بقلم د/ عيدان أحمد العُمري
يعتقد البعض من الأفراد أن المواطنة الرقمية للفرد هو الدخول في العالم الافتراضي ، وتعلم التكنولوجيا والتقنية ، واستخدام الشبكة العنكبوتية في الفضاء المفتوح دون ضوابط أو حدود .
بل يتعدى ذلك المفهوم بمراحل كثيرة ، ويتطلب أمور أخرى يتصف بها الفرد والاستفادة بكل ما هو جديد ومفيد في العالم الافتراضي الرقمي في ضوء قيم وعادات وسلوكيات المجتمع الذي يعيش فيه ليكون لبنة صالحة في مجتمعه ، فلكل مجتمع خصوصية من القيم والعادات والسلوكيات والضوابط الخاصة به والتي تميزه عن غيره من المجتمعات الأخرى .
فالمواطنة في مفهومها العام تدل على إحساس الفرد للانتساب إلى وطنه ، وشعوره بالانتماء التام له وفق مشاعر فياضة من الحب والاحترام والتقدير لهذا الوطن ، وبعد الانفجار المعرفي الإلكتروني والثورة الرقمية أخذ هذا المفهوم صورة جديدة أثرت على جميع جوانب الحياة في العصر الحديث ، وأصبحت عالمية في وظيفتها وتأثيرها ، وأصبحت التقنية وسيلة من وسائل تحول الفرد إلى مواطن رقمي في عالم بلا حدود أو حواجز .
وأخذت المؤسسات التربوية والتعليمية وكافة مؤسسات أي مجتمع على عاتقها ، وتحملت مسؤولية كبيرة في إعداد الفرد للعيش في العالم الرقمي في وطنه على نحو آمن ، وعدم الاقتصار على مفهوم المواطنة الرقمية على أنها مجموعة الحقوق والواجبات والالتزامات فقط ، بل تعدى ذلك بكثير بسبب سرعة وسهولة الحصول على المعلومة الرقمية ، واحترام خصوصيات الآخرين ، وإعطاء ثقافة رقمية منضبطة وفق قيم ومعايير وأخلاقيات سلوكية أخلاقية ودينية وقانونية ، والاستخدام الأمثل للتقنية الرقمية في أي مجتمع في ضوء الصدق والأمانة والنزاهة والشفافية ، وعدم التساهل في ذلك للوصول لمجتمع آمن وصحي في كل جوانبه المعرفية المهنية ،واتجاهاته الفكرية المختلفة وفق منهاج مرسوم له ، والتعامل وفق هذه الأنظمة والمعايير والقواعد حسب هوية كل مجتمع وخصوصياته وتقاليده .
حيث أصبحت المواطنة الرقمية توجيهاً وإرشاداً نحو منافع التكنولوجيا الحديثة ، وحمايةً من أضرارها السلبية ، والتعامل الذكي معها لما لها من أهمية ، وأصبح الفرد الرقمي يعكس من خلالها قيمه وعاداته وأخلاقه وتقاليده ، ومسؤولاً أمام الجميع بما يقول ويفعل من خلال شخصيته الرقمية التي يضعها لنفسه ، ومن خلال سلوكه ومشاركته وثفافته وقدوته الحسنة لغيره ، وما يقدمه من نماذج إيجابية ومثالية لمجتمعه للمساهمة في تنمية مهارات مجتمع المعرفة الرقمية ، والجميع يمثلون المجتمع بأكمله .
وحيث أن المملكة العربية السعودية أدركت هذه الأهمية للمواطنة الرقمية في ضوء رؤيتها الموفقة والمباركة ٢٠٣٠ والتي ضمن محاورها نتعلم لنعمل ، وسنواصل الاستثمار في التعليم والتدريب ، وتزويد أبنائنا بالمعارف والمهارات اللازمة لوظائف المستقبل ، وتأهيل المعلمين ، وتطوير المناهج لمواءمة مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل، وتطوير البنية التحتية الرقمية ،والشراكة المجتمعية مع القطاع العام والخاص في تطوير الاتصالات وتقنية المعلومات ، وتطوير المحتوى الرقمي ، والاهتمام بالثقافة في الأمن السيبراني للمحافظة على أمن المعلومات ، وتنمية قدرات الأفراد بالمهارات اللازمة لهذا التحول الرقمي وبشكل إيجابي وفعال ، وتلافي السلبيات ومعالجتها لمواكبة النهضة الشاملة في عالم المواطنة الرقمية ومعاييرها لتصبح مقياساً عالمياً للتحول الرقمي في كافة الجوانب الإيجابية الشاملة للمجتمع الرقمي .
ومن خلال تحقيق أهداف الرؤية المباركة ومحاورها وتركيزها على الارتقاء بالمنظومة الرقمية لتحقيق التنمية المستدامة في كافة المجالات ليظهر أثرها الإيجابي لهذه الرؤية المباركة في كافة أبعاد التنمية المستدامة الدينية والاجتماعية والاقتصادية ، ولتحقيق الريادة والمنافسة العالمية ، والتحول الرقمي ، وتحقيق مفهوم المواطنة الرقمية الصحيحة والمنشودة لرقي الوطن ومكتسباته في كافة مجالاته المتنوعة والشاملة .
حفظ الله وطننا الغالي قيادةً وأرضاً وشعباً ، وأدام علينا الأمن والأمان ، والنعم والخيرات التي لاتعد ولا تحصى ، وإلى مزيدِِ من التطور والازدهار ، وإلى الخطوات الإيجابية لأكثر تقدماً وتطوراً نحو التحول الرقمي العالمي ، وإلى ما فيه الخير والتوفيق والسعادة والنماء والتطور والإزدهار للعباد والبلاد .