بقلم / خلف الشيبان
يقول أحد العارفين “الكلمة إذا خرجت منك حَكَمتْك” ، كلمة بِنُطقها تُدان ، وكلمةٌ تنقذك من قبضة السجَّان .
أذكر أني استمعت محاضرةً لأحد الموفقين
يروي فيها : أنه ذات مرة كان يقود سيارته وكان يصاحبه أحد أصدقائه ، فحَادَتْ المركبة عن مسارها وسرعان ما أعادها ، واعتذر بإشارةٍ بيده لمن كان خلفه ، يقول توقفنا عند إشارة المرور فإذا بصاحب سيارة يومئ لي أن أفتح النافذة ، يقول : ففتحت له النافذة ، فإذا به وبلا مقدمات يقول :
” أنت حمار ؟ ” ، يقول فقلت : ” لا . ” فصُدم من إجابته حينما رأى حِلمه وهدوءه فاشتاط غضباً مع فتح الإشارة فانصرف .
يقول : فقال لي صديقي : كيف تَسكُت عن هذا ؟ ولماذا لم تقل له كذا وكذا .. يقول فقلت : هو سألني عما يجهل فأجبته بقدر السؤال ” أنني لست كذلك ” ..
إذن .. بطريقة تفكيرنا نستطيع أن نتصرف بحكمة ونتجاوز كل التحديات التي تواجهنا .
أيضاً بطريقة تفكير أخرى نستطيع أن نفاقم الموقف لنصنع من لا شيء .. مشكلة كبيرة .
لا يبلغ المجد أقوامٌ وإن كرُموا *** حتى يَذلوا وإن عزّوا لأقوام
ويُشتَموا فترى الألوان مسفرةً *** لا صفـحَ ذلٍّ ولكنْ صفحَ أحلام .
نتفق أن أغلب مشاكلنا تكمن في ردود أفعالنا ،
يتساءل البعض كيف أحصل على التوازن النفسي قبل أي قرار ٍ أتخذه ؟
كيف أسيطر على أعصابي وبالتالي أسيطر على ردود أفعالي ؟
أيها الموفق :
أولاً: استعن بالله وتخلص من حولك وقوتك وردد :
(( يا حي يا قيوم ، برحمتك أستغيث ، أصلح لي شأني كله ، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين )) (1)
ثانياً : لابد أن تثق بأنك تستطيع أن تتغير للأفضل..
لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما العلم بالتعلم ، وإنما الحلم بالتحلم ، ومن يتحر الخير يعطه ، ومن يتق الشر يوقه ) (2).
ثالثاً : إقرأ عن الحلم والصبر والأناة وعن نماذج تميزت بهذه الخصال وتقمص شخصياتهم حتى يعتاد ذهنك
و يتبرمج على الحلم وبالتالي تمتلك ردود أفعال متزنة خالية من التحديات ..
شُتم الربيع بن خثيم ذات مرة فقال: ” يا هذا قد سمع الله كلامك وإنَّ دون الجنة عقبة إن قطعتها لم يضرني ما تقول وإن لم أقطعها فأنا شر مما تقول ” .
رابعاً : استحضر حقارة الدنيا ، قال رسول الله ﷺ: ” لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء ”
كم ستصغر هذه الدنيا بعينك بعد تلقيك هذه المعلومة وهي : أن للبعوضة ستةُ أجنحة .
لذلك يهون عليك خطأ الناس في حقك وتزهد في كثير من حظوظ النفس ، ولا يحرّك ذلك فيك شيئاً لسابق علمك أنك لازلت في الدنيا ، وأنك ستجني ثواب حلمك وصبرك في الدار الآخرة
لقوله تعالى: { إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } .
خامساً : – افترض أحداثاً (مثيرات) واكتب مقابل كل حدثٍ ردة فعل (استجابات) تعتقد أنها “مثالية” ولا تستطيع فعلها وقت غضبك ،
– كرر قراءة ما كتبت ، وانتظر الفرصة لتجربة أول ردة فعل بعد إعداد العقل الباطن وتهيئته .
ليست الأحلام في حال الرضا *** إنما الأحلام في حال الغضب
سادساً : لابد أن تكون مشفقاً على الجاهلين رحيماً بهم ، فهذا أدعى لتهذيب انفعالاتك ، وأعذَرَ لهم لجهلهم ،
فرسولنا صلوات ربي وسلامه عليه بُعث رحمة للعالمين
فقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}
ويصفه ربه فيقول : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}
قال أبو الدرداء رضي الله عنه لرجل أسمعه كلاماً:
” يا هذا لا تُغرقنَّ في سَبنا ، ودع للصلح موضعاً ،
فإنا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله
عزّ وجلّ فيه ” .
وأخيراً .. لنراقب كلماتنا .. ولنتلطف مع من حولنا ..
فالكلمات ليست نافذةً لقوَّتِها .. بل بالَّلين تمتلك القلوب وتأسر الأرواح .. فليس هناك أكثر ليونةً من الماء ، ومع ذلك لا شيء يغيّر مجراه .
____________
(1) أخرجه النسائي في ((عمل اليوم والليلة)) (570) وقال عنه الحاكم : صحيح على شرط الشيخين .
(2) رواه أبو هريرة في السلسلة الصحيحة وإسناده حسن .