المتواضعة .. ارى انه ينبغي تفعيل دور البيت جيداً متمثلا” في الأب والام .. لابد ان يتعب الاب والام على أبنائهم .. لابد ان نملاء جانبهم العاطفي الوجداني .. لابد ان يشعر الابن والبنت على حد سواء بأنهم مهمين وانهم مبدعين رائعين في محيط اسرتهم ..
    يقال والعهدة على السيد قوقل .. ان اديسون اعظم مخترع مر على البشرية .. ان المدرسة بعثت برسالة لوالدته .. وكان يرقب امه ان تخبره عما كتب في الرسالة .. فكانت تقول له وعيناها مليئة بالدمع .. ابنك عبقري والمدرسة صغيرة عليه و على قدراته .. عليك ان تعلميه في البيت
    ماتت ام اديسون. .. ومرت السنين .. ثم كان يفتش في اغراض امه فوجد الرسالة والتي كان مكتوب فيها ..
    ابنك غبي جداً .. فمن الغد لن ندخله المدرسة
    حينها بكى لوقت طويل جدآ .. ثم كتب في مذكراته أديسون كان طفلاً غبياً ولكن بفضل والدته الرائعة تحول الى عبقري

    حقيقة الموضوع ذو شجون وله اكثر من زاوية ومحور ولا تكفيه هذه الأسطر
    احببت ان اعرج على محور مهم جدا في نظري وتأتي بقية المحاور بعده
    على اني ارى الصحة النفسية والاهتمام بها لا زالت في مهدها فعيادات الصحة النفسية عندنا لا تتجاوزعدد اصابع اليد !!!!!!!

    دام فكرك وضآء …

  9. عبدالله آل نملان

    زي ما قال المثل(كلام في محله)
    حاولنا بكل الطرق وما نفعت
    ليش ما نصدر فكرنا البناء
    بدلاً من الإكتفاء بمحاربة الفكر الضال
    شكراً أستاذ ماجد
    جمييييييل وواقعي

  10. لابد بداية قبل التدا وي والتطبب أن توجد الحاضنة الواعية في المنزل والبيئة المحيطة . ومن هنا سنتخلص من الكثير من أزماتنا التي راجت في هذا العصر . على أن تطلعات وتوجهات الإنسان في هذا العصر غدت تخترق الجو المألوف لتسبح في فضاء مليء بالمتغيرات في المبادئ والقيم . ومن هنا كان لزاما من وجود خطط صحية تربوية وأمنية تواكب هذه المتغيرات . وتكون تلك الخطط طريقا لشخص الحالات المرضية ليتم وصف الدواء لملائم لكل حالة .
    دقة وعمق التشخيص أول خطوة للعلاج النافع بإذن الله .

  11. فهدالقحطاني

    اشكرك على المقالة والى الامام ان شاء الله نسأل الله ان يحفظ بلادنا وشبابنا

  12. هشام هاشم الغمري

    تطرق الكاتب لموضوع اقلق الجميع. ومن منا لم يشعر بالمرارة لما يحدث من نتائج لهذه الافكار الهادمة. ولعل العلاج اصعب من الطرق التي اشار اليها محدثنا اذ ان هذه عقيدتهم وايمانهم بها راسخ، والعياذ بالله، وتخليصهم مما هم فيه لن يكون طريقاً سهلاً

  13. المهندس/علي فرحان ابو ثامر

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة ..
    نشكر الاستاذ ابا محمد على هذا الطرح النقي والواضح بالتصدي لهذا الفكر المتطرف والذي اصبح مرض نفسي ترعرع في عقول ونفوس من اعتنقوة ولا يمكن ان نتصدى لة الا بفكر مثلة ومضاد لة لنخرجهم من وهمهم الذي فية كما اورد الكاتب وقد وضع النقاط على الحروف فنشكر لك ابا محمد طرحك السلس والمتناسق للوصول للمبتغى تجاة هذا الفكر ومعتنقية .

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com