بقلم: حصة محمد
طرحت إحدى الزميلات سؤال استبياني او قياسي إن صح القول لقياس الآراء حول المأزق التي تعاني منه كما فهمنا من طرحها، ولعلها أرادت كذلك فتح بابٍ للنقاش والتوعية في موضوع حساس قد يعاني منه البعض دون ان يشعر ، وهو:
” هل المثالية عائق أم مسوغ ” ؟
قدمن كلاً من الزميلات آرائهن حول السؤال مابين مؤيد ومعارض، ولم اعجَب من المؤيدات بقدر عَجبي من المعارضات للمثالية وتصنيفهن لها كعائق من العوائق التي تحبط المرء وتقلل من تقدمه ونجاحه، والجدير بالذكر أنني حينها استمتعت بوعي وثقافة المشاركات وإدراكهن مدى الخطورة النفسية التي قد تصيب المثاليين على حد قولهم، وفي الوقت عينه لاحظت على البعض خلطهن بين المثالية الإيجابية الواقعية وبين هوس الكمالية التي يسعى لها الكثير، ولعلها المعنية برأي المعارضات اللآتي ينهين عينها.
وهذا تماماً ما دفعني للكتابة عن هذا الموضوع، إذ ان من الخطأ الخلط بين المثالية الإيجابية وهي السعي لبناء نموذجاً ناجحاً على الصعيد الديني والنفسي أولاً وذلك بأداء حق الله والرضى والتصالح مع الذات ثم على الصعيد العلمي والعملي والإجتماعي ثانياً، ومع هوس الكمالية التي يسعى إليها البعض دون مراعاةٍ لوقتهم وصحتهم.
فالأول تفاهم وانسجام مع النفس وتعزيزاً لنقاط القوة الشخصية وإحترام لقدراتها وعدم إرهاقها بصنع المستحيل كما يحاول ان يفعل المهووس بالكمالية، عندما يسعى للصورة الكمالية المزيفة مضحياً بذلك بوقته وجهده وطاقته، ولعل جُل ما يخشاه الكمالي نظرة الناس لتلك الصورة الكمالية التي يسعى حثيثاً لتشكيلها أمامهم، ليجعلها براقة تُدهش وتُلفت، فهو يسعى “لكل شيء او لا شيء” وهذا قد يسبب تبعات نفسية سيئة لهذه النماذج من الكماليين.
فحينما يسعى الموظف البسيط مثلاً لنيل منصب رئاسي في عمله ثم يجد أنه قد شغله من هو أجدر منه علماً وخبرةً تجد ان المثالي الجيد يرضى بالأمر ثم يعمل لإمتلاك ما يؤهله للمنصب مستقبلاً، أما الكمالي فيبدي غضبه ورفضه بل قد يتخلّى عن وظيفته ويبحث عن شاغر وظيفي جديد لانه يرفض الفشل ويرى أنه يجب ان يكون الناجح الوحيد والأفضل دائماً.
وعموماً عدم رضى المرء عن نتيجة عمله لا يعني دائماً الكمالية، قد يكون دافع للتطوير والأبداع، لذلك أرى أن المثالية مسوغ للإبداع والتطوير وليست عائق للنجاح والتقدم.
>