أرأيت أعلم أو أجلّ … من الذي يبني وينشئ أنفسا وعقولا ‏

بقلم الاستاذة .نادية غرم الشهري

أرأيت أعلم أو أجلّ … من الذي يبني وينشئ أنفسا وعقولا ‏
هذه الكلمات قالها ذات يوم الشاعر الكبير أحمد شوقي، ولعلها من أجمل ما قيل في حق المعلم وأكثرها دقة وتعبيرا عن ماهية هذه المهنة التي كانت وما تزال عنوانا لبناء الإنسان الحقّ.
تستوقفني الكلمات كثيرا حينما أرغب بالحديث عن المعلم، وأحاول استحضار جميع المواقف على مدار سنوات طويلة جمعتني مع طالبات لم يكن من آبائهن وأمهاتهن سوى أنهم وضعوهن أمانة بين أيدينا في المدرسة، لنبدأ معهن رحلة بناء الإنسان الحقّ، فهم يؤمنون بأن المعلم كما قال مصطفى صادق الرافعي رحمه الله: المعلم ثالث الأبوين.
أحاول أن أتفكر في اللحظات الأولى للقائي بهن، ودخولي عليهن في الصف وحدي، ولكل طالبة منهن كيان وفكر وشخصية، وأنا وحدي من يجب أن يدير دفة البناء، وأنا وحدي من يجب أن يشعل فتيل نبراس العلم في عقولهن، وأنا وحدي من يجب أن تأخذ بأيديهن الغضة نحو الأمل الذي زرعه فيهن آبائهن. أتفكر كثيرا ولا أجد عبارات تعبر عن تلك المشاعر.
بعد رحلتي الطويلة في التعليم، والتقائي بمئات الطالبات على مدار سنوات طوال، أيقنت أني خلقت لمهنة التعليم بكل صدق، ففي كل مرة ألمح لمعة الفرح في عيون طالباتي بفرحهن على حصولهن على معلومة جديدة، وسعادتهن بتحقيق نجاح في تجربة نجريها في معمل العلوم، أو تكريم يحصلن عليه في ميدان ما، أشعر بوميض يضيء روحي، ويمسح عن جبيني تعب كل الساعات التي أقضيها معهن، لأني أدرك في تلك اللحظات، أن هنالك لبنة جديدة أضيفت في بناء ذلك الإنسان داخلهن.
إن راية التعليم، راية ثقيلة جدا، فلا يظنن أحد ما بأنها بضع ساعات تقضيها أمام طلاب تلقي على مسامعهم بضع معلومات من كتاب ما، أبدا.. لم ولن يكون التعليم بهذا الأسلوب. التعليم هو بذر بذور المعرفة والحكمة ورعايتها وسقايتها وتهذيبها وتشذيبها والصبر على كل ما يرافقها من تعب دون ملل أو كلل، كل ذلك في سبيل رؤية ثمرة، قد ترى برعمها في نهاية العام، لكن الثمرة الحقيقية والناضجة ستراها في شخصية ذلك الطالب وتلك الطالبة بعد أعوام من الزمن وهم على ثغر من ثغور الوطن في كل الميادين.
ختاما، وفي يوم المعلم العالمي، أشعر بامتنان عظيم لمن علمني حروفي الأولى في مهنة التعليم، التي أفتخر بها أيما افتخار، وأعتز بها أيما اعتزاز، لاسيما وأنا أرى بصماتي واضحة في تطوير الجانب الذي وقعت المسؤولية فيه عليّ، ونجاحي بسدّ ثغر من ثغور الوطن الذي أرابط عليه منذ سنوات، متسلّحة بكل أشكال العلم والتطوير الذاتي، حتى لا يُؤتى الوطن من قبل ثغر التعليم، الذي هو أمانة وضعت في أعناقنا قبل كل شيء يوم أن منحنا وسام “المعلم”.
فكل آيات الشكر والتقدير لا تكفي لمن زرع في داخلي حب التعليم، ولمن أخذ بيدي نحو بلورة العطاء الذي أعمل عليه كل يوم، ولكل من ساندني وشجعني ودفع بي لأن أتابع وأستمر وهوّن عليّ مشقة الطريق. وكل عام والمعلم رمز للعطاء الإنساني الحقيقي.

الاستاذة .نادية غرم الشهري
ادارة تعليم النماص

شاهد أيضاً

الكتب السماوية

بقلم / سميه محمد الكتب السماوية هي التي أنزلها الله من فوق سبع سموات على …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com