مانع بن علي المحيـَّا
ماذا حدث لتلك الحسناء ؟ ماذا دهى تلك التي كان السحاب حينما يشتاق إليها يتدنى إلى الأسفل ليحضى بمعانقة قمم جبالها الفاتنة ؟ تكون في تلك الحالة مرتديةً ثوباً أبيضَ يزهو بتطريزٍ مخضرٍ فاتن ، هنا وهناك ومن أعالي قمم الجبال ومن أسافلها ما بين التل والجبل وما بين السهل والوادي كنا لا نرى سوى أرضاً مخضرة تفوح برائحة الريحان والعرعر والعثرب وغيرها ، والماء يجري فيها مبتدئاً بأطرافها ليصل ويسقي جميع أرجائها ، كما أننا لا نستنشق فيها سوى نسيم الجبال البارد الصافي والنقي من كل ما يلوثه ويعكر رائحته ؛ حيث أنه يأتي محملاً ومعطراً برائحةِ ما تكتسي به قمم جبالنا من بساتين غنَّاء وثمارٍ يانعة ، ومعطراتٍ فاتنة ، من أرض الطبيعةِ الغنَّاء ، حيثُ لا تجد مثل رونقها وجمال رائحتها كما هو في البيئة الأصل التي نحظى بها عن غيرنا ، كما أننا نشتاقُ كل يومٍ لشمسٍ مشرقةً تبعث بروح الأمل في أجسادنا لتهيئ لنا العيش في عيشة السعداء ، يشرق مع سناها خيوط أملٍ رقيقة لا نكاد نراها تماماً لنحافة سمكها ، ولكن كم من الحياة الجميلة التي تحملها هذه الخيوط وكم من أملٍ يتجدد لدى الأنفس حينما ترى أشعتها الساطعة وكأنها تتجه إليها مباشرةً قاصدةً إياها لترسم على تلك الوجوه الكئيبة واليائسة أملاً وبسمةً في حياةٍ جميلة ، قليلٌ من يفهمها ويستشعرها ويعيشها في الخيال ليستمتع قليلاً بوقته إن كان لا يملك الإحساس بالسعادة في أرض الواقع .
أشتقنا إلى ذلك كثيراً ، حتماً جميعنا اشتاق لذلك !
ولكن أتى فجر الأمس ليهدم ويحطم طموحنا وآمالنا والروح الريفية والجبلية التي كان يمتلكها ويتمتع بها سكان منطقة عسير ، فجراً حمل معه الكثير من الخوف والرعب والرهبة ، فجراً أتى ليلبس هذه المنطقة لباساً أحمر كئيب ، بعدما كانت سماءُ عسير تمطر بمجرد مرور الغيمة من فوقها ، فنكون وتكون الأرض في لهفةٍ لهذه القطرة التي تعيد الحياة من جديد وتشعرنا بحبٍ للماضي وعشقٍ للذكريات القديمة والحياة الجميلة ، فترى أكثر سكان القرى حين تمطر السماء على أراضيهم ومزارعهم ما زالوا متمسكين بعوائدهم وتراثهم الأصيل والذي سيبقى على مر العصور .
تفاجأنا جميعاً بسماء عسير فجر الأمس حينما أمطرت بالدماء ، فسالت أراضيها بالدم واللون الأحمر الكئيب الذي لم يكن ذات يومٍ من الأيام زياً مناسباً لهذهـ الحسناء ، وبعد أن اكتست هذا اللون ، اصبح منظرها مشؤوم ونسيمها مسموم ، نعم إنه مسموم ..!
سُمَّاً ومُرَّاً وقهراً وألماً داخل الأبدان ، قتل القلوب وجردها تماماً من أملٍ في أن تكون ” عسير ” باهيةً بذلك المنظر المعروف عنها والذي يظهر فتوتها دائماً ، وأن تبقى ” عسير ” ذات الحسن والجمال والتي تغنى وتغزل بها الفنانون والمنشدون والأدباءَ والشعراءَ باهيةً بصنع من ذا أبدع بصنعها وزينها فأكمل زينتها .
ولكن هل من أحدٍ أجد لديه إجابةٍ على سؤالٍ دائماً ما يتردد في ذهني كثيراً ؟
هل كانت ذات السحر الحلال سحر الطبيعة والخيال قليلة القدر لدى من يعبث فيها فيوشوهها ويجعل منها مقصداً لإفراغ طيش الطائشين وعبث العابثين وفساد المفسدين وسفكاً لدماء المساكين ؟
هل من المعقول بأنه غاب عن أذهان عديمي الإحساس وأللا مبالاة بأللا يكون هناك من يقف في وجوههم وأن لا يكون هناك أحدٌ يضع حداً لتصرفاتهم الغير مقبولة دينياً واخلاقياً واجتماعياً وثقافياً ؟ هل اعتقدوا أو أحسوا مجرد احساسٍ فقط بأن ” عسير ” خلت من رجالها وأهلها وعشاقها الأوفياء ؟
هناك مجرد معلومة بسيطة لابد أن تصل لمن اعتقدوا أو ظنوا ذلك فرداً فرداً وتخصيصاً وتحديداً إلى عالم ” الدرباوية ” عالم الانحطاط والاعلان جهراً بالتخلي والتبري عن أخلاق الدين الحنيف دين الإسلام ودين سيد المرسلين وأشرف العالمين محمدٌ بن عبدالله عليه من الله أفضل الصلوات وأتم التسليم ، ذلك الدين الذي يحتم علينا بأن نتخلق بالأخلاق الحميدة والدرجات الرفيعة والتحلي بالصفات الحميدة ، كما كان عليه نبينا وآباؤنا وأجدادنا ومن سار على نهجهم في سابق الأزمان ، على صراطٍ مستقيمٍ ونهجٍ لا نحيد عنه أبداً ولا نغوى .
المعلومة التي أريد إيصالها لمن ذكرتهم أخيراً هي : لا تظنوا ولا تعتقدوا بأن من يمتلك القلب الوفي المحب لهذهـ المنطقة العسيرية لن يتمكن بأن يتخلى عنها ويتركها سبيلاً وألعوبةً في أيادي من تخلوا عن قيم وشيم قبائلهم لينشروا فكراً غاوياً مليئاً بالأحقاد والفتن وسوء القيم ومليئاً بعالم القذارة والدناءة فكرياً وعملياً وحيوياً ، حتى جعلوا لهم طابعاً خاصاً لا يتطبع به سوى من كان على شاكلتهم أو معجباً بهم ، اتمنى من هذهـ الفئة البسيطة الذين يحسبون أنفسهم جماعةً كبيرة متمتعةً بمتابعيها والمهتمين فيها أن تفهموا معنى حديثنا عندما نقول : ” عسير ” ليست مجرد حبٍ وفقط ؛ بل إنتماءٌ حقيقيٌ من معادن أصيلةٍ في داخلنا ورمزاً شامخاً في قلوبنا وهو رمز الإنتماء ورمز العطاء ، إنه أكثر من عشقٍ أو حب ، إنه إنتماءٌ ينتمي إليه العشق والحب والوفاء والإخلاص معاً ، ففرقوا بين وطن الإنتماء وعالم العشق والحب .
أيها الدخلاء الغرباء على منطقتنا ، ألم يأتِ في بالِ أحدكم يوماً من الأيام كيف كان وكيف صار وإلى أين وصل ؟ ألم يأتِ يوماً من الأيام فيتذكر أحدكم قلبانِ تركهما خلف ظهره خائفان وقلقان ومنشغلان البال ؟ وكل ذلك سعياً في سبيل إشباع الرغبة الميتة إحساسها ، والهوا المصنوع خصيصاً لكَ والمحقون في دمكَ بأحاسيسٍ رهيفةً شيطانية لم تجعلك تشعر بالأذى وذلك لتنجرف وراء عالم الخدع والخزعبلات المنبوذة دينياً وأخلاقياً وسلوكياً .
لا أتصور ما هذه القلوب التي تمتلكونها وتكون خاليةً ومجرَّدةً تماماً عن الأحاسيس والمشاعر والعاطفة ؟! كيف تستطيعون العيش بقلوبٍ مفرغةً للإفساد في الأرض ولا تكون قابلةً لغير ذلك أبداً ؟ ألا يوجد لديكم قلبَ أمٍ حنونٍ ذات البال المشغول والحس الصادق والمهموم ؟ ألا يوجد لديكم قلبَ أبٍ رؤوفٍ وعطوف ويملك بالاً مشغولاً بماذا تفعل وأين أنت ويرافقك من وأسئلةً كثيرةً تبين مدى تعلق الأب بابنه ومدى حرصه على ابنه ومدى اهتمامه بابنه خوفاً عليه من أن يسقط في وحل الصداقة ليكون بدايةً له في عالم الانحراف والتلذذ بالجرائم دون عقلٍ وضميرٍ يأنبه على فعل ذلك .
نعلنها وبكل ما نمتلك من قوةِ جأشٍ وترابطٍ وتكاتفٍ وغيرةً وتملكاً لمنطقتنا وإرادةً منا نحن يا من “عسيرُ ” مربأنا ومسقط رؤوسنا لن نسمح بمن يريد جلب المزيد من الأفكار التي ليست بالأصل والمنشأ في عسير ومما يمثل شخصيته بأن يتمادى في ذلك ، ولن نصمت ولن نتغاضى عن كل ما نراه سبباً في دمار وتشويه ما اتصفنا به وتميزنا به من سابق الأزمان عن سائر مناطق مملكتنا الحبيبة بسيطاً كان هذا السبب أم عظيماً ، سنموت على عادتنا وتقاليدنا وأصالتنا الفريدة من نوعها وتراثنا المجيد بنور تاريخنا ، نعم ! سنموت على كل ذلك فلا انحياد لنا عن أجدادنا وطبيعتنا وحياتنا ، ولا سماح بعد اليوم للدخلاء والغرباء الذين هم أبناء منطقتنا ولكن تطبعوا بأطباع غيرهم حيث لا فعلاً مجيداً يُذكر ولا شهامة في ذلكَ تذكر ولا فخرٌ في ذلك فيفتخرون ولا حياء ولا دين ولا أدب ففعلوا ما يحلوا لهم دون مراقبةٍ ومتابعةٍ دقيقةٍ من الجهات المختصة ، في نظري لو كانت متواجدةً ومؤديةً لعملها بالشكل المطلوب وفي أتم استعدادها تحسباً لأي ظرفٍ طارئٍ كما شاهدنا فجر الأمس ؟ لما حصل ما لم يكن في الحسبان بتاتاً ولكن لا تغيير في قضاء الله وقدره .
نسأل الله العلي العظيم في هذه الساعة المباركة أن يتغمد الأموات بواسع رحمته وأن يسكنهم فسيح الجنان وأن يغسلهم بالماء والثلج والبرد وأن ينقيهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، وأن يلهم أهليهم وذويهم الصبر والسلوان ، وأن يشفي المرضى ويلبسهم لباس الصحة والعافية وأن يجعل ما أصابهم تكفيراً لهم عن خطاياهم ، كما نسأله جلَّ جلاله بأن ينفس كربة من كان سبباً في ذلك وأن يفرج همه وأن يهدي قلبه وأن يكون سببا في توبة غيره ليكسب أجرهم ، ونسأله سبحانه أن يتولاه بما يراه ربنا خيراً له ولأهله ولأمته ، كما نسأله تبارك وتعالى أن يحفظ لنا أمن هذه البلاد واستقرارها وأن يجعلها في حفظ الله ورعايته دائماً وأبداً وأن يحفظ لنا حكامنا وقادتنا العادلين من كل سوءٍ ومكروه وأن يديم الرخاء والاطمئنان على هذه البلاد المباركة ، إنه قريبٌ مجيب الدعوات .
>