
بقلم / سميه محمد
قصر إبراهيم الذي لفت حوله حكايات غامضة و أساطير قد يكون بعضها من نسج الخيال ، و قد يكون بعضها الآخر من قلب الحقيقة ..
وسواء هذا أو ذاك فقد ظل هذا القصر شامخاً و شاهداً على أحداث كثيرة مرت بعصور مختلفة ..
بني قصر إبراهيم في القرن (التاسع عشر ) أيام الدولة الجبرية التي حكمت شرق الجزيرة العربية و هي الدولة السعودية الأولى ، وقد بناه حاكم الدولة السعودية الأولى:
(إبراهيم بن عفيصان )
ولذلك أطلق على القصر أسمه ..
وعندما ضم ( إبراهيم بن عفيصان ) الأحساء إلى الدولة السعودية الأولى أتخذ من ( قصر إبراهيم ) مقراً للحكم ..
في عام (١٩٩٨) شهد هذا القصر صموداً مع أهل المنطقة فوقف في وجه الحملة العثمانية ، كذلك أضيف إلى قصر إبراهيم قصر صاهود لصد الحملة العثمانية ، والدفاع عن هذه المنطقة ..
في عهد الدولة السعودية الثانية ظل (قصر إبراهيم ) مركز ومقر لحاكم الدولة السعودية الثانية في الأحساء ..
في العصر الحديث في الدولة السعودية الثالثة التي أسسها الملك عبد العزيز آل سعود و الذي استطاع ان يضم الأحساء و يستردها من الأتراك (٢٨/ ٥/ ١٣٣١) هجري
الموافق ( ١٩١٣) ميلادي
أعقبها توقيع معاهدة انسحاب القوات التركية من الأحساء ، وقد وقعت هذه المعاهدة في ( قصر إبراهيم )..
يتكون طراز القصر من طراز ديني و آخر طراز عسكري ، و مستودع الذخيرة ، و غرفة الإتصالات ، و مسجد القبة ..
يعتبر ( قصر إبراهيم ) من أكبر القصور في شرق الجزيرة العربية مساحة حيث يبلغ ( ثمانية عشر ألف و مئتين متر مربع )
يحوي ثمانية أبراج و هو عبارة عن قلعة عسكرية ، أضافة أنه يوجد فيه حمام بخاري ..
عملت وزارة الثقافة متمثلة في هيئة التراث على أعادة ترميم ( قصر إبراهيم) حيث يعتبر هذا القصر أحد الشواهد التاريخية و من ضمن المعالم السياحية في الأحساء ..
كانت هناك قصة تروى تلك الأيام وقت كان الأتراك يقيمون في قصر إبراهيم ، و قد قيل أنهم بنو سجون كثيرة تحت القصر يقبضون فيه على من لديه احكام او من كان ضدهم .
قيل أن رجلان من السجناء استطاعا الهرب من احد سجون ( قصر إبراهيم ) قبل ان ينفذ فيهما الحكم .
و لخوفهما أنهما قد يكشفان و يقبض عليهما من جديد توجها إلى الصحراء و لم يكن لديهما سوى القليل من الماء الذي كانا يتقاسمانه و هما يمشيان من غير هدى نحو مجهول لا يعرفان نهايته .
الرجل الأول لم يتحمل حر الشمس في النهار وبرودة الليل ، و الخوف من الحيوانات المفترسة و الزاحفة أضافة إلى الجوع و العطش ففارق الحياة ليصبح جثة هامدة .
و من شدة جوع الرجل الثاني قرر ان يأكل جثة رفيقه في الهرب و صديقه في السجن .
وبالفعل أصبح قلب هذا الرجل جاف و قاسي لدرجة أن يأكل الحرام و يستطعم بلذة لحم آدمي مثله فلم يحترم دين أو عرف أو حتى إنسانية .
ظل عدة أيام و هو يقتطع من جثة صديقه و يأكله حتى لم يبقى منها شيء .
قرر أن يصبر يوم حتى يفكر فيه ماذا سيفعل ؟!
ووجد انه أستلذ لحم الإنسان و أنه لايستطيع أن يأكل لحم آخر غيره .
فعاد إلى الهفوف و توغل في القرى الشمالية من الأحساء حيث يكون بأمكانه ان يختار صيده و يفترس ضحيته فقد أصبح من أكلات لحوم البشر .
قد أفقده جوعه إنسانيته فأصبح هو و أي حيوان مفترس سواء و الأختلاف فقط ان الحيوان يأكل لسد حاجة جوعه ، أما هو فقد وجد في أكل لحم البشر متعة ..
في أثناء سيره في الليل كان يتصيد أي إنسان يجده لوحده كي ينفرد به و يأكله ، و عندما أقترب من قرية يطلق عليها ( الشقيق ) قتل رجلاً و أكله بعدما خلع ماعليه من الثياب ليرتديها هو فيما بعد أضافة إلى اغراض الرجل المؤكول الشخصية ، وبعد وجبته أستحم في احدى العيون الموجوده هناك بكثره ثم ارتدى ملابس القتيل ، و دخل قرية ( الشقيق ) متوجهاً إلى المسجد ، ولكن كان هناك رجال شكوا في تصرفاته هذا الرجل الغريب فطلب منهم أمام المسجد أن يراقبوه ، فأحس آكل لحوم البشر بذلك فأستثقل بقائه في هذه القرية التي لم يكتب له فيها أن يصطاد منها .
فخرج منها متوجهاً إلى قرية ( الجليجله) ودخل في المسجد هناك ،
ولكن مع الأسف ظن أهلها به خيراً فأخذوا يسلمون عليه معتبرينه شيخ من الذين يقرؤن الرقية على المرضى فأخذوا يجلبون له أبنائهم المرضى حتى يرقيهم .
طلبوا منه البقاء موفيرين له مسكن شريطة أن يكون أمام المسجد فوافق من غير تردد .
ومرت الشهور وهو يقرأ على أطفالهم حتى أصبحوا يذهبون به إلى بيوتهم كي يقرأ على طفل أو أكثر ،
وكلما يقرأ على طفل يحفظ مكان البيت الموجود فيه كي يتسلل إلى نفس البيت بعد أن ينام من فيه فيختطف نفس الطفل الذي قرأ عليه ليأكله دون رحمة أو شفقه ،
وطبعاً يستيقظ أهل الطفل في الصباح فلا يجدونه فيبحثون عنه في داخل البيت ثم خارجه ولكن لا أثر له و هكذا كل مره ،
حتى فكر أحد الرجال لماذا لم يختفي هؤلاء الأطفال إلا عندما حضر هذا الشيخ إلى القريه؟! فأخذ يحذر أهل قريته منه وان هذا الشيخ الذي يظنونه ملاك هو في الحقيقة شيطان مرعب .
و لما وصلت الأحداث الأخيرة إلى مسامع آكل لحوم البشر أضطر إلى الهرب في ليلة يفتقد فيها البدر .
فتوجه إلى قرية ( العيون ) في ذلك الوقت و كان يريد أن يكرر مافعله في ( الجليجله ) أن يفعله مرة أخرى في ( العيون)
ظناً منه أن الحيلة القديمة ستنطلي عليهم ،
ومن أول ماوصل إليها أدعى أنه شيخ و يقرأ على الأطفال المرضى .
فذهبوا به إلى بيت أحدهم يقرأ على طفله المريض و قد حدث هذا بالفعل ثم خرج من البيت أبتعد قليلاً و أنتظر إلى أن ينام الناس كي يذهب لنفس البيت الذي كان فيه يقرأ على الطفل الصغير ،
و حينما أحس ان الوقت قد جاء أنطلق بسرعه للبيت فتسلل إلى غرفة الطفل ، ومن حسن الحظ أنه كان يتضور من الجوع ، و لم يتحمل أن يأخذه لخارج البيت فقرر أكله في مكانه ، و عندما كاد أن يقضم من جسد الطفل دخلت أم الطفل فجأة فرات هذا الرجل الغريب و هو ممسك بولدها يحاول أكله فصرخت تنادي زوجها واهل البيت ، فرمى آكل لحوم البشر الطفل و هرب ، فأخذت الأم طفلها تحتضنه وهي تبكي و تحمد الله انه بخير و هي تتحسس جسده .
اما الأب فقد خرج من بيته و هو ينادي أهل العيون و يستنجد بهم جارياً على قدميه يلحق بآكل لحوم البشر ، فكلما مر على بيت خرج اهله و لحقوا به حتى تمكن الأب من الامساك به ، وتجمع اهل العيون حوله .
فقال الأب :
هذا الرجل حاول أكل طفلي بعدما أعتدى على حرمة بيتي .
فثارت الحمية فيهم فأخذ كل واحد منهم كل ماامتدت إليه ايديهم من عصى أو حجر فانهالوا على آكل لحوم البشر بالضرب حتى فارق الحياة بلا أسف عليه ..
وبذلك انتهت القصة التي كانت تروى من قبل أهل الأحساء لأبنائهم و قد اطلق الناس عليه ( العوه ) نسبة إلى عواء الذئب أي أنه نصف رجل إنسان و نصف حيوان يأكل لحم بشر مثله ..
وفي فترة زمنية أخرى كان هناك رجل كبير في السن يحكي قصة في ليالي رمضان بالقرب من السور الخلفي( لقصر إبراهيم) حيث يجتمع معظم من يقيم هناك بعد صلاة العشاء و التراويح ، وبعد مايحيط كثير من الناس بالرجل الكبير بالسن يبدأ سرد حكاية ( الحنش ) و هو عبارة عن ثعبان كبير له قرنان ، و يقال أنه اذا واجه إنسان حتى يقضي عليه يجب على الإنسان الذي يواجه الحنش أن يلف جسده يميناً أو شمالاً لأن ( الحنش ) ينطلق في خط مستقيم لايحيد عنه سواء كان يمين أو شمال ، و لكن إذا لم يتحرك الإنسان في الوقت المناسب لينقذ نفسه فأن ( الحنش ) سيمر من جسده محدثاً فتحة من الأمام ليخرج من الوراء بمعنى أنه يخترق بطنه ليخرج من خلف ظهره فلا يكون هناك أمل للإنسان بالحياة لأنه سيموت فور ظهور ( الحنش ) من جسده الذي أخترقه بما يشبه طلقة مدفع ، أيضاً يقال و هذا مايهمنا أنه عندما يقتل إنسان ( حنش ) فأنه يصور من قتله بعينه فتبقى مخزنه كالصورة الفوتوغرافية يراها (حنش ) مثله .
و كذلك البشر فقد أثبت الطب الحديث عن طريق الطب الشرعي في الأدلة الجنائية فأي ميت قبل موته تلتقط العين آخر ماتراه .
فبعد تشريح العين يجدون تفاصيل احداث الموت الجنائية كلها لأن العين تبصر عند الموت كل شيء حتى الروح ، وهذا موجود قبل مايثبته الطب الحديث في القرآن الكريم و الأحاديث النبوية التي قالها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم دليل على الإعجاز العلمي .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إذا مات الميت فأغمضوا عينيه فإن الروح يتبعها البصر ) .
والحكاية تقول :
أن خمسة رجال خرجوا للتنزه و الترويح عن النفس في مكان معروف في الأحساء لهذا الغرض بعيد عن السكان و ضوضاء البيوت و الشوارع ، و بينما هم يستعدون للإقامة شاهدوا ( حنش ) وقد كان ذكر يترقبهم من بعيد فلحق أحدهم به فناداه زميله و طلب منه ان يتركه فقد هرب و لا خوف منه .
فرد عليه : ان تركه قد يعود مرة أخرى و يتسبب في أذيتهم .
فظل يتبعه حتى أمسك به و قتله ، و قد صور ( الحنش ) قاتله و بقيت الصورة مخزنة في عينه .
عاد الرجل إلى اصدقائه ليكمل مابدئه ونسوا جميعهم قصة ( الحنش المقتول ) .
بينما كانت ( الحنش ) الأنثى تنتظر زوجها في مخبأهما فلما تأخر خرجت للبحث عنه فوجدته مقتول ، وقد رأت صورة من قتله في عينه فعرفت أنه واحد من البشر فقررت الإنتقام منه فلابد ان يكون قريباً من هذا المكان ، وبالفعل بحثت حتى وجدت الخمسة رجال نائمين ، وقاتل زوجها في وسطهم فقفزت متجهة نحوه لتشفي غليلها و تأخذ بثأر زوجها ممن قتله .
وفي الصباح لما أستيقظ واحد من الخمسة وجد دماء كثيرة بالقرب منه فألتفت وقد أحس بالخوف الشديد فوجد صديقه بلارأس جثة هامدة فصل الرأس عنها .
فصرخ صرخة أيقضت الجميع من نومهم ليفجعوا بمنظر صديقهم الذي قتل وهو بين أظهرهم دون ان يشعروا بشيء .
وبهذا تنتهي قصة (الحنش ) .
ومن أجمل القصص التي تروى بين أهل الأحساء و التي ارتبطت ( بقصر إبراهيم ) حيث كانت تخرج منه مجموعات للبحث عن رسول المؤسس الملك (عبد العزيز آل سعود )
وإليكم الحكاية من البداية .
أرسل الملك ( عبد العزيز آل سعود )
رسولاً برساله مختومة إلى الأمير (بن جلوي )
في الأحساء .
أخذ الرسول الرسالة وامتطى حصانه الأصيل والذي قام بتربيته و أشرف على تدريبه بنفسه و هو معروف لدى الجميع انه يتحمل الجري لمسافات بعيده .
بعد أن سلم على زوجته وولديه انطلق على الحصان الذي كان يجري به بسرعة الريح .
و كان عندما يأتي الليل وتنسدل أستار الظلام يقف ليرتاح مع حصانه يطعم و يسقي الحصان أولاً ثم يؤكل هو مالديه من الزاد والماء ثم ينام ، و يستقيظ مبكراً مع وقت آذان الفجر يصلي ثم ينطلق بحصانه إلى ان وصل الأحساء في منطقة يطلق عليها حتى الآن ( أبو الحصى ) وقد وصل إليها في وقت متأخر من الليل لذلك وضع الأكل و الشراب لحصانه وبدأ هو الآخر يأكل ، ثم عندما أراد أن ينام تحرك حصانه بخوف شديد فهدأ من روعه ، ثم أخذ يبحث بناظريه و تساعده بذلك شعلة النار التي يمسك بها حتى يرى جيداً في الظلام فوجد أمامه على بعد عشرة أمتار او اكثر بقليل هضبة عاليه فوقها ذئب جائع يترصد لهما فقد كان يراقب الرسول مع حصانه حتى يناما فيهجم عليهما ، و لكن الحصان نبه صاحبه لأنه أحس بالذئب فرأه .
فأغتم الرسول و أصابه الهم وهو يقول في نفسه :
ذئب جائع هذا ماكان ينقصنا
فألتفت الى حصانه محدثا أياه :
ماذا نفعل ياصاحبي الآن و نحن الأثنان في اشد حالات التعب قد خارت قوانا من جهد الطريق أضافة أننا لن ننام هذه الليلة خوفاً على أنفسنا .
أما حصانه فقد كان ينظر إليه وكأنه يواسيه على وضعهما الميؤس منه .
أخذ الرسول يقاوم التعب و سلطان النوم و لكن دون جدوى نام فأخذ حصانه يضرب برأسه على ظهر صاحبه برفق وخفه فيستيقظ ثم ينام مرة أخرى .
فلما أستيقظ بعد عدة مرات تنبه أن الذئب منطلقاً نحوه فأمسك ببندقيته ، ولكن الذئب كان أسرع فلما كاد أن يهجم عليه ضربه حصانه الوفي مدافعاً عن صاحبه الرسول ، فهجم الذئب على الحصان وقضم قطعة من لحم معدته محدثاً جرحا بليغاً و نزيف دم لايقف .
أطلق الرسول النار فهرب الذئب ، فأخذ الرسول ينظر إلى حصانه في ذهول ويبكي عليه فقد ربى هذا الحصان و دربه و هو غالي عليه و يعتبره كأنه واحد من افراد عائلته من شدة محبته له و كذلك حصانه يكن له نفس المشاعر و ربما تزيد .
لقد كان الحصان يتألم بشدة و على الرغم من ذلك كان مطمئناً أنه أستطاع أن يحمي صاحبه من موت محتم ، أخذ الرسول يربت على رقبة الحصان ثم يحاول إيقاف النزيف بقطع من القماش كانت لديه يضعها على الجرح .
لكن مع الأسف مات الحصان المسكين وهو يتألم و يتمنى لصاحبه النجاة .
بكى الرسول بحرقة ثم أنتبه إلى الذئب و هو فوق الهضبة يراقبه .
فغضب الرسول ثم وقف و هو يصرخ موجهاً كلامه للذئب :
تريد أن تكمل مابدأته لتأكل الحصان الذي دافع عني لن أسمح لك بذلك .
فأخذ يضرب بالبندقية نحو الذئب بشكل عشوائي و بكل سهولة تفادى الذئب جميع الطلقات ، وبعد أن تأكد من أنتهاء الطلقات ابتعد وأختفى .
اخذ الرسول يحفر حفره رغم أنه منهك من التعب و الصراخ و الخوف و قلة النوم كي يدفن الحصان الذي ضحى بنفسه من أجل أن يعيش هو فهذا أقل شيء يفعل رداً لجميله ان يدفنه و يحمي جثته أن تنهش من اي حيوان مفترس في هذه المنطقة .
و بعدما دفنه و ضع سرجه و لجامه على قبره ثم قال :
هل روحك تنظر أيها الحصان الوفي أنا لم أترك جثتك للوحوش في هذا المكان دون ان أدفنك رغم خوفي و تعبي و حتى لو مت و الذئب يأكلني سأكون مرتاح البال وانا بالقرب من قبرك .
كل ماأريده الآن أن تصل رسالة الملك ( عبدالعزيز ) الذي أعطاني أياها و أمنني عليها حتى أوصلها إلى الأمير ( بن جلوي ) .
قد أموت مؤكولاً من قبل هذا الذئب الذي يتعقبني في كل خطوة.
أخرج الرسالة من جيبه و أمسكها في يده وشد عليها بكل قوته المتهالكه ثم قال :
يارب أني راضي بقضائك و لست خائفاً من الموت فأنه علي و على غيري مكتوب .
يارب أنك أنت القادر على كل شيء أجعل هذه الرسالة تصل لصاحبها يمسكها بيده يفتح الختم و يقرأها ، و ان كنت لا أعلم مافيها إلا أني أعلم أن مضمونها لمصلحة هذا البلد و روحي فداء لهذا البلد .
اللهم أحفظ هذه الرسالة حتى تصل إلى من يهمه الأمر اللهم آمين يارب العالمين ..
كان الرسول قريب من القبر الذي دفن به حصانه قام و أبتعد قليلاً يبحث عن رمل للتيمم ، تيمم فأخذ يصلي و الوقت شارف على أنتصاف الليل فلما سلم شعر بتعب شديد مع راحه غريبه لم يعدها من قبل .
فنظر إلى الذئب الذي لم يتحرك من مكانه على الهضبة كأنه ينتظره حتى ينام فينقض عليه.
تحسس الرسول الرسالة التي كان قابضاً عليها بيده فحفر حفرة صغيرة وضع فيها الرسالة ثم وضع عليها حجر بعد ذلك دفن الحفرة و أتبعها بأن أركز بندقيته الخاليه عليها كعلامة أن هناك شيء مهم .
ثم أخذ الشماغ ولفه حول رقبته حتى إذا نام يتنبه عندما يحاول الذئب لمس رقبته فالذئب يحلل الفريسة من رقبتها عندما يقتلها فأول شيء يقضمه الرقبة .
نام الرسول نوماً عميقاً وكأنه كان يعرف أنه لن يستيقظ بعدها فقد نام وقد أجتمع عليه الجوع و الخوف و التعب .
جاء الذئب الذي طال أنتظاره خمسة أيام في صراع مع الرسول وحصانه تخلص من الأول دون أن يأكل منه شيء انما مافعله به كان مجرد جرح عميق تسبب في قتله ، والآن حان دور الإنسان فأخذ ينظر إلى رقبة الرسول وهي ملفوفه بالشماغ فأخذ يحفر بيديه تحت رقبة الرسول حتى مالت إلى الاسفل فبانت فقضمها الذئب وبذلك قتله فسبحان الله كأن الرسول نام نوماً نقله إلى العالم الآخر و هو في أشد حالات الأرتياح .
فتح الذئب صدر الرسول فأخذ القلب كذلك أخذ الكليتين و الكبد و أكلهم جميعاً ثم غادر المكان .
تاركاً الجثة سليمه رغم أنها خلت من معظم أعضائها ..
أنشغل الملك (عبد العزيز آل سعود ) فقد تأخر الرسول في احضار الرد على رسالته من الأمير ( بن جلوي )
فأمر بخروج وفد إلى الأحساء لمقابلة الأمير ( بن جلوي ) ، و معهم أخو الرسول الذي طلب من الملك ( عبدالعزيز ) أن يخرج مع الوفد لقلقه الشديد على اخوه الذي أختفت أخباره فوافق الملك ( عبدالعزيز ) على طلبه .
عندما وصل الوفد إلى الأحساء أستقبلهم الأمير ( بن جلوي ) خير أستقبال ، فلما سألوه عن الرسول .
أستغرب الأمير ( بن جلوي )
و اخبرهم أنه لم يحضر له أي رسول و لم يتلقى رساله كتبها له الملك .
فنادى ( بن جلوي ) على الحرس الذين كانوا في قصره .
فقال لهم :
أختاروا من يكون عليكم قائداً حتى ينظمكم للخروج و البحث عن الرسول ،
كانوا يجتمعون كلهم في( قصر إبراهيم ) يتلقون الأوامر و التعليمات ثم يخرجون على دفعات في جهات متعددة و متفرقة للبحث ، و كان من بين دفعة منهم اخو الرسول ، ظلوا يمشطون المنطقة يومان حتى وجدته دفعة منهم و الذي كان اخو الرسول بينهم الذي تعرف عليه و اخذ يبكي .
قال احدهم :
انظروا إلى بندقيتة ركزت بشكل غريب .
توجه قائد المجموعة و حفر تحت البندقية فوجد الصخرة و عندما ازاحها وجد الرسالة المختومة فقال القائد :
مما لاشك فيه هذه رسالة الملك (عبد العزيز ) إلى الأمير
حاول الجميع أن يهون على اخو الرسول وطلبوا منه ان يسمح لهم بدفنه اكراماً له و سيكون بالقرب من قبر حصانه فوافق الأخ على ذلك .
ثم عادوا إلى الأمير
( بن جلوي )
و أخبروه بما حدث و ان اثار الذئب كانت منتشرة في المكان دليل على ان من قتل الرسول مع الحصان الذئب لاغيره .
فطلب الأمير ( بن جلوي )
من الوفد البقاء ثلاثة أيام لأقامة العزاء للرسول ثم الذهاب برده على رسالة الملك (عبد العزيز ) ..
بعدها انطلق الوفد إلى الرياض حيث الملك ( عبدالعزيز ) في انتظارهم سلموه الرد على الرسالة ، و اخبروه بما حدث للرسول و قد قال قصته أخوه و هو يبكي .
فقال الملك ( عبدالعزيز )
لا يبكى على هذا الرجل الشهيد الوفي و المخلص .
كم انا محظوظ برجال مثله في دولتي ..
سأقيم العزاء له في قصري من اجل هذا الرجل الشهيد ، و قبل ذلك يجب ان اذهب الى زوجته اعزيها بنفسي ، ثم ذهب الملك ( عبدالعزيز ) مع معظم رجاله و أخو الرسول الذي سبقهم لزوجة اخيه ليخبرها بوفاة زوجها و تستعد لأستقبال الملك ( عبدالعزيز )
الذي قام بعزائها و جبر خاطرها ، و أخبرها أنها مع ولديها سوف يكونون من ضمن عائلته و كل طلباتهم و مايحتاجون له سيكون متوفراً لهم ، أضافة إلى ان نفقتها و نفقة ولديها و مصاريف تعليمهما حتى ان ارادا البعثة إلى الخارج سيتكفل بكل شيء ، و إذا كتب الله و تخرجوا و أخذوا شهاداتهما العالية لهما الخيار أن كانا يريدان العمل عنده في القصر او يختاران عمل في مكان آخر ..
وبهذا انتهت القصة التي كانت تروى من جيل إلى جيل بكل فخر حتى تلاشت الأجيال التي ترويها و ظلت من ضمن الصفحات المنسية في كتاب التاريخ لكنها ظلت بصمة لها أثر أعتزاز و فخر لجميع السعوديين …
لابد أن نتطرق لمصطلح قديم كان متداولا في ذلك الزمن و ارتبط ( بقصر إبراهيم ) وهو مصطلح شعبي أو بالمعنى الأصح دعوة يدعوا بها كبار السن على من يغضبون منه و هي ( سليمه تصكك )
عندما سكن من يحكم الأحساء في ( قصر إبراهيم ) من الدولة العثمانية بنوا تحت الأرض الخاصة ( بقصر إبراهيم ) سجون لمن يقبضون على كل من يعارضهم او من يحارب قوانينهم ، فيقبض على المتهم ليودع في سجن تحت الأرض في ( قصر إبراهيم ) حتى تتم محاكمته و الذي يحكم عليه بالنفي ينفى الى جزيرة( سليمه ) و هي موجودة في مالطه ، و كانت تستخدم للعقاب أيام الدولة العثمانية و يبقى المنفي هناك حتى موته ..
أما الآن فقد أصبحت ( جزيرة سليمه ) مكان سياحي ومعلم تاريخي يزوره السياح من جميع أقطار العالم ..
و يتنافس بعض المهتمين باللهجات الشعبية و التاريخية في دول الخليج على أن مصطلح ( سليمه تصكك ) يعود أساسها إلى لهجة بلده .
أضافة إلى العراق بتغير بسيط في المصطلح و هو ( سليمه تلطمك ) .
و سواء هذا او ذاك فمهما اختلفت اللهجات و تغيرت الأرض فالسجن و الحكم مع العقاب كان عذابه مر واحد و تعددت الأسباب و الموت و احد ..
بالنسبة للدولة السعودية الثالثة التي أسسها الملك ( عبدالعزيز آل سعود )
والذي عندما ضم الأحساء و بعد طرده للعثمانين دخل ( قصر إبراهيم ) مع رجاله فأمر بردم هذه السجون التي تحت الأرض بعدما اخرج من بقي منهم و عادت إليهم الحياة بعدما عاشوا أموات تحت ظل حكم ظالم ..
و قال الملك ( عبدالعزيز ) يومها :
( نحن لاندفن الحريات بل نخرجها حتى تمسك النور كي تصل به إلى عنان السماء ) .
و يقال أنه ظلت سجون سريه اكتشفت فيما بعد بسبب الحفر و الترميم فردمت هي الأخرى حتى لايبقى لها أثر ..
أشتهرت جماعة من المثقفين كانت تقف بالقرب من أسوار ( قصر إبراهيم ) في أوقات معينة مهتمة بتفسير الأمثال الشعبية و العربية ، و تصحيح معانيها التي تغيرت مع مرور الزمن ..
مثل ( أقلب الجرة على فمها تطلع البنت لأمها )
حاليا هذا المثل يضرب للبنت التي تشبه أمها في كل شيء من ناحية الشكل ومن ناحية الأخلاق ، و كذلك التصرفات و الأسلوب ، و لكن في الحقيقة أن المثل يبعد كل البعد عن هذا المعنى .
و الأصل فيه انه قديما الأم عندما تغسل الملابس و تصعد إلى السطح لتنشرها ، و تحتاج إلى مساعدة ابنتها كان من المعيب أن تنادي الأم لأبنتها ويسمع صوتها على حسب العادات القديمة .
فكان من القوانين أن توضع جرة تستطيع الأبنه أن تراها من فوق السطح ، فتقلب الأم الجرة رأساً على عقب فعندما تراها الأبنة مقلوبة تصعد لأمها كي تساعدها ..
كذلك كانوا يقولون القصص التي لم يكن يعرف أصلها او معناها .
فمثلاً قصة الرجلان اللذان تحديا بعضهما أنهما سوف يدخل كل و واحد منهما إلى وسط المقبرة ويغرس عصى خيزران بعد منتصف الليل ، و يخرج من المقبرة .
في اليوم التالي حضرا هذان الرجلان إلى المقبرة بعد منتصف الليل دخل الأول و معه عصى الخيزرانة و مشى حتى وصل إلى منتصف المقبرة ، فغرس الخيزرانة ثم عندما أراد أن يعود ادراجه ، أحس أن احد أمسك بثوبه من الأسفل منعه ان يتحرك فلم يستطع ان يلتفت ورائه من شدة الخوف فمات المسكين وهو في مكانه ظناً منه أن هناك احد من الجن أمسك بثوبه حتى يصل إليه و يقتله .
بينما الحقيقة انه عندما ركز الخيزرانة ركزها هو بنفسه على أسفل ثوبه فتعلق الثوب بالخيزرانة التي ارتكزت على الأرض الصلبة لذلك لم يستطع أن يتحرك ، و لم يمهله خوفه ان يرى السبب الحقيقي .
أما صديقه الذي ينتظره منعه الخوف أيضاً من الدخول عندما تأخر صديقه ، فظل مكانه حتى يصل حارس المقبرة في الصباح .
فلما حضر الحارس اخبره الرجل ان صديقه بالداخل لم يخرج من البارحة فعندما دخلا وجداه ميتاً و عصى الخيزرانة مركوزة على ثوبه ..
فيما بعد لم يعد احد يقص هذه القصة ، و تمر السنوات لتصبح مطلع أغنية غناها بعض المشاهير ومنهم الراحل طلال المداح و هي اغنية ( لا لا يالخيزرانة في الهوا ميلوك مالت الروح معاك ) ….
عسير صحيفة عسير الإلكترونية