صحيفة عسير ــ متابعات ــ فاطمة محمد مبارك
تحدّث إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالباري بن عواض الثبيتي؛ عن الموت، بوصفه مآل كل إنسانٍ في هذه الحياة الدنيا، طال عمره أو قصُر، مذكراً العباد بالاستعداد والعمل لهذا اليوم الموعود، بطاعة الله -عزّ وجلّ-، والقيام بالأعمال الصالحة من برٍ وإحسانٍ ومعاملة الخلائق بالحسنى، واجتناب المعاصي والآثام.
واستهل الشيخ عبدالباري الثبيتي؛ خطبة الجمعة من المسجد النبوي موصياً المسلمين بتقوى الله -جل وعلا-، فهي زاد العبد، وبها فلاحه في الدنيا والآخرة، مذكّراً أن عبارة “مات فلان” تتردّد في كل وقتٍ وآن، وتطرق الأسماع في كل حين، تغيّر مجرى الأحداث، وتشكّل منعطفاً في الواقع، وصدمة في الحال، ففلان هذا كان يحلمُ ويتمنى، ويأمل ويطيل الأمل، ويتقلّب في دنياه وفي بيته بين أولاده وأسرته، لقد كان يأمر وينهى، ويمشي في الأرض مرحباً، فإذا به قد أسلم الروح إلى باريها، وغداً جثة هامدة، شاخص البصر، لا يملك لنفسه شيئاً، ولا يقدر على شيء، خرج من منزله الواسع، وقصرهِ المُنيف، بلباس البياض، إلى حفرة، يُهال عليه التراب.
وأضاف: حين ترى فلاناً مسجى جثة هامدة لا يملكُ لنفسه نفعاً ولا ضراً، تتبيّن لك حقيقة ضعف الإنسان مهما تكبر، وعجزه مهما تعالى، فمَن يرى نفسه الأرقى نسباً، والأرفع حسباً، والأكثر مالاً، والمتغطرس والمتعالي، فهذه نهاية الإنسان في الحياة الدنيا، يحتضر، فيتحلّق حوله أهله، ويرون حاله، ويرمون إنقاذه، تقف البشرية كلها عاجزة بما تملكه من علمٍ وهي حريصة على الحياة أن تؤجل الأجل ساعة من نهار أو لحظة من زمان، إعجازٌ إلهي، وقدرة خالق، قال الله تعالى: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)، وقال سبحانه: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
وبيّن إمام وخطيب المسجد النبوي، أن الله جعل زمن موت الإنسان و قبض روحه في صحيفة الغيب، فالموت يأتي فجأة بلا استئذان، وهذا حال كل إنسان، قال الله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).
وأوضح “الثبيتي”؛ أن الناس يتفاوتون في تحمُّل صدمة وفاجعة وفاة قريب على قدر إيمانهم، وبقدر رسوخ الإيمان يتحلى المرء بالصبر والاحتساب والرضا بقضاء الله وقدره، قال تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ).
وأشار أنه إذا كان الأجل غيباً، فإن أهل البصائر يعقدون العزم على الاستعداد بحُسن الزاد، يتفقد المرء عبادته، ويسبرُ مسار صلاحه، ويراجع علاقته بخالقه، ويراجع كشف حسابه، ومسيرة عمله وصلاته، وحقوق الآخرين عليه، وبر والديه، وصيامه، وزكاة ماله، وقراءة القرآن، وموقفه من حدود الله من المناهي والمحرّمات، مذكراً أنه بوفاة المرء يحزن أهله وذووه ومع مرور الأيام والشهور ستجف الدموع، وتختفي الأحزان، وتبقى الذكرى طيفاً من خيال، وكل فردٍ سيأتي ربّه يوم القيامة وحده، لا مال له، ولا ولد له، ولا نصير له، فنرى هذه الحقيقة ماثلة للعيان في موت فلان حين يحمله على النعش أهله المحبون له، وأولاده المشفقون عليه، وبعد أن يوسد التراب، يرجع الجميع ولن يبقى معه بقبره سـوى عمله، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَىٰ كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ).
وذكّر بأهمية أن يبقى للإنسان أثر طيب بعد وفاته، بعمل خير أو بحُسن تعامله مع الخلائق، مبيناً أنه بعد موت البعض تنتشي الألسن بالحديث عن أثره وآثاره، وحسناته وأخلاقه، فالجار يثني على حُسن جواره، والقريب يقدّر صلته وإنفاقه، والفقير يذكر صدقته وإحسانه.. فيرحل أقوامٌ وتبقى صحيفة أعمالهم ممتدة، وحسناتهم تتدفق وتتزايد، بوقفٍ خالد، أو ولدٍ صالح، أو علمٍ في الأرض سائر، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث؛ صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له” رواه مسلم.
وأردف: ومنهم مَن إذا مات تثاقلت الألسن عن ذكر أثره، ووصف عمله، لسوء خلقه، وشناعة عمله، بل قد يدعو عليه مظلومٌ من شدة ما وجد من ظلمه، فكم من حقوقٍ سلبها ومظالمَ اقترفها، أو عمل شائن خلّده بعد موته.