بقلم / إبراهيم العسكري
تتفاوت اقدار الحياة من شخص لاخر وتتفارق الصدف والظروف بين تهيئة الفرص وغيابها وسبحان من له الامر من قبل ومن بعد.! لدي صديق عزيز وغالي من قريتي الرهوة العاصمية يكبرني ربما بعقد من الزمن ليس بالمتشدد ولا بالمتشدق احسبه من اهل الخير .!
يستهويني باسلوبه السهل العذب في الشرح بلهجة قريتنا فاتجاذب معه دائما كثير من المواقف غالبها عبر الرسائل لانه رحال ويحب الترحال .!
عاش صديقي حياة اليتم مبكرًا فلم يعرف امه لوفاتها وهو طفل فاشفق عليه والده واقترب منه حتى انه يصطحبه لينام في حجره ثم ادخله المدرسة الوحيده باواخر عام ١٣٧٩هـ التي تبعد عن قريته أكثر من اثنين كم وهو ابن السادسة من العمر.!
يقول بقيت ادرس بضعة اشهر لم افهم ولم يدهشني الا ذلك الكهل ذو التجاعيد الذي دُونت صورته على غلاف كتاب الهجاء ولا اعلم ماهو شأن الكهل وما علاقته بكتاب الهجاء (كتاب القراءة او المطالعة.!)
بعد ذلك تعرض والدي لوعكة مات على اثرها بمنتصف العام ١٣٨٠ه واثناء عودتي من مقاعد الدراسة لقريتي نادتني احدى جارات القرية من قريباتنا لبيتها لكي لا يفاجاني احد بموت ابي وانا صغير فمهدوا لي الخبر وذهب لبيتنا لاجد بقايا والدي بعد دفنه عبارة عن ثوب وعصا ومشلح مهتري قديم وحزام تزينه سكين مغلفة كانت من الاهميات لاهل قرانا ومن صميم تراثهم العظيم ومن لا يلبسها يعتبر مستول يعني على الهامش الايسر بينهم وقلما يوجد المستول بينهم.!
يقول لم يعد لي من يكفلني بالرعايه بعد رحيل والداي فزوجة ابي ذهبت مع بناتها في بيتهم الصغير.!
عانيت الكثير بين طفولة بائسة ويتم ومصاعب حياة وفقر وصفعات زمن لا ترحم ومتتالية منذ الصغر .!
يقول اخذتني اختي الكبيرة المتزوجه باحد القرى البعيده لابقى لديهم ومكثت اسبوع فلم ارتاح بغربتي وسط اناس لا اعرفهم فاعادتني اختي لقريتي واشفق عليء احد كبار القرية واصطحبني لاخي الكبير الذي يعيش في تهامة وسانب شمال رجال المع وقال انتبه لاخيك وابقه في رعايتك وبدأت رحلة شاقة برعي الاغنام بعدد يفوق قدراتي في مواقع جبلية شاهقة اطيح تارة واقوم اخرى وعلى هذا الحال يوميًا من الشروق الى الغروب لا يتخللها يوم راحه او اعفاء نظير الاجتهاد اوغيرها ولمدة ثلاثة اعوام متتالية.!
اخي الاوسط يعمل عسكري في ينبع فارسل رسالة زودني صديقي بنسخة منها كتبت بالشهر الرابع من العام ١٣٨٣هـ.
الرسالة تحمل ود واسلوب جميل يطلب فيه ارسال اخيه الاصغر اليهم يقصد (صديقي اليتيم) صاحب القصة والذي اصبح ابن تسعة أعوام وكانت هذه الرسالة لي بلسم يلم كثير من الجراح وان كانت نحو رحيل للمجهول.! يضيف الصاحب بقي هناك كلمة ارهقتني واذلتني حينما اهدد بها لاي صواب اقوم به او خطأ شبه يوميآ على مدى السنوات الماضية حتى كرهة الكلمة حتى الآن وهي (الختان).!
يقول بعد رسالة اخي المنقذة صعدنا من جبال تهامة للسراة ولاول مره اركب سياره حينما نزلنا لمدينة ابها وانا حافي القدمين ثم برهت صباحًا لاخي الاوسط الذي يعمل موظفًا بابها ورحب بي ثم اعطاني ريالين وقال اذهب وافطر منها ثم عد الينا فخرجت ولا اعلم ما معنى افطر لانا نقول للفطور قروع .!
فبقيت اناظر واقلب وجهي تلك العملة الغريبة حتى بعد الظهر وعد لاخي وانا جائع ولا ادري كيف طريقة استعمال الريالين فيداي لاول مره تقبض مثل هذا الورِق.!
بعد ثلاثة ايام اتانا الخاتن وختنني في بيت اخي ثم بقيت فترة للعلاج .!
ارتحلنا بعد ذلك برفقة زوجة اخي واخيها لمطار خميس مشيط وركبنا طائرة مخيفة ومذهلة تفوق تصورات راعي الغنم اليتيم الحافي ضعيف البنية فقُدر لي ان اكون احد ركابها ثم وصلنا مطار جده ونزلت معهم كما اسلفت حافي القدمين وحرارة الازفلت تفوح فاضع رجل وارفع اخرى من شدة الحرارة فاقاوم بألم ولا اريد ان يُنظر لي بانهزام ممن حولي حتى وصلنا صالة كبيرة ليستقبلنا اخي الذي يعمل عسكريًا في ينبع واثناء البقاء في جده جلب لي اخي ملابس جديده وحذاء
وعلموني طريقة الاستحمام بالصابون فلم يسبق لي اي تجارب للغسل.!
كان ذلك بالنسبة لي نقله نوعية كبيرة ومفاجئة من يتيم حافي ذو ملابس مهترئة الى ما يشبه جنتل مان.!
غادرت برفقة اخي وزوجته لمقر عمله بينبع وسجلوني بالمدرسة الابتدائية فكان اجمل مافيها فترة الفسحة حينما ابقى اناظر للطلاب وهم يهرشون السندوتشات مع الشاهي فاستمتع بمتابعتهم واستحيت ان اطلب اخي قرشين لاحظي بمثلهم ولم يفتكر اخي ذلك ولا انسى ذلك المعلم الجهني عليه رحمات ربي حينما اشفق عليء واقتص لي على نفقته شبه يوميآ نصف سندوتش فلازلت ادعي له حتى القاه باذن الله في جنة الخلد.!
مكثنا ثلاث سنوات في ينبع واوجعني احد الاضراس بألم وتورم ولا يوجد حينها مستشفى في ينبع فارسلني اخي لمدينة جده واستقبلني احد جماعتي وذهب بي للمستشفى وخلعوا الضرس ورايت في جده لاول مره صندوق داخله رجل يتحدث بطلاقه ولكن لا ادري كيف دخل هناك فقالو لي انه التلفزيون عُد لينبع وبعد فترة انتقلنا للطائف وواصلت درسة الابتدائية وتخرجت منها عام ١٣٨٩هـ واعلن ذلك بالاذاعة والصحف فكان تمزيآ حضيت به.!
دخلت مرحلة المتوسطة فاذا بي اكبرهم بثلاث او اربع سنوات فحولت ليلي وقدمت للعمل عسكريًا وقبلت بمنتصف رمضان ١٣٩٠هـ.!
بفضل الله تمكنت من مواصلة دراستي الي جانب عملي الذي تميزت فيه عسكريًا ورياضيًا خاصة في لعبة تنس الطاولة ثم رُشحت بدورة الضباط المرشحين وانا برتبة رقيب عام ١٤٠٤هـ وتخرجت برتبة ملازم في ١٤٠٥/٧/١هـ.
تدرجت حتى وصلت رتبة مقدم مكمل للرتبة التي تليها وكان لي شرف المشاركة بكل فخر في عدد من الحروب وخدمة وطني ونلت كثير من الاوسمة وخطابات الشكر التي لم اطلبها ثم فضلت الاكتفاء بما قدمت لاساهم بايصال بناتي لمقر دراستهم بالمرحلة الجامعية وطلبت التقاعد المبكر وتمت الموافقة بمنتصف عام ١٤٢٤هـ.
هاءنا الآن الى جانب اسرتي فكان لا بد ان ارتاح وأن وجدنا فسحة تنقلت بين مدن مملكتي مع بعض صحابي من حين لآخر ولعلي افي ببعض ما اوجدني الله له .!
ولا انسى بعد شكر ربي العلي العظيم إن أشكر أخي وحبيبي وقدوتي ابا عبدالله وزوجته العظيمة حسنى أم عبدالله فلهما بعد فضل ربي الفضل فيما وصلت اليه بدلآ ان ابقى اسرح الغنم .!
لم يشعرني اخي وزوجته الا بالصدق والوفاء والامان ابقاك الله يا اخي/احمد عبدالله مانع ال دهيس تاج نفخر به على طاعة الله ورحم الله اختي الغالية ام عبدالله ومن سبقنا بالموت.
واثني الشكر لاخواني حسن وعلي ومحمد وكذا اخواني
لا انسى الوالد المرحوم/علي محمد مداوي ابو عبدالله الذي اوصلني طفلًا لاخي حسن عبدالله بوسانب وكذا اشكر والدي الثاني/احمد محمد سلطان الذي اشرف على علاجي في جده وأكرمني هناك رحمهم الله جميعًا.
أما صاحبكم بهذه القصة فهو اخوكم/محمد عبدالله مانع ال دهيس العاصمي من قرية الرهوة بآل عاصمي ربيعة ورفيده ابها.