صناعة الإنسان ودور المعلم في ذلك في ضوء الرؤية الوطنية ٢٠٣٠

تتسارع التكنولوجيا ويتقدم العلم كل يوم بفوارق كبيرة عن اليوم الذي سبقه ، ففي زمن طغت فيه المادَّة وتشعَّبت احتياجات الحياة، لم يعد يكفي أن ينقل المعلِّم المعرفة إلى متعلِّميه، فالمعلومات متوفرة في كلِّ مكان، وإنّما دوره تيسير الوصول إلى المعارف، وتمكين طلابه من استخدام التقنية التي تساعدهم على تحصيل المعلومات واستثمارها، ثمّ تحويل هذه المعارف إلى مهارات، وتحقيق معايير التربية المستدامة، والتربية من أجل التنمية المستدامة للمساهمة في تكوين شخصية المتعلِّم تكويناً متوازناً يتّسم بالشمول والإحاطة والواقعية، ويتحلَّى بالقيم والتفكير المبدع وروح المبادرة.
صحيح أن كل وظيفة في المجتمع تؤدي دورها المنوط بها ، ولكن ليس كل وظيفة كوظيفة المعلم ورسالته ، وليس دور المعلـم مـا يحتسبه البعض مـن وقـت يقضيه داخـل جدران المدرسة ، فوظيفة التعليم تعيش مع صاحبها طيلة ساعات الليل والنهار ، وكـل الوظائف تتعامل مع المادة إلا وظيفة التعليم تتعامل مع العقل ، فمن يتعامل مع العقل وظيفته أصـعب ، فيهـا معاناة أكبر ، وفيهـا بنـاء للجسد والعقل ، والتفاتة للعاطفة والحياة النفسية في هذا الإنسان ، ولا يقدر على هكذا وظيفة إلا المعلم .
فالمعلم طليعة أمة وقائد وطن ؛ لأن عمله صناعة الإنسان ، و بناء العقول وصناعة الذكاء لإنتاج المعرفة وبناء الحضارة بكل أبعادها، والتربية وظيفتها صناعة الحياة على الأرض ، وجدير بنا أن نمارس صناعة حياتنا بأيد من تملك أصابعهم القدرة على نسج هذه الحياة ، ففي كل بيت فلذة كبد يتوق إلى أن تصنع له حياته المستقبلية ، وفي كـل مصـنع عامل ماهر ، وفي كل مزرعة مزارع مجد ومواظب ، وفي كل زاوية من زوايا المجتمع من ينتظر دور المعلم.
إن مهنة المعلِم تتجلى في إرشاد المتعلِّم ليصل إلى المعلومة بنفسه، لا أن يقدمها إليه جاهزةً، وذلك يستدعي الانتقال من التلقين الفوقي إلى التعلُّم التفاعلي القائم على الحوار والتحفيز وعمل المجموعات والتعلُّم التشاركي الذي يراعي محورية المتعلِم، حيث المعلِم موجِّه وميسر، يؤدّي أهدافه التعليميّة من خلال إدارة الحوار، وتوزيع الأسئلة، وتوجيه السلوك، وتشجيع الإبداع، وتحفيز التفكير، وتنظيم التفاعلات الصفّية، مع مراعاة الفروق الفردية وأنماط المتعلِّمين وأساليب التعلم، للمساهمة في بناء الطالب المفكِر المبدع القادر على التعامل مع الواقع بكفاءة واقتدار.

وأما من حيث شخصية الطلاب ونموها فمسؤولية المعلم تجاه بناء شخصية المتعلّم بناءً صحيحا مع ضرورة تجنّب الأسلوب التسلطي القائم على التحكم في الأفعال والأقوال بطريقة الجبر والإكراه، وإنما التوجيه السلوكي للمتعلم وفقاً للشخصية والرغبات. واحترام القدرات والإمكانيات، وتشجيع إبداء الرأي، فضلاً عن ذلك، عدم إهمال مجموعة من الطلبة سواء كان ذلك مقصوداً أو غير مقصود اجتناباً لأن يكون مؤدى التجاهل إلى الإحباط، وخصوصاً في المرحلة الأولى، وإن عدم الإفراط في الشدة كعدم التناسب بين العقاب والذنب المُرتكب لأن ذلك يشكل خطورة نفسية وينمي العدوانية، كما في المنهج التربوي الإسلامي من خلال قوله تعالى : (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك)
وقوله – صلى الله عليه وسلم “إنَّ الله رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِيِ عَلَيْهِ مَا لا يُعطِي عَلَى العُنْفِ.” أي اعتماد اللين في الغالب، والشدة حينما يجب مع وضع الخطوط العريضة التي لا يجب تجاوزها.

كما أن للمعلم دور أساسي ومحوري يتمثل في غرس القيم الأخلاقية والاحترام وصياغة أفكار الناشئة وتشكيل سلوكهم وتكوين قيمهم ومثلهم ودمجهم في المجتمع الذين يعيشون فيه، كما أنه المسؤول عن إعداد القوى البشرية المؤهلة والمدربة لتلبية احتياجات المجتمع الذي يعيشون فيه ، وفي ذلك يقال : إن كافة الإصلاحات رهـن بإصـلاح نوعية وشخصية العاملين بمهنة التعليم وإن النظم التعليمية لا يمكن تحديثها ما لم يعـد النظر جذرياً في نظام إعداد المعلمين ، مما سبق يتضـح أنـه مهمـا كـانـت أهـداف السياسة التعليمية واضحة وشاملة ، والخطط دقيقة ومتكاملة ، والمباني المدرسية مجهزة بكـل مـا يحتاجه المتعلم ، وتتوفر الكتب والوسائل التعليمية المتميزة ، والإدارة قوية ، فإن هذا لا يكفـي وحـده لتحقيق الأهداف التعليمية العامة والخاصة ، ما لم يكن وراء ذلك كله معلم ناجح فعال متميز يستفيد من التغذيـة الراجعة نحو الأفضل ، وهذا المعلم لا يتوافر ما لم تواكب برامج إعداده وتطويره تغيرات ومتطلبات العصر الذي يعيشه المعلم والمتعلم .
أما فيما يتعلق بالأساليب والاستراتيجيات التي سيستخدمها ، فمن الممكن أن يستخدم الأسلوب المناسب لإيصال الفكرة بغض النظر عنه قديما ام حديثاً هو المناسب مع التنويع والتجديد بين الاستراتيجيات القديمة والحديثة، والأساليب المتعددة في مُختَلفِ المدارس الفلسفية أجمع، مع الاستفادة من نظرية الذكاء المتعدد، والأنماط المختلفة للمتعلم، الحسي والسمعي والبصري، بتكوين مزيج منها يشمل الأدوات المناسبة لكل نمط، كالعروض، والسرد القصصي أحياناً، والمحاضرات التقليدية حيناً آخر، وإدراج التقنيات الحديثة والبرمجية، والعصف الذهني والتخيّل، والمناقشة المُثمرة، والخرائط المفاهيميّة بإنشاء علاقات وتنظيم المعلومات وتبسيطها على شكل صور أو كلمات يسيرة يمكن من خلالها ربط المفاهيم الجديدة ببنية الطالب المعرفية، إضافة إلى الفحص والتتبع أو ما يُعرف بالمنهج الاستقرائي، بحيث ينتقل من الحوادث الجزئية إلى الأحكام الكليّة، عن طريق نقطة أو مثال حتى يسير مع الطلبة بعدها باستخدام المناقشة والوسائل البصرية إلى النهايات، ثم صياغتها للطالب بشكل نهائي مُلخّص مُحكم، و غيرها من الأساليب المناسبة مع المنهج أولاً ومع العمر الزمني للطلاب ثانياً.

وفي الختام المعلم هو الذي يبني الأجيال الصاعدة والعقول الفذة ، فلولا المعلم ما تعلم أحد ولا تقدم وطن ولا نهض، ومن واجب على كل معلم أن يؤدي رسالته لإعداد جيل طموح واعد يبني وطنه متقدما في مصاف كبار الدول اجتماعيا وثقافيا.

بقلم الأستاذة فاطمه سالم محمد الجهني
مدرسة ابتدائية ومتوسطة قاعه بظهران الجنوب

شاهد أيضاً

جامعة الملك خالد تستضيف ندوة “عسير منطقة الطهي العالمية”

صحيفة عسير _ أبها انطلقت أمس فعاليات ندوة “عسير منطقة الطهي العالمية”، التي تستضيفها جامعة …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com