بقلم الكاتب. عبدالرحمن خليل
قسَمَ الله برحمته وله الحكمة في قضائه وقدره أن يسقط الطفل ريان في تلك الحفرة الظالمة المُظلِمة ( ليُصبح العالم بأسره نوراً له وقلوبهم مسكناً له ) ، لم يقبض الله روحه في تلك الحفرة ليكون نسياً منسياً في غياهب الظلام ، بل رفعه من باطن الأرض إلى ظاهرها ومن ثم اختاره ليكون إلى جواره في جِنان الخلد بإذن الله .
كتَبَ الله لهذا الطفل أن يكون ذكرى لا تُنسى واختاره لجمع وتوحيد القلوب المتفرّقة وإعادة القليل من الإنسانية التي عانى العالم كثيراً من نُدرتِها ، نعم هنيئاً لوالديه أن جعله الله شفيعاً لهما وجعل العالم أجمع يشاركهما حزنهما وفقدهما ومواساتهما في هذا الفقد الموجِع .
سبحان مقلّب القلوب ( في لحظات متقاربة انتقل العالم من حزن وضيق ببقائه وحيداً وسط ذلك الرعب إلى فرح وسرور بخروجه ، تلاه الحزن الأكبر والألم الأعظم والصدمة الكبرى بفقده المؤلم رحمه الله ) .
الملايين من البشر لم تربطهم أي علاقة مباشرة به ولم يكونوا على معرفة بهذا الطفل ولكن كان الرابط الوحيد في هذه العلاقة المؤقتة والسامية ” الإنسانية لا أكثر ” .
فنسأل الله أن يربط على قلبيْ والديه وعلى قلوبنا التي تعتصر ألماً على رحيل تلك الإبتسامة البريئة ، رحل وقد منحه الله سبحانه وداعاً يليق ببراءته وصبره ومقاومته للألم والجوع والخوف والبرد كل تلك الأيام التي ضمّته بها الأرض قبل أن تعود لإحتضانه إلى الأبد وكأنها هي الأخرى ” تقوى فِراقَه ” .
رحل ريان والجميع يتساءل ماذا بعد ريان !!؟؟
الأراضي المُلتهِمة لن تتوقّف عن الإبتلاع وعلى الأغلب سيكون ذلك على حساب إغتيال أحلام الطفولة ولحظات البراءة وافتقادها جزئياً أو كلياً ، وبرغم حدوث هذه المأساة في قارة أخرى ودولة أخرى إلا أنها معاناة في مختلف دول العالم ، ولكن سيكون حديثنا عن هذا الوطن المعطاء الغالي على الجميع وربما يُستفاد من ذلك خارجه .
هل سيتم فرض المزيد من القيود الأكثر صرامة على تنفيذ مثل هذه الأعمال من قِبَل وزارة البيئة والمياه والزراعة ، وهل سيتم ربط جميع هذه الآبار ببيانات وسجلّات المقاولين المشرفين على تنفيذها وكذلك أصحابها ، وتفعيل إلزامية استخراج التصاريح النظامية قبل البدء بتنفيذها ، وهل سيتم فرض ومضاعفة العقوبات الرادعة على منفذيها وأصحابها في حال ترك الآبار مكشوفة بصورة تهدّد سلامة المجتمع ، بل وتغليظ العقوبة على من يقوم بتنفيذ أعمال الحفر من المقاولين والمالكين دون ترخيص أو تقصيرهم في تطبيق إشتراطات السلامة بشكل كامل ؟؟؟
شخصياً قمت بتجربة طلب رخصة حفر بئر من موقع وزارة البيئة والمياه والزراعة وتفاجئت بمرونة الأنظمة وسهولة الإجراءات والتي تمنيت أن تكون درساً لبعض الوزارات الأخرى في سلاستها ، كما وتمنيت أيضاً أن تستخدم وزارة البيئة بعض تعقيدات الوزارات الأخرى وإجراءاتها الصارمة .
لرخصة حفر البئر يكفي بأن تُرفق طلبك موضحاً به الموقع والإحداثيات والحاجة اليومية من المياه مع بعض وسائل التواصل ، وحضور المقاول المنفّذ عند إستلام الرخصة لتوقيع بعض الإشتراطات ، وبما أن الإشتراطات غير موضحة في الموقع فربما أنها لن تخلو بلا شك من بند الحفاظ على الأمن والسلامة بنسبة 100٪ كشرط رئيسي للحصول على رخصة الحفر .
أيضاً هل سيتم العمل على تطوير آليات ومعدات تُسهم في مكافحة التهام الآبار العشوائية والتي لا يُستفاد منها غالباً .
هل نجد من يعمل على إبتكار علمي وعملي لمعالجة هذا النوع من الحوادث أقل زمناً وأكثر أماناً .
كم (لمى) هنا ؟؟ وكم (ريان) هناك ؟؟ وكم وكم !!؟؟؟ كم سننتظر حتى تصحو بنا الأفكار التي ابتكرت المعجزات لتُثمر عن فكرة إبداعية للحد من المتاهة في دوامة السقوط في مثل هذه الحُفَر التي قد تبتلع حُلمَ طفل أو أمل أسرة فتُحوّلها إلى كوابيس لن ينجو منها أي مقصّر في سد مثل هذه الثغرات التضاريسية التي لم ولن تشبع في حال وجدت من تحتضنه في أحشائها دون التفريق بين الجنس أو الفئة العمرية وبلا النظر إلى مرجعية دينية أو طبقة مجتمعية أو مظاهر شكلية واختلافات لونيّة ( يكفي أن تكون مخلوقاً ) فهي لا تهوى البشر ” وحدهم ” ولكنها تلامس إنسانيّتهم في كل حادثة وتضع يدها الشرِهة لتُلامِس جراحهم وتتراقص عليها بكل هدوء لتترك ضجيج الألم وصدى الوجع هو الحديث الأبرز في تلك البقعة .