صحيفة عسير :
أ.د . عبد العزيز بن عمر القنصل
رئيس قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة
جامعة الملك خالد –
كلية الشريعة وأصول الدين
14 –الحرص على توحيد جهود التّطويرية و البعيدة عن السطحية: عمليات التطوير يجب أن تكون عميقة، ومن الجذور، وأن تكون متكاملة لا مبعثرة، فلن نستطيع أن نجاري الأمم فضلاً عن أن نسابقها إلاّ بتطوير المنظومة التعليمية، ويوم أن وصل رائد الفضاء الروسي يوري غاغارين للفضاء عام: 1961م جُنُ جنون الساسة في الولايات المتّحدة الأمريكية، كيف للرّس أن يسبقوهمللفضاء، فنكثوا التعليم من أساسه، وأعادوا هيكلته من جديد، ولم يمض على الحدث الروسي سوى أربع سنوات حتى سار رائد الفضاء الأمريكي: نيل آر مسترونغ على سطح القمر وذلك منتصف عام: 1966م، وألمانيا، واليابان بعد الحرب العالمية الثانية دكّتا تحت الأرضِ دكاً، لكنّها الآن بفضل تطوير منظومتها التعليمية في مقدمة دول العالم تقنياً في كل المجالات، ونحن إذا أردنا أن نلحق بالأمم المتقدمة فعلينا أن نبدأ بالتعليم، وبالتعليم أوّلاً، فهو المفتاح لكل باب موصود، وهو الأمل بعد الله وهو المقصود، فلا نكتفي من التطوير بتغيير الغلاف، أو بتغيير دار الطبع، أو بالصور في داخل المغلّف، أو بتلوينها فحسب، بل علينا أن نطور تعليمنا ليتوافق مع آليات العلم الحديثة، نهتمُّ بالدين لأنه هويتنا، نهتمّ بالدين الحقُّ الّذي جعل من أسلافنا فيما مضى سادة العالم في كل المجالات الطبيّة والجغرافية والجيولوجية والصناعية وغيرها، نهتمُّ بالدين الحق كي لا يخرج من بيننا جهّالٌ متديّنون، أو جهالٌ ملحدون، ويجب أن يكون هناك تعليم مكثّفٌ للأحياء، والكيمياء، والفيزياء، والرياضيات، والحاسب، والطب، والهندسة، والإدارة، والاقتصاد، والفلسفة، المنطق، واللغات، ونحو ذلك، يجب أن يؤسّس الطالب على هذه العلوم منذ الصغر، وبعد المرحلة الابتدائية يمكننا أن نكتشف ميول كل طالب فنوجّهه للجهة التي نعتقد أنّه سيبدع فيها، ولا ينبغي لنا ونحن نسعى للتطوير أن نُغفل التفاوت بين الطلاب في الفهم والحرص وتوفّر الإمكانات، علينا ونحن نوجّه طلابنا للتحصيل العلمي ألاّ ننسى الفروقات فيما بينهم حتى لا نمنح من لا يستحق ما لا يستحق، أو نحرم من يستحق ما يستحق، ولعل البدء في التطوير يبدأ بفرز الطلاب والمعلمين لشرائح ثلاث، الأولى من لديه القدرة على المواصلة والمنافسة محلياً وعالمياً، وهؤلاء بحمد الله كثر في بلادنا، فيجب الاهتمام بهؤلاء وتحفيزهم، وتهيئة الجوّ المناسب لهم، والثانية شريحة الطلاب الغير قادرين على المواصلة فضلاً عن المنافسة، فهؤلاء يجب أن نهيئ لهم المكان المناسب لهم في غير قاعات التعليم، فقد يبدعون في أعمال غير التعليم، وكثير من عباقرة العالم لم يتمكّنوا من مواصلة التعليم النّظامي كأديسون وغيره، وشريحة ثالثة بين الاثنتين، وهؤلاء لا بأس بتعليمها دون صرف الجهود الجبارة عليها، وليكن تعليمها قاصرٌ على ما تقدر على استيعابه، كما يجب أن نتجاوز التعليم السطحي والقائم على حفظ المعلومة دون تحليل أو تفكير، وهذا الأسلوب غير صحي حتى في التعليم الديني، فقد كان السلف لا يتجاوز الواحد منهم الآية حتى يفهما ويفقه معناها وفقهها، ولعل من أهم أسباب انجراف تعليمنا إلى السطحيّة هو كثرة المقررات والساعات الغير ضرورية، أضف إلى ذلك نظام القياس والتقويم المدرسي والجامعي القائم على الاختبارات التقليدية وتقييم الطالب بمقدار حفظه، فلو اكتفينا من التعليم بالكيفية دون الكميّة لكان ذلك أدعى وأفضل من الكمّ الهائل الّذي لا أراح العباد، ولا أفاد الطلاب.
15 – الاهتمام بنظام تقويم التعليم والتّمييز بين المتميّز والضعيف: أساليب التّعليم كثيرة، ووسائله أكثر، غير أنّا بكل أسف نغفلها أو نتغافل عنها، إما لعدم معرفتنا لها، أو لعدم وجود حافز يدفعنا للعمل بها، فنعمد للأسلوب التقليدي السهل الباهت اللون، العديم الطعم، فنتحول لموظّفين لا لأصحاب رسالة مقدّسة.
من الأساليب المتعدّدة في التعليم أسلوب النمط التفكيريمقابل النمط العاطفي، وأسلوب الإحساس مقابل الحَدَس، وأسلوب الحكم مقابل الإدراك، والتفكير المرن مقابل التفكير المقيّد، والتبسيط مقابل التعقيد، وأسلوب الاكتشاف الذييعتمد على اكتشاف الأستاذ للطالب، فحينما يقوم الطالبُبمعالجة المعلومات وتركيبها ثم يقوم بتحليلها ويخرج بنتيجة جديدة أو بتخمينها، يستطيع المعلم أن يركّز على هذا النّوع من الطلاب لأنّهم طلاب موهوبين، وهذا الأسلوب كان معروفاً عند سلف أمّتنا من قبل، لا ينكره إلاّ من لم يعرف حالهم، وقد أنتج هذا الأسلوب عباقرةً غيروا مجرى تاريخ العلم، فالخوارزمي أستاذ الرياضيات، وابن الهيثم أستاذ البصريات، وابن سينا وأبو بكر الرّازي أستاذي الطبّ، والزهراوي أستاذ الطب والصناعات، وأشهر علماء الفلك البتّاني، والهمداني رائد الجاذبيّة، وجابر بن حيان أشهر علماء الكيمياء، وغيرهم الكثير الكثيرَ.
وحينما نساوي بين الذكي العبقري وغيره من الطلاب العاديين، أو من هم دون العاديين نكون قد جنينا على هؤلاء العباقرة، وقتلنا الطموح لديهم، يجب أن يكون للعباقرة فصولاً خاصة بهم يتنافسون فيها فيما بينهم على الإبداع، ويتم التركيز عليهم أكثر من غيرهم، كما يجب أن ننمي فيهم روح الإبداعِ الذي يمتازون به، فنجعل لأصحاب المواهب الرياضية فصولاً تخصّهم، وأساتذة مهيّئين يهتمون بهم، ووسائل حديثة تعينهم على ذلك، ولأصحاب المواهب الهندسية كذلك، وهكذا الطبيّة وغيرها، يجب أن نهيئ لهم الجو المناسب لتنمية تلك المواهب، من قاعات مناسبة، ووسائل متعددة، ودعم ماليٍ ومختبراتٍ وكل ما يحتاجون إليه، ونزوّدهم بالمعلومات الكافية عن العلماء الّذين سبقوهم في الفنّ الذي يميلون إليه، ونخصّص لهم أساتذة أكفاء مهيئين لتعليم هؤلاء العباقرة، فلا نقتل إبداع العباقرة هؤلاء بعقليات أساتذة تقليديين.
16 – مشاركة الجامعات في تطوير التّعليم كمراكز بحثيّة:الجامعات هي أسّ المنظومة التعليمية، ورأس الحربة في إنجاحها أو إفشالها، والدور المأمول منها كبير جداً، لا يجوز بحال من الأحوال أن تتحول جامعاتنا إلى مدارس تقليدية، ولا أن ينحصر دورها خلف الأسوار تعلم الطلاب التعليم التقليدي القائم على كم حفظت، وكم سمعت، بل يجب أن تكون الجامعات قائمة في الأصل على خدمة المجتمع، وعلى البحث العلمي، والتفكير الحُرِّ، والإبداع، والتأليف، وأن تكون المختبرات في الجامعات بعدد الفصول الدراسية أو أكثر، وأن يشارك الطلاب المميزون الأساتذةَ في الرحلات العلمية، والتجارب المختبرية، والأبحاث التّجريبيّة، وأن يُعطَوا الفرصة الكاملة لإظهارِ قدراتهمالكامنة.
يجب أن يتجاوز الأساتذة النّمط التقليدي في التعليم إلىالنمط الحديث، يجب تُنشئُ كل جامعةٍ وكالة للجامعة باسم: وكالة الجامعة للخدمة المجتمعيّة، وتنشأ في الكليات وكالات للخدمة المجتمعية تتبع لوكالة الجامعة، مهمّتهاتنسيق الدروس والمحاضرات بين الأساتذة المميزين في الجامعة والمدارس الثانوية بالتحديد، فيكون هناك ثلاث محاضرات على الأقل كل أسبوع يحضرها ستون في المائة من الطلاب يتم اختيارهم من قبل المدرسة، وأربعون في المائة من الأساتذة، وهذا الحضور إلزامي يعطى المتدرب عليه شهادة نجاح ورسوب وليس شهادة حضور، وبعد الانتهاء من الفصل الدراسي يتم إعداد اختبار للجميع، فتوضع أسئلة خاصة للطلاب، أخرى تخص الأساتذة الذين حضرا الدورة طيلة الأسبوع، نفيد من هذه الوكالة فوائد جمّة من أهمها: –
أوّلاً: القيام بالدور المنوط بالكليات في خدمة المجتمع.
ثانياً: تدريب المعلمين في المراحل الثانوية بالتحديد وترقية قدراتهم وصقلها، بدلاً من دورات المعجّنات التي تُعقد بين الفينة والأخرى.
ثالثاً: تهيئة الطلاب في المرحلة الثانوية لدخول الجامعة، فهؤلاء الطلاب سيكونون في القريب العاجل على أبواب الكليات يطرقونها للالتحاق بها، فتهيئتهم للجامعة قبل الانضمام إليها بلا شكٍ هو الحل الأمثل لهم وللجامعة.
كما يجب أن تخصص الجامعات الكثير من وقتها للأبحاث العلمية، وأن تحول مبانيها إلى مركز بحثية يفيد منها الجميع وليس طلاب الكلية فقط، فالعلم رحمٌ مشترك بين الجميع، والحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها.
17 – تحويل الدورات التّطويريّة من الفائدة التجارية إلى الفائدة العلمية: يجب أن تتدخّل الوزارة في توجيه الدروات التطويرية التي تُعقد بين الفينة والأخرى، وتحولها من الناحية التجارية إلى الناحية العلمية بالدرجة الأولى، وليس معنى هذا أن تكون هذه الدورات مجانية، غير أنّ تركيزها على الناحية التجاريّة يعني قتل الناحية العلمية، حتى غدت بعض هذه المراكز التدريبية تتنافس فيما بينها لتقديم الباهت والممل بأسعار تنافسية من أجل كسب المال، والمال فقط، فلا المدرب مؤهّلٌ للتدريب، ولا المادة معدّة بشكل حديث، ولا ابتكار ولا شيء يذكر، وتعجب عندما تشارك في دروة من هذه الدورات وتحسب أنك ستخرج منها بفائدة علمية، فتدرك أنك لم تجنِ منها سوى ضياع الوقت والمال، وأن المدرب المتخصص لا يوجد لديه سوى المعجّنات والعصائر في آخر الصالة التي تعقد فيها الدورة، وجهاز العرض” البروجكتور” أما الفائدة فقد حصلت له أو للمؤسسة التي يعمل فيها فقط، وهذا مؤشّرٌ خطير يوحي بعقد الدروات، والاهتمام بالتطوير، والحقيقة أنّ الأمر كلّه أو جلّه بزنس.>