بقلم د/ عيدان أحمد العُمري
يعتبر البُن السعودي من أجود أنواع البُن في الجزيرة العربية ، وهو حلو المذاق ، ومن أهم المحاصيل الزراعية منذ آلاف السنين وحتى وقتنا الحاضر ، ويتم زراعته في ثلاث مناطق من المملكة العربية السعودية وهي عسير والباحة وجازان حيث يزرع في منطقة الباحة في جبلي شدا ويسمى بالبُن الشدوي ، وجاءت تسميته نسبة إلى جبلي شدا الأعلى والأسفل الواقعة في القطاع التهامي في محافظة المخواة ؛ لتوفر البيئة والمناخ المناسب لزراعته ، ومن أهم قوى الجذب السياحي بالإضافة إلى الطبيعة الساحرة والمناظر الخلابة والغنية بالكهوف الصخرية ، والتنوع في الغطاء النباتي ، ومشروبًا تقليديًا ومفضلاً لدى سكان الجبلين والأودية والقرى المجاورة لهما منذ القدم ، ومصنفًا ضمن التراث غير المادي ، ورمزًا للكرم والجود وطابعًا تقليديًا للحفاوة في استقبال الضيوف ، واشتهرت عبارات تدل على تلك الصفات الحميدة..اشرب فنجان قهوة..تفضل فنجان قهوة..تناول فنجان قهوة.. قهوتك عندنا ..وغيرها من العبارات السائدة ضمن هذا المضمون وحتى وقتنا الحاضر .
وللقهوة مكانة خاصة في نفوس الكثير من عشاقها ، ويذكر أن قهوة البُن الشدوي لجودة مذاقها وشهرتها كانت تختار من بين أنواع القهوة المفضلة التي كانت تقدم لمؤسس هذه البلاد المباركة الملك عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه .
كما يتم زراعة البُن أيضًا في منطقة جازان في الأماكن التي تمتد من محافظة العارضة جنوباً ، وفيفا والداير بني مالك والعيدابي وهروب إلى محافظة الريث شمالاً ، وفي منطقة عسير ما بين جبال السروات وسهول تهامة في محافظة محايل في جبل هادا ، ومحافظة المجاردة في وادي الغيل ، ومحافظة رجال ألمع في مركز حسوة ، ويعرف بالبُن الخولاني ، ولكل نوع من أنواع البُن طريقته الزراعية الخاصة به حسب الظروف المناخية السائدة ، وطبيعة البيئة المحلية ، واهتمام وخبرة ومهارة المزارعين في تلك المناطق .
وشجرة البُن من النباتات دائمة الخضرة ، ولها ثمار حمراء اللون في حالة نضجها ، وتنمو أحيانا في المناخ الاستوائي عندما يكون رطبًا موسم النمو وحارًا وجافًا موسم الجفاف ، ويعتبر البُن الشدوي من أكثر الأنواع صعوبة في الزراعة والرعاية وطرق غرسه والعناية والاهتمام به عن بقية أنواع البُن في بقية المناطق منذ إنباته وحتى جني الثمار وتجفيفه وإعداد تسويقه للبيع في المحلات التجارية والأسواق الشعبية المنتشرة في تلك المناطق وما جاورها .
وتمر زراعة البُن عمومًا بمراحل متعددة وفترات زمنية متفاوتة ، وهي مرحلة الإنبات بوضع الحبوب في مشتل بعيدة عن أشعة الشمس المباشرة وفي تربة نظيفة من الأعشاب ومسمدة وتكون قريبة من سطح التربة ثم تسقى بالماء وبعد ما يقارب من ثلاثة أشهر تنبت وتغطى بعريش ليكون لها ظل حتى تكبر قليلاً ثم تنقل من المشتل إلى المزرعة وتتعهد بالسقيا حتى تصبح قادرة على الإنتاج بعد قرابة سنتين أو أكثر ، ثم تبدأ مرحلة تجهيز الشجرة لإنتاج الثمار فهي تحتاج إلى أن تقطع عنها الماء حتى تشارف الأوراق على الذبول ثم تسقى فتزهر زهرًا أبيض اللون ولاتسقى حتى تتكون الحبوب ثم تسقى بالماء بانتظام حتى تصبح الحبوب حمراء ناضجة عند ذلك تكون جاهزة للقطف ، وبعدها تبدأ مرحلة التجفيف حيث تجفف في الشمس لأيام بعيدة عن الرطوبة والطل الليلي حتى تصبح الحبوب سوداء اللون جافة ، وبعدها تبدأ مرحلة الاستخدام بفصل القشرة عن اللب فتصبح هناك نوعان من القهوة يمكن تحضيرها وهي قهوة القشر وقهوة اللب أو ما تسمى بقهوة الصّرْف كما تختلف القهوة في تحضيرها وتحميصها من منطقة إلى أخرى حسب رغبة الناس فيها وتقبلهم بإضافة بعض النكهات النباتية الطبيعية عليها كالزنجبيل والقرفة . والقرنفل “المسمار أو العويدي” والهيل وغيرها .
وقد جاء إطلاق وزارة الثقافة عام ٢٠٢٢ م بعام القهوة السعودية للاحتفاء بهذا العنصر الثقافي المرتبط بهوية وثقافة المملكة العربية السعودية من خلال مبادرات وأنشطة وفعاليات تقام على مدار العام ، انطلاقًا لما تحمله من خصوصية للشعب السعودي ، وباعتبار القهوة السعودية تعد إرثًا تاريخيًا وثقافيًا منذ القدم تدل على قيم نبيلة وسامية يتميز بها الإنسان السعودي كالكرم والجود وحسن الضيافة ، إذ كانت القهوة ومازالت جزءًا في أي لقاء أو اجتماع أو مناسبة خاصة أو عامة بين أفراد المجتمع السعودي ، كما قامت وزارة التجارة بتوجبه المنشآت التجارية باعتماد اسم “القهوة السعودية” بدلاً من اسم “القهوة العربية” في كافة المطاعم والمقاهي والمحامص .
وقد تضاعفت عدد أشجار البُن في السنوات الأخيرة في المملكة العربية السعودية وذلك بفضل الله تعالى ثم من خلال الدعم اللامحدود من حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله تعالى ، من خلال تقديم برامج تنموية تسعى لتطوير وتأهيل المزارعين للمنافسة لسوق العمل ، كما تهدف إلى التنمية الزراعية الريفية المستدامة ، والدعم المالي غير المسترد في برنامج ريف وإقامة العديد من ورش العمل التثقيفية لرفع المستوى المهني للمزارعين وفق الممارسات الزراعية السليمة التي تمكنهم من ترشيد الاستهلاك ، وزيادة الإنتاج والتصدير ، وتوزيع الشتلات الزراعية ذات الجودة العالية ،وتوفير المياه وطرق الري المختلفة حيث انعكس كل ذلك إيجابيًا على جودة المنتج ، وإقبال الأهالي على إعادة وإحياء هذا الموروث الثقافي ، وطرق زراعته وتقديم الخدمات والمعرفة والمهارة من خلال نخبة من المهندسين الزراعيين من خلال الاستشارات الفنية والدورات الإرشادية ، وكذلك دعم وتشجيع مزارعي البُن بإنشاء مزارع نموذجية في بعض المناطق حيث أحدثت تطورًا ونقلة نوعية في زراعة البُن وإنتاجه، واستخدامه بأحدث الأساليب الزراعية الراقية للارتقاء بالمنتج في جميع مراحله المختلفة من مرحلة غرس الشجرة ورعايتها إلى حين مرحلة جني المحصول وتجفيفه وتحميصه وإلى أن يصل إلى كوب القهوة المثالي للقهوة السعودية وبأيدي سعودية وللوصول أيضًا إلى مستقبل زراعي مثمر وباهر واقتصادي عالمي مزدهر .
فاجعل دائمًا وفي كل أوقاتك ومناسباتك واجتماعاتك ولقاءاتك الخاصة والعامة قهوتك المفضلة قهوة سعودية وعليك بالهناء والعافية .
بقلم د/ عيدان أحمد العُمري