مواقف

بقلم الكاتبة / سلافة سمباوه

تتخذ المواقف للتقييم ، غالباً تكون المواقف مجانية ومتاحة للجميع من باب البذل وأساسها غالباً المحبة

كأن تفتح بيتك للقاصي والداني الكريم واللئيم الحاسد وصاحب العين الشبعانة كل هذا من البديهيات التي نتخذ منها مقاييسَ لتقييم الآخرين الذين تربطنا بهم علاقات عميقة او اعتيادية ، ولاشك في أن بديهية الإنسان موقف واحدة من تلك البديهيات ، نجد انعكاساتها واضحة على مرايا حياتنا اليومية لتصب في حقيقة إن معادن الناس تظهر جلياً في الشدائد حينما يحتاج بعضهم الى البعض الآخر ، فيتضح المعدن النفيس ، والمعدن الصدئ او مابينهما .

لنتأمل جيداً ، ونسأل :

ماذا لو خذلنا مَن تربطنا به علاقة مودة وصداقة ونحن نؤمن بمعدنه النقي ؟

شاركناه مواجعنا وأفراحنا وكنا نحسن النية بصدقة مهما تبدلت الظروف لدينا سيظل سنداً ودعماً او على الأقل لا يطعن في الظهر .

ترى ، أنغادره وتغادره ذاكرتنا ، لأنّ موقفه خذلنا أم نحتفظ بودنا نحوه ، لأن علاقتنا به أقوى من العتاب وحسابات المواقف ، لأننا نعرف معدنه النفيس حق المعرفة ؟

إنها أسئلة نضعها أمام القارئ ، وهي تقودنا الى السؤال : هل حصل وأن خذلك شخص قريب لك كأن يكون صديقاً ، إذ امتنع عن مدِّ يديه اليك ، وأنت بأمس الحاجة اليه .. الى يديه .. الى كتفه ، لتتكئ عليه ،أو حتى كنت تتوقع بدون أن تطلب سيكون معك فشطبت اسمه من ذاكرة الوفاء والمواقف النبيلة والأصيلة متخذاً عهداً على نفسك أن لاتلجأ اليه مرة أخرى إذا ما احتجت يوماً الى مساعدة ما ؟

ربما تكون على حق ، وأنت تشطب اسمه ولكن ليس قبل أن تسأله : لماذا خذلتني ياصديق ؟ هل تجروء على هذا السؤال ، أم أنك ستتألم أكثر إن كانت الإجابات غير مقنعة و واهية , وليس قبل أن تعاتبه ، فقد تكون به حاجة ماسة الى عتابك لاتقل عن حاجتك الى كفيه ِ يوم خذلك .

قد تقول إن الصديق وقت الضيق والشدة .. وتدق على وتر الإنسان موقف ، وبالتأكيد إنّ هذا الأمر متفق عليه ولكن ، ربما ظروف صديقك غيرطبيعية ، وإن ثمة عوارضَ لم يستطع تجاوزها ليصل اليك بيديه .. ربما كان هو بحاجة الى يديك يوماً ، وخذلته من غير أن تشعر . فكر جيداً ، واسأل نفسك ألم تخذله أنت يوماً ، وسامحك ولم يشطب اسمك من ذاكرة الوفاء خاصته ؟!

إذا كان جوابك نعم ، فلماذا لاتعامله بالمثل ؟ وإذا كان جوابك لا ، فإنّ ذلك لايمنحك الحق في مصادرة حقه المشروع في الدفاع عن نفسه او حتى شرح الظروف التي دفعته الى خذلك ، فإن اقتنعت بأسبابه سامحه ، وإن لم تقتنع فاشطب اسمه من ذاكرة الود .

إنّ منح الآخرين فرصة ثانية ليثبتوا جدارتهم في علاقاتهم الاجتماعية والشخصية ، يفترض بها أن تكون بديهية مضافة لبديهية الإنسان موقف ، ففكروا قبل أن تشطبوا على اسماء أصدقائكم ومحبيكم وأناسكم ممَن قد لاتتوقفون عندهم ولو بعتاب عابر ، فلربما لايسامحونكم ، لأنكم لم تثقوا بهم ولم تعرفوهم حق المعرفة ، فيعاتبوكم على ذلك عتاباً قد يُظهر لكم أنهم يحبونكم أكثر مما أحببتموهم ، لأنّ العتاب دليل المودة والتقدير إلاّ إذا كانت العلاقة بين اثنين متينة الى الدرجة التي تنتفي الحاجة فيها الى العتاب ويغفر أحدهما للآخر خطأه بل ولايعدّه خطأ ، لأنه يحبه ويثق بمعدنه بلا أي شكوك وأحكام سطحية ومساطر لاتصلح لنستخدمها في حساب المواقف بالسنتمترات ، أما إذا كنتم لاترون إلاّ أنفسكم ومحاسنكم او كنتم تنظرون الى الحياة من جانب واحد وليس من جميع الجوانب ، فاقرأوا على علاقاتكم السلام ولاتعاتبوا .. ودعوا العتاب الجميل ـ الجميل حتى في قسوته ـ لمَن يجيد العزف على أوتار المودة الصادقة الخالصة

ومن قناعاتي أحسنوا ادارة المواقف ووضع الحدود فيها حتى لا تصابوا بالصدمة في حال خذلك القريب قبل الغريب وفي حال كان (( العشم )) أكبر من الجهد المبذول الذي توقعته من الاخر وخذلك

لا تعاتب واجعل مواقفك باهظة للأشخاص الذين يستحقونها واحرص على فلترة ماحولك الاقربون أولا فهم أول الطاعنين، أول الصادمين، أول من يكسر ظهرك ويصيبك بالصدمة، عندما كنت هاشاً باشاً لهم تجدهم همزاً ولمزاً سراً وجهراً ، يلوكونك في مجالسهم في حين كنت يوما تفتح قلبك وييتك ووقتك ومالك وصحتك وتبذل مواقفك لكسبهم ، ثم كانت الطامة كل توقعاتك كانت محض وهم اسمه العشم

في حين كنت دوما تعطي الفرص من باب المواقف

لا أحد يستحق الفرص إلا من كان فعلاً ينشد به الظهر ويجعلك تنام قرير العين بأن معك من النعم على هيئة اشخاص اسمهم مواقف حقيقية وفعلية ودافئة وصادقة في زمن به كل شيء عكراً وذا شوائب

فلتكن مواقفكم بيضاء ناصعة ولكن بوعي

شاهد أيضاً

((طوفان الأقصى جاء ذريعة لإسرائيل))

بقلم/ حسن سلطان المازني دعونا نتحدث بصراحة بعيداً عن العنتريات الكرتونية ماذا حقق طوفان الاقصى …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com