نعم نَدْعُو لِحِراكِ: 15 سبتمبر وما بعد: 15 سبتمبر..

 

أ.د: عبد العزيز بن عمر القنصل
جامعة الملك خالد – كلية الشريعة وأصول الدين
قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة .

 

لعلّي أبدأُ مقالي هذا بقوله تعالى” أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ()” لا يتوبون من التّكرارِ، ولا يذّكرون الأخطارَ، وهذه صفة المنافقين على مدى الأمصارِ والأعصار، يتغيّر المتغيرّون وهم على نفاقهم صامدون، ولأهل الإيمانِ دوماً صادمون” قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ()” شريحة الخونةِ الّتي سماها القرءانُ الكريم بالمنافقين يتلوّنون حسب المكان، ويتأقلمون حسب الزمان، ويلبسون لكل عصر لبوسه، ويسعون لمصالحهم الآنيّة ولو على حساب دينهم ووطنهم” هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ()” .
وهذه ليست بِدْعاً من الأيام السابقة، ولن تكون استثناءً من الأيام القادمة، فالأيام حبالى يلدن كلّ عجيبة كما قيل، هذه الأيامُ برزتْ شرذمةُ قليلةٌ أخذت تنادي من مكانٍ بعيد بالمظاهرات، والخروجِ على ولاة الأمر، وهذه ليست أول مرّة، ولن تكن الأخيرة، لكنّهم بحمد الله ثم بجهود رجال الدّولة الأوفياء تبوءُ جهودُهُم دوماً بالفشل، وتنتهي دعواتُهُم بالشّللِ، وينفقون من أموالهم الكثيرَ الكَثِيْرَ ليصدوا عن دين الله” فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ()” شرذمةٌ أبت إلاّ منهج ذي الخويصرةِ التميمي الّذي بدأ هذا الشرِّ باتّهام سيد الخلق صلى الله عليه وسلم بقوله له: اعدِل يا محمد فإنّ هذه القِسمةَ ما أُريد بها وجهُ الله()!! شرذمةٌ أبت إلاّ منهج ابن السوداء اليهودي الّذي نادى بالخروج على ولاة الأمر قائلاً لأتباعه عبر وسائل التّواصل المتوفّرة له في ذلك العصر: انهضوا في هذا الأمر فحركوه وابدؤوا بالطعن على أمرائكم، وأظهِروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تستميلوا الناس، وادعوهم إلى هذا الأمر، فبث دعاتَهُ، وكاتب من كان استفسد في الأمصار وكاتبوه، ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهُم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعلوا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم، ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك، ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصرٍ آخر بما يصنعون، فيقرأه أولئك في أمصارهم، وهؤلاء في أمصارهم() .
ومن هنا بدأت الفتنة تطلّ برأسها، وتمتدُّ بعنقها حتى وصلت المدينة المنوّرة، وقتلت أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه، شرذمةٌ تدثّرت بدثار الدينِ، ولبست للناسِ مُسُوْكَ الضأن من اللين، ألسنتهم أحلى من العسل، وقلوبهم قلب الذّئاب، يصلون كما نصلي وأكثر، ويصومون كما نصوم وأزيد، ويتصدقون مما يفيضُ في حساباتهم البنكية من هباتٍ قَطَرِيَّةٍ، يقول الله فيهم وفي أمثالهم” عليَّ يجترئون؟ وبِيَ يغتَرُّون؟ فَبِعِزَّتِي لأُتِيْحَنَّ لهم فِتنةً تدَعُ الحليمَ حيران()” يقرؤون القرءان لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السّهمُ من الرّميّةِ، ولو أنّهم فقهوا القرءان الكريم كما قرأوه لكانوا أبعد الناسِ عن مخالفته، وأولى الناس بمحالفته، كيف لا والقرءان الكريم يقول الله فيه” وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ()” كيف لا والقرءانُ الكريم يقول الله فيه” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ()” لكنّهم يقرؤون القرءان لا يجاوزُ تراقيهم .
كانت العربُ قبل الإسلام في جاهليةٍ وتناحرٍ، فجمعهم الله تعالى بالنّبيِّ صلى الله عليه وسلم حتى أضحوا كالجسد الواحدِ، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى، جمعهم الله تعالى بنيبيّه صلى الله عليه وسلم من شتاتٍ، وأحياهم به من مَوَاتٍ، وهداهم من ضلالةٍ، وعلّمهم من جهالةٍ، وجعلهم خيرَ أمّةٍ أُخرجت للناسِ، فحوّل الله بنبيه عُباد الصنم، ورُعاةَ الغنَمِ، إلى دُعاةٍ للأمم، وهُداةٍ في الظُّلَم، وهكذا بقيت الأمّة الإسلامية على هذا لم يحيدوا ولم يزيدوا، عاضّين على نهج نبيّهم صلى الله عليه وسلم بالنّواجذ، حتى نبتت في الأمّةِ الإسلاميّةِ نبتةٌ خبيثةٌ، سارعت خلالهم يبغونهم الفتنة، ولَقُوا فيهم سمّاعون لهم، نبتةٌ لا للإسلام نصروا، ولا للأعداء كسروا، نبتةٌ تشرّبت أحقاد اليهود، وإباحية المجوس، أسّسها اليهودي: عبد الله بن السوداء، سمّت نفسها الشيعة، خالفوا غيرهم، وما تركوهُ كان خيراً لهم، وأخرى سُمِّيَتْ بالخوارج، كفّرت المسلمين وبدأت بولاتهم، فنادت بالخروجِ عليهم وَقَتْلِهِمْ وقتالهم، خرجوا على الأمّة الإسلامية، يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، فنَشَرُوا بينَهُمُ الخوفَ، وأوضعوا فيهم السيوف، نصرةً لدين الله زعموا، وجهاداً في سبيل الله كذبوا، فوجّهوا حِرابهم وسهامَهم على المسلمين، وأقفوا الفتح الإسلامي ردحاً من الزمان، فما نال أعداءَ الإسلام منهم عُشر معشار ما ناله المسلمون منهم، دافعهم الجهلُ والحنَقُ، فجهل الخوارج أعياهم عن السمع والطاعة، وحنق الروافض أعماهم عن سلوكِ طريق السلامة، لم يجمعهم على تفرّقهم إلاّ المناداةُ بالخروج على ولاة الإسلام، تُفَرِّقُهُم العقائدُ، وتوحِّدُهُم الأهدافُ، فهم في العقائد طرائقَ قِدداً، وهم في الأهدافِ صفاً واحداً، الإطاحة بحكم أهل السنة والجماعة أينما كانوا، حنقاً من الشيعةِ الرّوافض، وجهلاً من الخوارج الأوابق، بدأوا في إشاعة الأكاذيب بين النّاسِ بمثالب الولاةِ، فقالوا: عثمان رضي الله عنه ليس أحق بالخلافة من علي رضي الله عنه، وقالوا بأن عثمان استأثر ببيت مال المسلمين يأخذه ولا يُعطي الناس منه إلاّ اليسير، وقالوا بأن عثمان يقرب أقاربه، ويولّيهم المناصب، وهذا ليس من حقه، وقالوا هذه المثالب توجب الخروجَ عليه والإطاحة به، بدأها ابن سبأ اليهودي، وتولاّها أتباع ذي الخويصرة التميمي، فهناك من يخطط، وهناك من ينفّذ، والعدوّ المستفيد قابعٌ في منأى، قبوعَ الشيطانِ في اللفظِ والمعنى، فإن أصابوا حقّق مرادَه، وإن خابُوا تبرأ ممّن أرادَه .
كنّا بِعَمْروٍ فصرنا بِعَمْرِيْنِ؟!! كنا نقول المسعريّ والفقيه، فبذ بعضِنا خبثاً ما عند المسعريّ والفقيه، أولئِكَ من هناك، وهؤلاء من هنا، يجتمعون على نأي الديار، وبعد الأمصار، على التآمر على قبلة المسلمين!! ومنبع الدّين!! وآخر معاقِل المسلمين!! ثم يرفعون عقيرتهم بأنّهم منّا وما هم منّا ولكنهم قومٌ يفرقون” لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ()” آمنين في سربِهم، عندهم قوتَ دهرِهِم وليس يومهم، يجوبون العالم شرقاً وغرباً، يعيشون في قصورٍ فارهة، وعمائر شاهقةٍ، وبيوتُ الله تعالى محيطةٌ بهم من كلِّ مكانٍ، يؤدّون فيها الجمعة والجماعةَ، ولهم أو لبعضِهم فيها دروسٌ وخطابةٌ وإمامةٌ، فلم أطاعوا الشيطان، واستبدلوا الجنّة بالنيرانِ؟!! اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا .
حِراكُ” 15 سبتمبر” نعم نريده، ونريد استمرارِه، ولكن من أمن الدّلة أعزّها وأذل أعداءها، نريد استمرار هذا الحِراك لتطهير بلاد الحرمين من كل خائنٍ وغادر، سنياً كان أو شيعياً أو ليبرالياً، أو كائناً من كان، لا نريد وجود الخونة والعملاء بيننا، الخائنُ كالثمرة الفاسدة بين الثمارِ الصالحة، لا يصلح بصلاحها، لكنه ينقل فساده إلى الجميع، وللخلاص من هذا الفساد لا بدَّ من إبعاد هذه الثمرة الفاسدة، ووراء الأكمة ما وراءها، وكما قيل في المثل الشعبي” يا رجل الديك تعالي بالدّيك” .

 

 >

شاهد أيضاً

مشاركات في منتدى الفجيرة الرمضاني يناقشن دور الآباء في تنشئة الأبناء

صحيفة عسير _ يحيى مشافي أجمعت المشاركات في الجلسة الرابعة لمنتدى الفجيرة الرمضاني، الذي تنظمه …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com