صحيفة عسيـر :
أ.د . عبد العزيز بن عمر القنصل
رئيس قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة
جامعة الملك خالد –
كلية الشريعة وأصول الدين
وعليه فإنّي أرى أنّ الآليات التي ينبغي لنا أن نبدأ بها لتطوير التعليم تكمن فيما يلي: –
1 – الاستثمار الأمثل للموارد، ووضعها في مكانها المناسب: فالدّولة أعزّها الله وأدامها، وإلى كل خير وفقها وأعانها تنفق المليارات على التعليم، وتذلّل في سبيل ذلك جميع الإمكانات، والنتيجة أنّا نحنُ نحنُ، وعلى أحسن الأحوال أنا لسنا بأفضل مما كنا، فأين البنية التّحتية للتعليم؟ وأين المباني العصرية للمدارس؟ وأين هي مخرجات هذه المليارات؟ وما نتيجتها في الواقع؟ وهل يكفي أن يقوم فريق العمل المناط به تطوير التّعليم بعمليّة النسخ واللّصق” Copy and paste”لمناهج الدّول المتطوّرة دون مراعاةٍ للبيئة التي هي فيها والتي يراد نقلها إليها؟!!
أوردها سعدٌ وسعدٌ مشتمل ما هكذا يا سعد توردُ الإبل.
2 – نسخ الممارسات العالميّة مع تكييفها مع النظام التعليمي لدينا: نحن بلا شك نحتاج لتجارب الأمم السابقة، كما نحتاجُ لواقعِ الدول الحاضرة المتقدمة خاصةً في المنظومة التعليمية لنفيد منها، غير أنّ الواجب علينا ونحن ننقل تلك التجارب والخبرات ألاّ يكون همنا هو النقل المجرد دون تكييف تلك الخبرات والتجارب على مجتمعنا، فما يصلح لزيد قد لا يصلح لعمرو، وما يفيد في علاج حالة قد يكون سبباً في هلاك أخرى، وقد مررنا بالتجربة دون فائدة تذكر، فاستنسخنا التجربة اليابانية، والدنماركية أو البرتغالية، والصينية، والأوربية، والأمريكية، والحبل على الجرار، وطلابنا ليسوا فئران تجارب، فقبل استنساخ التجربة المرادة ينبغي لنا أن نتعامل معها كما نتعامل مع الملابس فنفصلها على المقاس المناسب لنا نحن، وإلاّ سنظهر بشكل غير مرضي، وقد أفادت أوربا من حضارتنا سابقاً، لكنّها لم تأخذ حضاراتنا كما هي، بل نقحتها لتناسب المجتمع الّذي نقلت إليه.
3 – تقوية مشاركة الميدان والمعلّم وأخذ رأي العاملين فيه:وهذا أيضاً من المسائل التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، فمن كان في الميدان يعلم ما لا يعلمه من ليس فيه، فلا تؤخذ القرارات دون استقراء عام للمعلمين، واستبانة شاملة، والأخذ بآرائهم حيال المنظومة التّعليمية، ولا يأنف صاحب الشهادات العليا، أو الخبرات الواسعة، والمنصب الكبير أن يسمع من الآخرين ولو كانوا أقل منه خبرة وشهادة، فقد تجد في النهر مالا تجده في البحر.
4 – مشاركة المجتمع وتوثيق العلاقة بين الأسرة والمدرسة:العلاقة بين الأسرةِ والمدرسة علاقة تكاملية تبادلية، أو هكذا يجب أن تكون، هذه العلاقة تفيد في التعاون في علاج المشكلات الواقعة أو المتوقّعة، وتفيد في رفع الأداء وتحقيق المراد من التربية والتعليم، وفي تبادل المشورة بين الأطراف المعنية بالأصالة لتعين الطلاب على التّحصيل، كما تفيد في وقاية الطلاب من الانحراف، كما تفيدهم في التربية الدينية والوطنيّة وهذه من أهم الأمور، وغير ذلك الكثير الكثيرَ، فعلى المدرسة أن يكون لديها برنامجاً يلزم أولياء أمور الطلاب الحضور كل ثلاثة أشهر مثلاً لمتابعة أبنائهم – ما لم يجد جديد – فيشجّعوا المتفوّق، ويأخذوا بيد المقصر، ويطلعوهم على أخلاقيات وتحصيل أبنائهم في المدرسة، فمن كان ذا خلقٍ عالي، وجدٍ واجتهاد، يكرّم أمام الطلاب بحضور ولي أمره وأولياء أمور الطلاب الآخرين، ليقتدي به الآخرون، ويكون مدعاةً للتنافس في الجدّ والاجتهاد، ومن كان لديه انحراف، أو بوادر الانحراف، أو مقصراً في النواحي التعليمية يعالج وضعه مبكراً من قبل مختصين من أهل الخبرة والكفاءة بانفراد مع وجود ولي الأمر، هكذا نلتقي لنرتقي.
5 – تطوير أداء المعلّم ودافعيته نحو مهنة التّدريس: لست مبالغاً إذا قلت إن الكثير من المعلمين يحتاجون للعودة لمقاعد الدراسة من جديد ليتعلموا فنون التربية والتعليم الحديثة، فكثير منهم لا يزال على حاله أيام تخرجه، لم يطور نفسه، ولم يدخل في دورات ولا ورش تعليمية، ولم يحضر محاضرات تربوية يطور من خلالها من نفسه ويرتقي بأدائه ليثمر غرسه، بل إن الكثيرَ منهم ليس لديه أية رغبة في ذلك، ولا يزال يحاول فك الاشتباك بين زيدٍ وعمرو” ضرب زيدٌ عمرواً” ومع تقدم آليات العلم وأدواته، إلاّ أنّ بعض المعلّمين لا يزال بعقلية الكتاتيب، تلك العقلية التي أفادت في زمنٍ مضى وانقضى، لكنها لا تفيد في عصر التكنلجة، ووسائل التواصل الحديثة، فطرق التعليم تطوّرت تطوراً ملحوظاً، فقد كانت تعتمد على الحفظ والتسميع، فاتسعت لتشمل المستويات الإدراكية المعرفية، والأساليب التقليدية لا تفي بهذا الغرض في هذا العصر، ومثل هذا المعلم القابع في مكانه، الغائب عن زمانه، يخير إما أن يطور نفسه، أو يحال للتقاعد مبكّراً كان تقاعده أو متأخّراً، والبدائل بحمد الله كثيرة، وعلى قائمة الانتظار.
6 – الاهتمام بالمناهج وتطويرها بطريقة تحقق ما نريد:العصر الحالي الّذي نعيش فيه يزخر بالمتغيرات المعرفية التكنلوجية سريعة الوتيرة، هذه المتغيرات لها انعكاساتها على الحياة البشرية، وإذا كان ذلك كذلك فإنّ المناهج التعليمية يجب أن تتّسق مع هذه الوتيرة المتسارعة، لتلبي حاجة المجتمع، فالمواطن الّذي يعيش في هذا القرن ليس هو الّذي كان يعيش في القرون السابقة، يجب أن نربي أبناءنا في المدارس من المراحل الابتدائية إلى الدراسات العليا على التفكير والاختراع والابتكار، وهذا لن يكون إلاّ بتطوير المناهج التعليمية للوصول إلى هذه الغاية النبيلة، فلا نبالغ في التعليم الديني على حساب التّقني، ولا العكس، لا نريد لأبنائنا أن يخرجوا للمجتمع وعاظاً لا يعون الواقع المعاش، ولا مثقفين عصرانيين منسلخين من دينهم ووطنيتهم.
7 – الاهتمام بالتّدريب النّوعي للمعلّمين والمدراء والمشرفين: المعلم هو الركن الرئيس في العملية التعليمية لا يمكن إحداث أي تغيير أو تطوير بدونه، فإذا أردنا أن نطور التعليم لدينا فعلينا أن نبدأ بالمعلم، وتدريب المعلمين وتأهيلهم يلعب دوراً محورياً في تطوير المنظومة التعليمية، وكما قيل: فاقد الشيء لا يعطيه، فلا نطلب من المعلم أن يقوم بمهمته التعليمية وهو لم يخضع للتأهيل والتطوير، ولم يحضر ورش أو دورات أو محاضرات تدريبية، وهذه بحمد الله متوفرة لكن المطلوب تكثيف هذه الدورات والورش والمحاضرات، وإلزام المعلّمين بحضورها، ويجب أن يترتّب على الحضور والفائدة بقاء المعلم في مهنته التعليمية من عدمه، وللوزارة دورٌ في هذا ملموس يذكر ويشكر، لكن نريد الاستمرار والشمول.
8 – تركيز منهاجنا وتدريسنا على حفظ المعلومات فقط: من المعروف أن وسائل التعليم تتطور مع تطور العلم والتكنلوجيا، فهناك عدة طرق حديثة يتم من خلالها عرض المعلومة ونقلها، والطرق الحديثة كثيرة ومتنوعة، منها على سبيل المثال: طريقة المناقشة، وطريقة العروض العلمية، والمحاضرات البصرية، والبحث العلمي، والتجربة المختبريّة، وغيرها الكثير، أما الطريقة الكلاسيكية القديمة فهي صالحةٌ في عصرٍ مضى وانقضى، عصر الكتاتيب والألواح الخشبيّة، وإذا كانت هذه الطريقة لا تزال ناجعة ومفيدة في هذا العصر، فإنها صالحة لبعض المناهج لا كلّها، فهي صالحةٌ ممثلاً لبعض المناهج الدينية، كالقرءان الكريم، الحديث الشريف، والشعر ونحو ذلك لاعتمادها على الحفظ أوّلاً، غير أنّ مناهجنا فيها الكثير من المناهج الحديثة والمفيدة كالرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، والطبّ، واللغات، والحاسب، وغيرها مما تدعو الحاجة إليه، بل الضرورة، وهذه المناهج لا يصلح معها سوى التفكير والاختراع والابتكار، وطلابنا بحمد الله وفضله لا ينقصهم شيء، وهم أذكى بكثر مما يظن البعض، وقد أثبت الكثير منهم أنهم ليسوا أذكياء فحسب، بل عباقرة.>