إليك ياصديقي القمر.

 

يا صديقي القمر، كيف تبدو بكل هذا الألق والجمال والاكتمال بينما أنا منطفئةٌ،حزينةٌ، ناقصةٌ كثيراً، وكثيراً جداً.
أليس من شيم الوفاء بين الأصدقاء أن يتشاطروا الأحزان معاً حينما يُلم الحزن بأحدهم.
أم أنك أنت تظهر بكل هذا البهاء والروعة، وأنت مظلمٌ حزينٌ في مكان ما؛ فتشبهني عندما أتوارى بحزني ودموعي عن كل البشر؛ مفضلةً أن أعيش حزني لوحدي، ربما لاعتقادي بأن الحزن شعورٌ عميق ومقدسٌ ينتهك قدسيته الظهور للعلن.
منذ طفولتي المبكرة انتبهت إلى أنه من العار والضعف؛ البكاء أمام الآخرين، ومن الانكسار أن أسمح لأحد بأن يطلع على وجع قلبي، لهذا كنت أنعزل بنفسي وحزني ودمعي عن كل عين ناظرة.
رحيل أبي عن الحياة، أفقدني القدرة تماما على التوازن في كل شيء.
في التفكير وفي الشعور، وفي التواصل مع الناس.
رحيل أبي يا صديقي جعلني أشعر بكميةٍ مهولةٍ من النقص تجتاح قلبي، وأيامي، وتفكيري.
لازلت حتى هذه اللحظة في حالة عدم تصديق بأن أبي مات.
لم يتركنا أبي يوماً طوال كل هذه السنوات منذ مجيئنا للحياة وحتى قبل أيام؛ فكيف يريدون مني اعتياد الحياة من دونه.
لقد كنت أصاب بالهلع حين يتأخر يوماً عن العودة للمنزل بسبب عمله، أو مزرعته، أو حتى ذهابه للسوق.
وأظل واقفةً أرقب الطريق الذي سيعود منه؛ ولا تعود نبضات قلبي للانتظام إلا حينما أراه بخير عائداً لبيته وأبنائه الذين لم يبخل عليهم يوماً بشيءٍ رغم محدودية دخله.
علمنا الصلاة قبل سن التكليف، علمنا الصدق، والأمانة، والتعفف عما بأيدي الناس، والرضا بما عندنا قليلاً كان أم كثيراً.
علمنا الصبر، والاجتهاد، واحترام الآخرين.
كان أبي السماء التي تظلني، والأسوار التي تحميني، والقلب الذي يحبني بكل صدقٍ، من دون أن يطلب لذلك أي مقابلٍ مني.
والآن كيف سأتعلم العيش من دونه ..!!
كيف للغصن أن يعيش دون الجذع الذي خرج منه.
كيف للفرع أن يستمر دون الأصل.
يا صديقي القمر .. يظنوني سلوت أبي؛ وهل الأب يُسلى ..!!
ياصديقي القمر .. يظنوني اعتدت الاستيقاظ صباحاً دون أن أرى أبي أمامي، ولو كان في قمة المرض والضعف..!!
ياصديقي القمر.. يظنون أن النوم يهنأني ، وأنا التي أمضي ليلي بين الدموع، والكوابيس حتى يطلع الصبح.
يا صديقي القمر.. أبوح لك هذه الليلة، كما اعتدت أن أفعل منذ زمنٍ بعيد؛ فاستمع لبوحي ولو كان ثقيلاً حزيناً مكتوباً بالسواد، عكس وجهك هذه الليلة.

١٣/ ٧/ ١٤٤١ هجري.

عائشة محمد عسيري ( ألمعية) .>

شاهد أيضاً

غرور أنثى

بقلم الكاتبة /فاطمة محمد مبارك خلف أبواب الهوىَ ثنايا الروح سَكبت حروف عشقك شعراً ونثرا …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com