
الكاتب ✍️/ لاحق بن عبدالله/ الشبارقة
كانَ الخَليفة أبو بكر الصّديق رَضِي اللّهُ عَنهُ يُقَدّمُ خَدماتٍ جَليلة لأبناءِ جِيرتهِ، فكانَ يَحلِبُ الشّياهَ للعجائِزِ في اللّيل، ويَعجِنُ بيديهِ خُبزَ الأيتامْ، ويَطهو لهُمُ الطّعامْ.
ولمّا صارَ خَليفةً، تَناهَى إلى سَمعِهِ حَسرةَ العَجائِز، لأنّهنّ سَيُحرمنَ مِنْ هذهِ الخِدمة الجَليلة التي يَقومُ بها هذا الرجلُ الصالَح.
وذاتَ يومٍ قَرعَ داراً مِنْ تِلكَ الدّيار فسارَعَتْ فَتاةٌ صَغيرة لتَفتَحَ الباب وإذا بها تَصيح:
جاءَ حالِبُ الشّياهَ يا أمَّاه!
فإذا بالعجوزِ وَجهاً لوَجهٍ أمامَ الخَليفة فتقولُ لإبنتِها في حَياءٍ: ويحِكْ ألا تَقولينَ خَليفةَ رَسولِ اللّه!
فَما كانَ منهُ إلَّا أنْ عَقّبَ قائلاً: دَعِيها واللّهِ لقد وَصَفَتني بأحَبِّ الأعمالِ إلى نَفْسي!
فهكذا يكونُ العطاءُ في صَمتٍ، والبذلُ في خُفاءٍ
لا يَطلبُ ثَناءً، ولا يَرجو جَزاءً، إلّا ما عِندَ اللّهِ سبحانه .
إنّ في البذلِ حياةً للقلوب، وفي العطاءِ طُمأنينةً للنُّفوس، تَسْمو بهِ الرّوح، وتَعلو الهِمّة، ويَحيا بهِ الإنسانُ كَريماً بينَ الناس، محبوبًا في الأرض، مَرضِيًّا في السماء.
فيا من تقرأ كلماتي،لا تَحقرَنَّ معروفاً ولا تَستصغرَنَّ جُهداً وابذلْ مما آتاكَ الله فالخيرُ إذا انتشر، عَمَّ وإذا عَمَّ، أثمَرَ أمناً، ورحمةً وبركةً في الأعمارِ والأرزاق.
فابْذلْ ولو بكلمة، ولو ببَسمة فإنّ لله عبادًا اصطفاهم لقضاءِ حوائج الناس فَجَعَلَ حُبَّ الخيرِ في قلوبِهم وأجرَه في خُطاهم ونُورَه في وُجوههم.
فصلاحُ الأمّة لا يكونُ إلا بعلوِّ هِمّةِ أبنائها وبذلِهم في سبيلِ الله، وعَطائهم لوجهِ الله فمَن أرادَ الرِّفعةَ لنفسِه، فليَسْعَ لخيرِ غيرِه.
عسير صحيفة عسير الإلكترونية