صحيفة عسير : فايع عسيري
استبشر ذوو الإعاقة في مختلف مناطق المملكة بموافقة مجلس الشورى على مشروع نظام حقوق ذوي الإعاقة الذي سيحل بديلاً عن النظام الحالي لذوي الإعاقة. وأشار الدكتور/ ناصر بن علي بن عبد الله الموسى عضو مجلس الشورى رئيس مجلس إدارة جمعية المكفوفين الخيرية بمنطقة الرياض إلى أنه قد تم تقديم مشروع النظام المقترح على أثر دراسات علمية متعمقة للأنظمة واللوائح والقوانين والتشريعات المحلية والإقليمية والعالمية، مبيناً أن من أهم الأسباب التي دعت إلى إجراء هذه التعديلات هو عدم تفعيل النظام الحالي بالشكل المطلوب، إذ لم يتم تشكيل المجلس الأعلى لشؤون المعوقين كما نصت على ذلك المادة الثامنة، ولم يتم تكوين الأمانة العامة للمجلس كما تضمنت ذلك المادة الثانية عشرة، ولم يتم اعتماد الميزانية المخصصة للمجلس كما دعت إلى ذلك المادة الرابعة عشرة، مما أدى إلى تعثر تنفيذ مضامين هذا النظام، وبالتالي عدم استفادة الفئات المستهدفة بالشكل المناسب. وفوق هذا شهد مجال الإعاقة تطورات وتغيرات سريعة في الآونة الأخيرة على كافة الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية، وفي مقدمتها اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي صدرت عن الأمم المتحدة عام 2006 م، ووقعتها المملكة وصادقت عليها وعلى برتوكولها الاختياري عام 2008 م. وقد نجم عن ذلك كله تحول واضح في النظرة نحو الإعاقة وشؤونها من الاتجاه الرعوي إلى الاتجاه الحقوقي والتنموي، الأمر الذي أظهر الحاجة الملحة إلى تحديث وتطوير النظام الحالي بما يفي بحقوق ذوي الإعاقة، ويلبي احتياجاتهم، ويحقق طموحاتهم. وأبان الدكتور/ الموسى أن مشروع النظام المقترح جاء مُعدِلاً “لنظام رعاية المعوقين في المملكة” الصادر عام 1421هـ بموجب المرسوم الملكي الكريم رقم (م/37) وتاريخ 23/9/1421هـ، وجدير بالذكر أن مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة – مركز الأمير سلمان لأبحاث الإعاقة سابقاً – هو الذي كان قد أعد هذا النظام بدعم سخي من مؤسسة سلطان بن عبد العزيز آل سعود الخيرية. وأوضح الدكتور/ الموسى أن التعديل قد طال كافة مواد النظام الحالي، وذلك من خلال إضافة مواد جديدة، أو حذف مواد قديمة، أو إجراء تعديلات جوهرية على بعض المواد، أو إدخال تعديلات صياغية على مواد أخرى، وقد تركز التعديل – بشكل عام – على محورين أساسين؛ الأول يستهدف تحديث وتطوير المفاهيم والمضامين التي يقوم عليها النظام الحالي ليواكب التغيرات والتحولات الكبيرة التي طرأت في مجال الإعاقة بدءاً من تغيير الاسم الذي يحمله النظام، بحيث أصبح اسم النظام في المشروع المقترح هو: “نظام حقوق ذوي الإعاقة”، بدلاً من: “نظام رعاية المعوقين في المملكة” في النظام الحالي. وهذه التغيرات تأتي في إطار القيم النبيلة والمبادئ العظيمة التي تقوم عليها شريعتنا الغراء، وتجسدها توجهات المملكة في مجال حقوق الإنسان، حيث ظهرت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وهيئة حقوق الإنسان وغيرهما من الهيئات والمنظمات والجمعيات المعنية بذوي الإعاقة محلياً وإقليمياً وعالمياً. أما المحور الثاني فيتضمن تفعيل الآليات التي يقوم عليها النظام الحالي، حيث تم حذف المادة التي تنص على إنشاء مجلس أعلى لشؤون المعوقين، والاستعاضة عن ذلك في مشروع النظام المقترح بمادة تتضمن إنشاء هيئة عامة لذوي الإعاقة تكون لها شخصيتها الاعتبارية، واستقلالها المالي والإداري، وترتبط برئيس مجلس الوزراء، ويكون لها رئيس بمرتبة وزير يتم تعينه بأمر ملكي كريم. وتختص هذه الهيئة برسم السياسة العامة في مجال الإعاقة، وتنظيم شؤون ذوي الإعاقة، وضمان جودة الخدمات المقدمة لهذه الفئات، وقد حدد النظام مهام واختصاصات هذه الهيئة بشكل مفصل، ويكون لهذه الهيئة مجلس إدارة يتكون من رئيس الهيئة (رئيساً)، وممثلين للقطاعات الحكومية المعنية، بالإضافة إلى اثنين من ذوي الإعاقة، واثنين من أولياء أمور ذوي الإعاقة، واثنين من رجال وسيدات الأعمال المهتمين بشؤون ذوي الإعاقة، واثنين من العاملين في جمعيات ذوي الإعاقة، واثنين من المختصين بشؤون الإعاقة. وترفع الهيئة تقريراً سنوياً إلى رئيس مجلس الوزراء عن أدائها، وعن أوضاع ذوي الإعاقة، والخدمات المقدمة لهم، وما يواجهها من صعوبات، وما تقترحه من دعم وتطوير للخدمات والبرامج والنشاطات المقدمة في المملكة. وأفاد الدكتور/ الموسى أن الهيئة المقترحة في مشروع هذا النظام لن تكون هيئة راعية، وإنما ستكون هيئة داعمة، وهذا يعني أنها لن تعمد إلى افتتاح مستشفيات ومراكز ومدارس مستقلة خاصة بها، وإنما ستقوم بتحسين وتطوير البرامج والخدمات والنشاطات التي تقدمها القطاعات الحكومية والأهلية والخيرية، والعمل على الارتقاء بمستواها كماً ونوعاً، وسوف تصبح هذه الهيئة مرجعية أساسية لمتابعة العمل، ومراقبة الأداء، وتقويم الأدوات، وتجويد المخرجات، وتفعيل المنتج النهائي في مجال الإعاقة، وتغدو مظلة عامة للتعاون والتنسيق والتكامل، وتوحيد الجهود وتكثيفها لصالح الفئات المستهدفة، وذلك تحقيقاً لمبدأ الانتقال بالعمل في مجال الإعاقة من الاجتهادات الفردية إلى العمل المؤسسي الذي يتسم بالثبات والاستمرارية، وتجنباً للازدواجية التي تعد من أهم مصادر الهدر المالي، والترهل الإداري، والبطء في الأداء، وقلة الفاعلية. ونوه الدكتور/ الموسى إلى أن الهيئة ستقوم بموجب هذا النظام بإصدار لائحة تنفيذية تفصيلية لمواد هذا النظام الذي يحمل بين طياته الخير الكثير لذوي الإعاقة وأسرهم والعاملين معهم، مشدداً على أن الهدف الرئيس من مشروع هذا النظام هو الإسهام في تحويل مجتمعنا السعودي الحبيب إلى بيئات صديقة لذوي الإعاقة يتمتعون فيها بكامل حقوقهم، ويحصلون على أفضل الخدمات المقدمة لهم، ويتمكنون من إبراز إمكاناتهم وقدراتهم، ويتحولون من فئات مستهلكة إلى فئات منتجة تسهم في النهوض والرقي والتقدم في هذا الوطن الغالي. وذكر الدكتور/ الموسى أن مشروع النظام المقترح قد استكمل كافة الإجراءات النظامية، ومر عبر مختلف القنوات الرسمية في المجلس، حيث بدأت الفكرة بتقديم مقترحين لتعديل النظام الحالي إلى معالي رئيس المجلس استناداً إلى المادة الثالثة والعشرين من نظام المجلس، وقد تفضل معاليه بإحالة المقترحين إلى لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب، فقامت برفع تقرير للمجلس يتضمن التوصية بالموافقة على ملاءمة دراسة المقترحين، وبعد موافقة المجلس على ذلك أعيد التقرير للجنة التي قامت بدراسة الموضوع دراسة مستفيضة، ودمجت المقترحين في مشروع واحد تم عرضه على المجلس الذي تفضل بمناقشته بشكل موسع، ثم أعيد مرة أخرى إلى اللجنة لتبدي وجهة نظرها حيال الملاحظات والمرئيات التي قدمها أعضاء المجلس. وفي صباح يوم الأربعاء الموافق 22/5/1437هـ، وافق المجلس في جلسته الاعتيادية الرابعة والعشرين على مشروع هذا النظام في شكله النهائي تمهيداً لرفعه إلى المقام السامي الكريم للتفضل باتخاذ ما يراه مناسباً حياله. وأكد الدكتور/ الموسى في ختام تصريحه على حقيقة مهمة مؤداها أن كل ما يبذل من جهود وما يتحقق من إنجازات ومكاسب لصالح ذوي الاحتياجات الخاصة عامة، وذوي الإعاقة على وجه الخصوص يأتي في إطار العناية والرعاية والاهتمام والدعم غير المحدود الذي تحظى به هذه الفئات من لدن قيادتنا الحكيمة منذ تأسيس هذا الكيان العظيم على يد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن – طيب الله ثراه – حتى عهدنا الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يحفظه الله. كما امتدح الدكتور/ الموسى الدور الفاعل الذي يقوم به مجلس الشورى في سبيل خدمة الفئات الخاصة، مشيداً بالاهتمام والدعم اللذين تحظى بهما الموضوعات والقضايا المتعلقة بهذه الفئة الغالية من لدن المجلس رئيساً وأعضاءً، وقال إنه كان على يقين تام بأن هذه النخبة المتميزة من الرجال والنساء لن تتردد أبداً في الموافقة على مشروع هذا النظام المقترح. وقدم الدكتور/ الموسى خالص شكره، ووافر تقديره، وعظيم امتنانه لكل من أسهم في إخراج هذا النظام إلى حيِّز الوجود، داعياً الله – سبحانه وتعالى – أن يحفظ بلادنا الحبيبة، وأن يحفظ عليها أمنها واستقرارها، وأن يحفظ لها قيادتها الحكيمة الواعية الرشيدة كي تواصل مسيرة الخير والعطاء والنماء.
>