المجلس الجازاني.. وصفة ضد الإرهاب

عسير-علي-الموسى-220x200أخذني صاحبي بالأمس إلى قلب السؤال المفتوح: لماذا وما الأسباب التي جعلت منطقة مثل “جازان” استثناء من سرادق العزاء المفتوحة في كل مكان مع وفاة كل “داعشي”؟ لماذا كانت منطقة مأهولة مكتظة مثل “جازان” استثناء لم يذهب إليه سمو وزير الداخلية للعزاء والمواساة بعيد حادث إرهابي؟ لماذا كانت هذه “الجازان” أقل نسبة في القوائم الأمنية للمطلوبين قياساً بعدد السكان، وكما يقول بالبرهان والأرقام؟ سأعترف أنني لست متأكداً من إثباتاته وبراهينه التي سردها في حديثه الطويل ولكن أنا متأكد من الحقائق التالية: أولاً، نحن نظلم منطقة مثل “جازان” بالصورة النمطية السائدة عن القصور التنموي. وفي المقاربة التنموية ما بين الإنسان والمكان، سنعترف أن المكان في زمن سابق كان يعاني الإهمال والقصور. لكن “الإنسان” في جازان كان ومايزال مسرحاً مفتوحاً للأدب والثقافة وتنوع الفنون. جازان كانت أكبر مكتبة مفتوحة وأعظم دار نشر وطنية وأقدم حاضنة ثقافية. مجتمع مفتوح على البحار والأعراق والثقافات. كل هذا يكفي لإجابة السؤال بعاليه لأن التطرف والإرهاب لا ينموان في المجتمع المفتوح المبني على قاعدة ثقافية ومجتمعية راسخة واثقة.
سأكتب فيما يلي مشاهداتي لتحليل الأسباب في الأسئلة بعاليه. الجازاني بطبعه عاشق للحياة وزاهد أيضاً في تعقيداتها الحداثية. الجازاني عاشق لتفاصيل يومه ولا يفكر كثيراً في مآلات الغد. مجالس جازان المسائية وحدها، وبالآلاف، تعكس طبيعة الانفتاح والتسامح وبغض وكراهية الطبقية. ستجد فيها أستاذ الجامعة مثلما تجد فيها حاصد الجوائز الوطنية وأيضاً مثلما تجد فيها حارس البوابة وبائع الكادي وربطة المسواك. مجلس السمر الجازاني وحده أعظم “عيادة” لعلاج الأمراض الاجتماعية بالحوار والحديث بين كل الطبقات وسائر المهن. هو أعظم وسيلة “مناصحة” يتبارى فيها المثقف الضخم في حروب الأفكار مع الشاب البسيط المشحون بتغذية المدرسة والمنبر والمخيم والمحاضرة. طبيعة الفرد الجازاني مشحونة أيضاً بحب القرية والطين و”الصيل” ولهذا تجده يهرب من حداثة بيته وأناقته إلى أديم الأرض التي تتميز بها مجالس السمو الجازانية الطويلة. الجازاني باختصار: هو أستاذ الجامعة الذي عاش شقق لندن وصخب شيكاغو وبرجوازية إسكان جامعة الملك سعود لكنه في قرارة دواخله يعرف أنها كلها مجرد رحلة مؤقتة قبل أن يعود للطين والقرية وحديث البسطاء ومجالس التنوع الطبقي التي تشارك بها كل الأطياف والمدارس والشهادات.
باختصار: الإنسان في جازان متصالح مع نفسه. يكره الإملاء والوصاية مثلما يكره التجييش والتبعية، ومثلما يبغض استيراد الأنموذج. باختصار شديد: المجلس الجازاني هو جواب أسئلة كل ما بأعلى المقال.

 علي سعد الموسى

>

شاهد أيضاً

رحل عامر المساجد

بقلم/ عوض عبدالله البسامي مات الهدوء ومات اللين والحلم وغربت التؤدة والأناة مات الشيخ الوقور …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com