من شؤون الموظفين إلى الموارد البشرية

 

د. خالد بن حسين عسيري

​استجابة للتكيف ومواكبة المتغيرات المتسارعة؛ فقد هبَّت معظم المؤسسات الحكومية والخاصة بشكل مضطرد نحو تغيير مسمى شؤون الموظفين إلى الموارد البشرية، بل زادت على ذلك فألحقت بها معظم شؤون الإدارة.

هذا التغيير-من وجهة نظر وبناءً على معطياته-طال السطح والقشور فقط ولم يتناول العمق المفاهيمي لعلم الموارد البشرية، بالرغم من اكتظاظ الميدان الأكاديمي بمجموعة الأبحاث التجريبية التي تمثل خارطة طريق لممارسات الموارد البشرية وتأثيرها المستقل أو الجمعي على الأداء التنظيمي، وبالرغم من تعالي أصوات خبراء الإدارة وعلماءها التي تنادي بالاهتمام بالمورد البشري كونه أهم رصيد للمنظمة، بل طال ذلك التأثير مستويات الرضا الوظيفي للفرد.

هذه المعاناة التي تعانيها بعض مؤسساتنا في القطاعين “الخاص والحكومي” تؤكد بقائهم في إطار نهج شؤون الموظفين ونظرتهم المحدودة لذلك العلم والذي ينتهي-من وجهة نظرهم-بتوظيف الفرد، ثم محاسبته من مبدأ العصا والجزرة أو اتباع العمل الروتيني المتكرر والمتعارف عليه في المنظمة؛ فأفقدها روح العمل الابتكاري، وتحدياته الوظيفية على مستوى السلوك الفردي والجماعي.

فعلم الموارد البشرية بمعناه التخصصي يشير إلى ثلاثة أبعاد أساسية هي: فن صناعة الانسان المنتج، وتعلم المهارات الحديثة، وتطبيقها؛ مما يعني أننا بحاجة لاستنبات وحدات نشطة، تُقَّدر بشكل دقيق استقطاب الفرد الصحيح في المكان الصحيح، وتسهم في تعلم الفرد السلوك الإيجابي، وتوجه مواقفه الفردية، وتنمي مهاراته المعرفية، وتُحسٍن من قدراته الوظيفية التي يحتاجها في كافة المستويات، وتعينه على أداء مسؤولياته الوظيفية، وأخيراً تعمل بكل جهد لرفع رضاه الوظيفي مما سهم في الاحتفاظ بتلك الثروة البشرية، حيث تعزو “معظم دراسات علم الإدارة” تخلخل إنتاجية المؤسسات وتباين أداء أفرادها إلى مشكلات في ضعف إدارة بيانات الأفراد وتقديمها بشكل دقيق انعكس على ضعف تقدير الاحتياج، وانخفاض الروح المعنوية وانخفاض مستويات دافعيتهم للعمل؛ وبالتالي انخفاض أداء المنظمة ككل. ومن جهة أخرى فكل تلك المتغيرات ترتبط بشكل مباشر بضعف معايير تقييم الأداء.

وهناك عامل حاسم تشير إليه نظرية رأس المال البشري يتمثل في أن بعض العمالة أكثر انتاجية من غيرها؛ حيث تعزو ذلك إلى أن الموارد المستثمرة تتجه بوصلتها نحو التدريب. وقد تفشل المنظمة إذا ما اتخذت تصيُد الأخطاء أو تجاهلها سياسة لها؛ لتحقيق مستويات معينة من التنافسية، دون اللجوء إلى سيناريوهات التدريب وعلمه في علاج السلوك.

ولا شك في أن مشاركة الفرد وتمكينه في فحص المشكلات وتحليلها وتقديم الحلول الممكنة وتنفيذها، والمساهمة في تطوير إستراتيجيات المنظمة، وفي صناعة القرار التشاركي، تلعب دورًا كبيرًا في تحقيق ذاته، وتلبية احتياجاته الوظيفية، بل تتجاوز إلى أبعد من ذلك في رفع مستويات الرضا الوظيفي، وهذا يؤكد الارتباط الإيجابي بينهما، وعدم الاهتمام بتلك المتغيرات يعني غياب صناعة التحديات للأفراد، وضعف تشجيع الإبداع؛ وبالتالي احباط المجتمع الوظيفي في المنظمة ككل.

وفي سلسلة متغير علم التحفيز، تشير نظرية كفاءة الأجور-التي تدرس علاقات التعويض والمرتبات والمزايا-إلى أن إصرار المنظمة على دفع الأجور العالية قد يؤدي أحيانًا إلى ارتفاع إنتاجية العمل، من مبدأ دلالة زيادة الأجر العالي تؤدي إلى ارتفاع مستوى جهد الفرد وزيادة الولاء التنظيمي، وبالتالي تؤول إلى زيادة إنتاجيته. مع الأخذ في الحسبان تبني مبدأ الأجر القائم على الأداء كعنصر في نظام الحوافز التنظيمية، مع التأكيد على أهمية وضوح عنصر الوظيفة من خلال وصفها بشكل دقيق وتحديد واجباتها ومسؤولياتها المتعلقة بالمهام المتوقعة من الموظف. مع مراعاة وجود بيئة عمل تحفز على الإبداع والابتكار وتشجع العمل الناجح، وتسمح بمشاركة المعرفة بين الأفراد، وتعمل على رفع مستوى رضاهم وتخفض معدلات دورانهم عندها يمكننا القول بأن هذا إطار الموارد البشرية.

>

شاهد أيضاً

كم كنت عظيماً يا ابي

بقلم : د. علي بن سعيد آل غائب بمناسبة الذكرى الخامسة على رحيل والدي رحمه …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com