بقلم – إبراهيم عواض الشمراني
لرجلٍ تجاوز الخمسين بقليل تستطيع ذاكرته الجنوبية أن تقارن بين زمن المذاكرة على الفوانيس في ذلك الزمان البعيد الجميل الذي لم نكن نعرف فيه شيئا اسمه الفيروس، و زمن الأقمار الصناعية و الألياف البصرية التي تنقل الفصل و الدرس إلى شاشة المحمول أو التلفزيون، و وحده المعلم ظل عصيا على النقل بشخصه وبهيبته و إدارته للتدريس و رعايته لهؤلاء الأبناء ساعات طوال منذ لحظات الفجر الأولى و حتى زوال الشمس من كبد السماء!
في الطابور و في الفصل و في الفسحة و في الممرات و وقت الصلاة و حتى بعد الانصراف يظل المعلمون والمعلمات أمام أبواب المدارس يسلمون الطالب و الطالبة لأهاليهم قد تزودوا بالعلوم و المعارف و الأنشطة، فرغوا طاقاتهم و نشاطهم و جلسوا وقاموا، وهرولوا و لعبوا، و قرأوا و كتبوا، و ناقشوا و حاوروا، و ربما تخاصموا و تطاردوا!
كل هذه العمليات الذهنية و الرياضية والنفسية و البدنية برعاية و إشراف هذا المعلم والمعلمة اللذين لم تستطع الألياف البصرية و لا الأقمار الصناعية والقنوات و المنصات التعليمية توفير جهدهما و رعايتهما الذهبية!
و هي رعاية ليست مجانية بالتأكيد تستلزم تسجيل و التقاط وتصوير كمية الأنفاس في الشهيق و الزفير اليومي، و قياس الضغط والسكر و الأدرينالين عند مئات الألوف من الرعاة!
و يكاد الآباء و الأمهات اليوم و قد (بلشوا) يرددون :
جزى الله كورونا كل خيرٍ
يعرفني صديقي من عدوي!
و ما زال المعلم رغم كل هذا التباعد و البعد و التعليم عن طريق الألياف و الأقمار و الإلكترونيات و التقنيات و المنصات و الفصول هو فارس المرحلة يردد بفخر :
يمر بي الأبطال كلما هزيمة
و وجهي وضاءٌ و ثغري باسمُ!
و مع أن وزارة التعليم هيأت حربا ناعمة رائعة للتغلب على الجائحة من خلف المنصات التعليمية و الشاشات الفضية والفصول الافتراضية.
إلا أن ما قُدم وسيقدم من تعليم عن بعد في مملكتنا وفي جميع أنحاء العالم لا يصل إلى ربع تأثير الحضور إلى المدرسة و التعلم داخل الصف،غير ما تقوم به المدرسة من أداء لدور الأسرة و الأب و الأم؛ وربما العاملة المنزلية!
و ثلاثتهم يرفعون هذه الأيام أيديهم صباح مساء يدعون بالفرج و عودة الطلاب لمدارسهم و التفرغ من جديد للحياة الطبيعية التي كانوا يستلمونهم فيها مستلسمين مسالمين ستقضي الواجبات المنزلية و ثلاث قصص قصيرة من بعد المغرب حتى العشاء على أي نوايا شيطانية للعبث و المشاجرة.
إن التعليم عن بعد قرار موفق للتعلم و مواصلة العيش و التأقلم مع الظروف و التعاون بين البيت و المدرسة، لكني على ثقة أنا ذات يوم سنحمد الله على عودة هولاء الملايين من الطلاب والطالبات خاصة في التعليم العام لمدارسهم و معلميهم ومعلماتهم، و سندعو الله لهم طويلا ـ كآباء و أمهات ـ و ربما زدنا في الدعاء من الفرح : اللهم وفق المدارس.. اللهم نجح المدارس!
>