العاطفة الشعبية لا تكفي.
تأخذني الحادثة الإرهابية في شرورة إلى التوقف عند مفاصل حاسمة في ملف تعاطي المواطن مع الأحداث المحلية والوطنية، العاطفة وحدها لا تكفي لمعالجة الجراح وقراءة الملفات الحساسة الحرجة، العاطفة برفقة التفكير المغلق يذهبان بنا لزوايا حرجة ويضعان أحداثنا الطاعنة في الألم بيد من يكرهنا ويكره أن نعيش بسلام، أو في حضن من يؤلمه استعراضها حين تعيد له الذكريات وصور الأحباب وقطع الروح النازفة في لمحة عين، لذا فنحن مبتلون بمن يرى نفسه ناقلاً سريعاً لأي حدث وممرراً حصرياً له بلا تدقيق في جدوى التمرير وأبعاد ما ينقله لفراغه الذهني بالغ الدهشة.
أحبط حين تتفرغ فئة الفراغ الذهني وفي ظل مشاهد الدماء ووقائع التفجير لمتعة التصوير والنشر والتوزيع وتوثيق اللحظات لمن لا يعني له توثيقها سوى المشاركة بها في ملصق إلكتروني أو مجموعة هاتفية، تشعر بحاجة مثلهم الماسة لتعزيز الحس الوطني والتأكيد على أن كثيراً من أوراقنا التي يجب أن تكون مغلقة ومغلفة بالحب والحرص تذهب سريعاً وببركات جهلهم للبعيد والمتشفي والفرح والمنتظر لأن يكون حجم الضرر والتأثير أبعد مما يخطط له ويتوقعه.
أحسبه خائناً خائباً من يتفنن بنقل المعلومات والصور والمقاطع بهذا الشكل الإخباري الأقرب للهبل ومن دون أن يمثل هذا الناقل جهة رسمية أو مصدراً موثوقاً، بل من باب تصنيفه كصاحب سبق والأول في النشر والقادر على تقديم الثواني الأشرس في أسخن المواقف، فيما هو يمهد لزرع مساحات من الشكوك، وبث الرعب في نفوس البسطاء، وطعن القلوب بصور عابرة لمشاهد موجعة، كان من المواطنة الخالصة الحقة ومن الإنسانية الرفيعة ألا تكون أسهل ما يتم تبادله وتناوله.
أتحدث بشفافية عما يمارسه عشاق وسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها من استثمار لحوادث الإرهاب والمعلومات المرتبطة بها، والعمل على تقديمها في حالة من اللاوعي وبشيء من فقدان الإحساس بالمسؤولية، مع أن فيها ومن بينها ما يخدم ويساعد الأعداء ومروّجي الفتنة والسوء والفرحين بزعزعة مكان وإزعاج آمنين واختطاف أبرياء، مثل هذا النشر العشوائي يفصح عن عقول رثة لا يعنيها همٌّ ولا يهزها أمر، تمارس دور الببغاء الإلكتروني، وتدعي الخوف على ذواتها وما يحيط بها والكيان الذي يضمها، تفعل الخطأ الكبير بالعاطفة الباردة والفضول الذي لا يحله إلا عقاب ساخن وملاحقة لكل المنجرفين وراء الاستهتار بأسرار الوطن وأمن الدولة والمعلومات المهمة المحتاجة لأن تظل طي الكتمان لا على طاولة الهابط والنازل. لكل معلومة منشورة أو صورة متداولة دائرة ضيقة ليست مستحيلة على مسطرة الضبط والكشف، وكثير مما تزرعه وسائل التواصل من أخبار كاذبة مميعة للمخاطر المحيطة أو مرضية للكائدين بنا هي في أساسها من فعل مستهتر وعلى يد ضيق أفق وفقير رؤية ومتحرك في الدائرة الضيقة المنطلقة بسرعة الضوء للدوائر الأوسع والأخطر، ولن يجد ضال أو تخريبي مستتر فرصة لممارسة نشاطه الرخيص سوى في هذه الدوائر الجامعة لمن رخص وزنه وفقر عقله، ومرة أخرى العاطفة وحدها لا تكفي لمجتمع آمن، هي تخديرية موقتة ما ظل العقل في إجازة مفتوحة.>