قيم وشيم … تروى عن اسلافنا

بقلم : د. علي بن سعيد آل غائب

— تعليقاً على القصة التي رواها رجل كبير في السن يسكن محافظة( سراة عبيدة ) فقد وردتني من عدة مصادر دون معرفتي البته عن الراوي والمروي عنه .،
إلاان المروي عنه رحمه الله ، قد جلد ذاته وأرهقها من اجل إكرام ضيفه ، وعرّض ابنه للمخاطر ، من خلال تكليفه وهو صغير في السن لم يتجاوز العاشرة من عمره بتكبد عناء البحث ليلاً وفي الظلام الدامس سيراً على الأقدام وعلى مسافة كيلوات للحصول على مايكفي ضيوفه من ( السمن ) الذي هو يُعدّ المكوّن الرئيس في وجبة( البداة ) وهي وجبة تُقدم للضيف قبل الوجبة الرئيسية ولم يجد حاجته الابعد وقت وعناء كبيرين
وابعد من ذلك ان زوجة المروي عنه متوفية رحمها الله وليس في بيته من النساء من يتولى إعداد الطعام لضيفه حتى يتفرغ هو لمقابلة ضيوفه ومجالستهم والترحيب بهم مما اضطره الى الأستعانة بأمرأة اخرى خارج اسرته لإعداد الطعام لضيوفه ، وكل مافعله ذلك الرجل هو من اجل ستر الحال وعدم التقصير في اداء الواجب والتكامل في إكرام الضيف ، فجزاه الله خيراً .،،،

– والجدير بالذكر أن ماورد في هذه الرواية ليس غريباً او غير مألوفاً فأغلب البيوت في كافة انحاء بلادنا الغالية لديها قصص مماثلة من هذا النوع بل واكثر من ذلك فهناك من رهن سلاحه في ذلك الوقت بل تعدى ذلك الى ان جعل من ابنه اجيراً حتى يفي بالدين الذي استدانه من اجل إكرام ضيفه .،،

– لكن في المقابل الآخر من الأهميّة اخذ العِبرْ والدروس من صنيع هذا الرجل رحمه الله ، فقد جلد ذاته جلداً شديداً ، وكلّف نفسه فوق طاقتها وكان بأمكانه ان يُقدم لضيفه ميسور بيته ويقدم عذره عليه خاصة ان الضيف فرضته عليه (المقادي) كما ذكر الراوي وليس باختياره ، لكن ( قدْ ) يُفسّر ذلك بأنه نتيجة لأمرين اولهما : الفكر المتأصل الذي يوجب اكرام الضيف باي ثمن ومهما تكن المشقة وثانياً: جلد المجتمع لذات أفراده ( في بعض الأحايين ) بما قد يفوق طاقتهم وتحت ارهاصات ( المقادي ) ، مع ان ربنا سبحانه وتعالى وهو اعلم العالمين وأكرم الأكرمين رخّص لنا حيث قال تعالى ( لايكلف الله نفساً الاّ وسعها ) ثمّ ان الفقر ليس عيباً وليس قلّة مافي اليد مسبّة لصاحبها وليس نقصاً في مكانته بين اقوامه خاصة ان هذه القصة حدثت في زمن غابر يشهد على قساوته انه مرّ على هذا الرجل يومين وهو يبحث عن حاجته لأكرام ضيفه والكل تقريباً يعتذر لضيق مافي اليد عند الجميع .،
– ثمّ انه ورد في ثنايا حديث الراوي (( إن ( المقادي ) اي العادات المجتمعيّة فرضت على والده عدم الأعتذار )) ثم اورد عبارة اخرى ( انه غداً سيكون مرفوع الرأس امام ضيوفه وجماعته ) ففي هذا دليلاً على ارهاصات (المقادي) وجلد المجتمع لذات افراده في بعض الأحوال وليس جميعها .،

– وما اريد أن اوضحه للقاريء الكريم من التعليق على الرواية التي ذكرتها وحتى لاتلتبس الأمور او توضع في غير نصابها اشير الى امرين اثنين هما:-

اولاً :- جزالة اسلافنا امثال هذا الرجل رحمهم الله جميعاً وصبرهم وجلدهم لذاتهم وتحملهم المشاق والأيثار على انفسهم مع ان بهم خصاصة وفي زمن لامجال فيه للمباهاة والمزايدة حيث كانت الفطرة السليمة والناس يتساوون فيه تقريباً من حيث قلة مافي اليد
وحاجة الضيف الماسة في ذلك الوقت للوجبة التي يجدها تسد رمقه ويمتد خيرها ايضاً على اسرة المضيّف ليجدوا من ورائه مايجدون من الطعام كل ذلك من اجل كسب العلم الغانم وامتثالاً للفطرة المتأصلة في إكرام الضيف ومهما تكن المشقة على المضيّف وكذلك ارضاء اً لبعض العادات المجتمعيّة ليس من اجل المباهاة ولكن من اجل التعاون والتكافل والمحافظة على الرفق بين مايسمى في بعض العادات ( جماعة الحضن ) وهي بالمفهوم العام الاقربين من الأقرباء والجيران .،،

ثانياً :- إن استخلاص العبر والدروس والحِكمْ من القصص والروايات هي مطلباً ايجابياً ( مع انه قياساً مع الفارق بين جيلين وزمنين مختلفين تماماً في الظروف والمعطيات عدا القيم والشيم والثوابت الحميدة فإن لها الديمومة في كل زمان ومكان وفي كل جيل مهما تقادم الزمن وتعددت الاجيال ، ولذلك اتمنى أن لايطغى في اجيالنا الحاضرة محاكاة الآخرين وارهاصات المجتمع والمبالغة في مناسبات إكرام الضيف الى المستوى الذي قد يؤدي الى إرهاق الضيف والمضيّف على حدّ سوا ويؤثر سلباً على القيم والثوابت والمقاصد التي كان عليها اسلافنا رحمهم الله والتي صنعتها فيهم الشيم والقيم والفطرة السليمة والتعاون والتكافل وإكرام الضيف دون مبالغة او مباهاة ،وفق الله الجميع لكل خير ، ونسأله سبحانه وتعالى ان يديم على بلادنا الغالية وقيادتها الحكيمة وشعبها الوفي الأمن والأمان والتقدم المستمر ، والسلام .،،،،

*( باحث ومحامي – عضو الجمعيّة العلمية القضائية السعودية )

 

شاهد أيضاً

باب ما جاء في حب “ السعوديه “

بقلم/ الدكتور خالد ال سعد مر بنا وبالعالم أجمع خلال اليومين الماضية درس عظيم، درسٌ …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com