
بقلم / د. سعيد بن عبدالله بن علي جفشر
ولاية العهد في المملكة عمق الاستقرار وضمان المستقبل رؤية تاريخية. لطالما كانت ولاية العهد حجر الأساس في استقرار الحكم عبر التاريخ العربي والإسلامي، حيث شكلت نظامًا سياسيًا ناجحًا لضمان انتقال السلطة بسلاسة ومنع الاضطرابات التي قد تنجم عن الفراغ القيادي. ورغم أن العديد من الدول الإسلامية مارست نظام البيعة بشكل متنوع، إلا أن التجربة السعودية أثبتت أنها الأكثر استقرارًا واستمرارية ونجاحًا، بفضل تمسكها بالشرعية الدينية، والتقاليد القبلية، والمبادئ السياسية الرشيدة. في عهد الدولة السعودية الأولى التي أسسها الإمام محمد بن سعود عام ١٧٢٧م، كان اختيار ولي العهد يتم بدقة وعناية لضمان استمرار الحكم، وكان من أبرز ولاة العهد آنذاك الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود الذي استكمل توحيد الجزيرة العربية بعد والده، ومن بعده ابنه الإمام سعود ثم الإمام عبد الله بن الإمام سعود. ومع معركة الدرعية وما واجهته الدولة السعودية من الغزو الأجنبي واستشهاد الإمام عبد الله بن سعود رحمه الله فداء للوطن والشعب، لم تلبث حتى عادت بنهوضها الدولة السعودية بقيادة الإمام تركي بن عبد الله الذي نظر إلى نظام ولاية العهد عنصرًا رئيسيًا في استقرار الحكم، حيث تولى الإمام تركي بن عبد الله وأعاد بناء الدولة، ثم نقل الحكم لابنه فيصل بن تركي مما حافظ على وحدة الدولة. ومع تأسيس الدولة السعودية الحديثة على يد الملك عبد العزيز آل سعود، أصبح نظام ولاية العهد أكثر تنظيمًا، حيث كان يتم اختيار ولي العهد بناءً على الكفاءة والصلاح، وليس بالضرورة وفق مبدأ الوراثة المباشرة. وفي عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، تم تعيين الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد، في انتقال سلس من جيل أبناء المؤسس إلى أحفاده وتجهيز جيل الأحفاد لقيادة الدولة واستمرار قوتها، مما يؤكد أهمية هذا النظام في ضمان استقرار الحكم. وإذا ما عدنا إلى التاريخ العربي والإسلامي نجد أن ولاية العهد كانت لها مكانة محورية في حفظ توازن الدولة، ففي عهد عبد الملك بن مروان من الدولة الأموية، نُظر إلى ولاية العهد كركيزة مهمة لاستقرار الحكم، حيث عيّن ابنه الوليد بن عبد الملك ثم سليمان بن عبد الملك، مما ضمن انتقالًا سلسًا للسلطة. وكان الخلفاء العباسيون أكثر تنظيمًا في نظام ولاية العهد، حيث تم تعيين الخلفاء وفق نظام متسلسل يضمن وحدة الدولة، ومن أبرز الأمثلة ولاية العهد من السفاح إلى المنصور مما منع الصراعات الداخلية، ثم من المنصور إلى المهدي، ثم إلى الهادي وهارون الرشيد، مما أدى إلى عصر ذهبي للدولة العباسية. وتكمن أهمية ولاية العهد في تحقيق الاستقرار السياسي من خلال ضمان استمرارية الحكم بخطة واضحة لانتقال السلطة، وتعزيز الثقة السياسية والاقتصادية في الدولة، إذ أن معرفة من سيكون الحاكم القادم تخلق بيئة استثمارية مستقرة، وتعزز ثقة الشعب والمؤسسات الدولية في مستقبل الدولة. كما أن إعداد القادة للمستقبل من خلال اختيار ولي العهد وتأهيله يضمن استمرارية الرؤية الوطنية والسياسات التنموية، وهو ما نشهده اليوم في المملكة العربية السعودية مع الأمير محمد بن سلمان. ومنذ توليه ولاية العهد، أطلق الأمير محمد بن سلمان العديد من المبادرات والإصلاحات التي جعلت المملكة قوة إقليمية ودولية، كان أبرزها التحول الاقتصادي ضمن رؤية ٢٠٣٠ من خلال تنويع مصادر الدخل بعيدًا عن النفط، وإطلاق مشاريع كبرى مثل نيوم والقدية والرياض الخضراء، وتعزيز الاستثمار المحلي والدولي. كما عزز سموه الدور السياسي والعسكري للمملكة، إذ لعبت دورًا رئيسيًا في حل الأزمات الإقليمية والدولية، مثل القضية الفلسطينية والأزمة اليمنية، مع الحفاظ على استقلال القرار السعودي وتعزيز التعاون مع القوى العظمى. وعلى الصعيد الاجتماعي والثقافي، عمل على تمكين الشباب والمرأة، ودعم الفنون والثقافة والترفيه، مما جعل المملكة مركزًا عالميًا للفعاليات الثقافية والرياضية. كما عزز الأمن والاستقرار من خلال تحديث القوات المسلحة وتعزيز القدرات الدفاعية، ومواجهة الإرهاب والتطرف بحزم. إن ولاية العهد في المملكة العربية السعودية ليست مجرد انتقال للسلطة، بل هي ضمان لاستقرار الحكم واستمرار النهضة والتقدم، وقد جاءت مبايعة الأمير محمد بن سلمان لتؤكد هذا النهج، حيث تم اختياره بتأييد واسع ليقود المملكة نحو مستقبل مزدهر مستندًا إلى رؤية طموحة وسياسات حكيمة وإرادة قوية لا تعرف المستحيل. منذ تأسيس الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود، كان نظام الحكم قائمًا على مبدأ البيعة والاختيار الدقيق لولي العهد، حيث يتم انتقاء الشخص الأكفأ والأكثر قدرة على قيادة الدولة وحماية مصالحها، واستمرت هذه التقاليد في الدولة السعودية الثانية، وعززها الملك عبد العزيز آل سعود عند تأسيس المملكة العربية السعودية الثالثة، حيث أرسى نظامًا سياسيًا محكمًا يضمن استقرار الحكم وانتقاله بسلاسة عبر الأجيال. لم تكن المملكة مجرد دولة حديثة، بل هي الامتداد الطبيعي للحضارات والممالك العربية والإسلامية التي نشأت في جزيرة العرب وخارجها، والتي قادها أبناء هذه الأرض المباركة عبر التاريخ. هذا الامتداد يمنح الدولة السعودية شرعية سياسية وتاريخية راسخة، ويجعلها النموذج الأبرز في الحكم الرشيد والاستقرار السياسي. وفي ظل هذا الإرث العريق، جاء تعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود وليًا للعهد ليكون حدثًا مفصليًا في تاريخ المملكة، حيث اجتمعت الإرادة الملكية مع الإجماع الشعبي والتأييد الواسع من أبناء الأسرة المالكة وأعضاء هيئة البيعة، ليضعوا على عاتق الأمير الشاب مسؤولية مواصلة المسيرة مستندين إلى حكمته وعزيمته الفذة. لم يكن هذا الاختيار مجرد خطوة إدارية، بل كان إعلانًا عن بزوغ عهد جديد من التقدم والرؤية الطموحة التي تأخذ بالمملكة إلى أفقٍ غير مسبوق في التطور والنمو والاستقلالية السياسية والاقتصادية. ومنذ تعيينه وليًا للعهد، أثبت الأمير محمد بن سلمان أنه قائد استثنائي يمتلك رؤية استراتيجية واضحة وقدرة غير مسبوقة على صناعة التحولات الجذرية في مختلف المجالات. كانت أولى خطواته إطلاق رؤية السعودية ٢٠٣٠، وهي خارطة طريق شاملة تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط وتعزيز الابتكار والتكنولوجيا وخلق بيئة استثمارية جاذبة وبناء اقتصاد قوي ومستدام قادر على المنافسة عالميًا، وقد تجلى هذا في مشاريع ضخمة مثل نيوم والقدية والبحر الأحمر والرياض الخضراء وتطوير الصناعات الوطنية، وهي مشاريع تعكس الطموح الكبير لولي العهد ورغبته في تحويل المملكة إلى مركز عالمي للابتكار والتكنولوجيا والسياحة. على الصعيد السياسي، رسّخ الأمير محمد بن سلمان مكانة المملكة كدولة ذات قرار سيادي مستقل لا تخضع لأي ضغوط دولية، وتدير علاقاتها الخارجية وفقًا لمصالحها الوطنية العليا. اتخذت المملكة مواقف حازمة في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، حيث عززت دورها القيادي في العالمين العربي والإسلامي، وأصبحت عنصرًا رئيسيًا في حفظ الأمن والاستقرار في المنطقة من خلال مبادراتها الدبلوماسية ومواقفها القوية في مواجهة التحديات الإقليمية. الأمير محمد بن سلمان لم يكن فقط مهندس الإصلاح الاقتصادي والسياسي، بل كان أيضًا قائدًا اجتماعيًا أحدث تغييرات عميقة في المجتمع السعودي، عبر تمكين الشباب والمرأة وتحديث الأنظمة والقوانين بما يتناسب مع متطلبات العصر، دون الإخلال بالثوابت الدينية والوطنية، ولعل أبرز إنجازاته الاجتماعية هي تمكين المرأة السعودية ومنحها الفرص التي تستحقها في مختلف المجالات، مما ساهم في تعزيز دورها في الاقتصاد والمجتمع، وهو ما انعكس في القفزات التنموية التي حققتها المملكة في فترة وجيزة. في المجال الأمني والعسكري، قاد الأمير محمد بن سلمان تطوير القوات المسلحة السعودية وتعزيز قدراتها الدفاعية وتوطين الصناعات العسكرية، مما جعل المملكة قوة إقليمية مؤثرة تحظى باحترام وتقدير عالمي. هذا التوجه عزز أمن المملكة واستقرارها في وجه التهديدات الإقليمية وجعلها قوة ردع قادرة على حماية مصالحها والدفاع عن سيادتها بكل قوة وثبات. المملكة العربية السعودية لم تكتفِ بدورها كقوة اقتصادية وسياسية في المنطقة، بل أصبحت لاعبًا رئيسيًا في السياسة الدولية، تقود المبادرات وتساهم في حل النزاعات وتعزز الأمن والاستقرار في العالم. لطالما كانت المملكة الداعم الأول للقضية الفلسطينية والمناصر الأقوى لحقوق الشعب الفلسطيني، وهو موقف راسخ لم يتغير رغم الضغوط والتحديات. وقد أكد الأمير محمد بن سلمان في عدة مناسبات أن القضية الفلسطينية قضية مركزية، وأن المملكة لن تتخلى عن دعم الشعب الفلسطيني في حقه المشروع بإقامة دولته المستقلة على حدود ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وتحت قيادته عززت السعودية دورها السياسي والدبلوماسي في الدفاع عن حقوق الفلسطينيين من خلال الضغط على المجتمع الدولي لدعم حل الدولتين، وممارسة نفوذها لحماية القضية الفلسطينية من محاولات التهميش أو التلاعب بها في الأجندات السياسية. ومع اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية، لعبت المملكة العربية السعودية دورًا محوريًا في الجهود الدبلوماسية لاحتواء النزاع وتخفيف آثاره الإنسانية والاقتصادية. لقد أدركت القيادة السعودية بقيادة ولي العهد أهمية الوساطة الفعالة في هذه الأزمة الدولية المعقدة، فقامت المملكة بإطلاق مبادرات متعددة لتقديم المساعدات الإنسانية ودعم الجهود الدولية لإيجاد حل سياسي للنزاع، وقد كان للمملكة دور بارز في التواصل مع طرفي النزاع روسيا وأوكرانيا، والسعي إلى تقريب وجهات النظر والعمل على تخفيف التوترات الدولية التي نشأت عن هذا الصراع، وفي خطوة غير مسبوقة، توسطت السعودية في إطلاق سراح عدد من أسرى الحرب من جنسيات مختلفة، بينهم مواطنون أمريكيون وبريطانيون، في عملية إنسانية نالت إشادة دولية واسعة، وهذه الخطوة أكدت أن المملكة تمارس دورًا قياديًا عالميًا حقيقيًا وتسعى لتحقيق السلام والاستقرار بعيدًا عن أي حسابات سياسية ضيقة. اليوم، ونحن نعيش ذكرى مبايعة الأمير محمد بن سلمان وليًا للعهد، ندرك أننا أمام قائد غير عادي، يقود المملكة بحكمة وقوة ويرسم ملامح المستقبل بثقة ووضوح. لقد أصبحت المملكة في عهده قوة اقتصادية وسياسية لا يستهان بها، تقود المبادرات وتصنع الأحداث وتضع استراتيجياتها بعيدًا عن الإملاءات الخارجية، إنها دولة تمتلك قرارها السيادي وتحافظ على هويتها وتحقق النهضة في كل المجالات. ولاية العهد في المملكة العربية السعودية لم تكن يومًا مجرد منصب سياسي، بل هي مسؤولية كبرى تستلزم من يحملها أن يكون قائدًا قادرًا على تحقيق التوازن بين ثوابت الدولة ومتطلبات المستقبل، وقد أثبت الأمير محمد بن سلمان أنه الرجل المناسب لهذه المهمة، حيث قاد المملكة بحكمة ورؤية استراتيجية جعلت منها قوة اقتصادية وسياسية عالمية، حين ننظر إلى واقع المملكة اليوم، نرى أن رؤية الأمير محمد بن سلمان لم تكن مجرد وعود، بل تحولت إلى إنجازات ملموسة غيرت وجه المملكة ونقلت اقتصادها إلى مرحلة جديدة من التنوع والاستدامة، وعززت مكانتها في المحافل الدولية، إننا أمام مرحلة استثنائية يقودها قائد استثنائي، يمتلك الشجاعة والحكمة والإرادة لتحقيق المستحيل، وفي ظل هذه الإنجازات، نجدد الولاء لسمو ولي العهد، ونعاهد قيادتنا على المضي قدمًا خلفها نحو مستقبل مشرق، تحت راية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان. حفظ الله هذا الوطن وقيادته، وأدام عليه الأمن والاستقرار والازدهار.
عسير صحيفة عسير الإلكترونية