
بقلم:✍️الكاتب : لاحق بن عبدالله :الشّبارقة
في مجتمعنا الذي يعتز بتاريخه ويقدّر من مضى من رجاله ونسائه،ما زلنا نرى كثيرًا من الناس يحرصون على تسمية أبنائهم بأسماء أجدادهم تيمّنًا بهم، ووفاءً لذكراهم، وطلبًا لبركتهم.
فكم من “عبد الله” سُمّي على اسم جدّه، وكم من “نورة” أو “فاطمة” وُلدت لتحمل اسم امرأة كانت ذات هيبة ومكانة بين الناس مشهود لها بالحكمة والرأي، والخلق الكريم.
وهذا في ظاهره وفاء جميل، ومعنى نبيل لكنه في أحيان كثيرة يُخفي وراءه ظلمًا صامتًا لا يشعر به كثيرون.
فما إن يكبر ذلك الطفل أو تشبّ تلك الفتاة حتى تبدأ المقارنات تلاحقهم:
“أين أنت من جدّك؟”
“جدّتك كانت مثالًا في الوقار والعقل!”
“اسمك لا يشبه سيرتك!”
ليتكَ تشبهه ..وليتكِ تشبهينها
وتُصبح الأسماء عبئًا لا شرفًا وتتحوّل الذكرى من حافزٍ إلى قيد.
يولد الطفل باسم رجلٍ كان فارسًا في مجتمعه ،فقيه رأي، حصيف عقل، سيد مجلس، يشار إليه بالبنان.
وتولد الطفلة باسم امرأةٍ كانت ذات مقامٍ رفيع ،تُحْتَرمُ بين الناس، ويُقدّر رأيها، ويَحمل حضورها هيبة لا تُخطئها العيون.
ثم إذا ما شبّ الفتى أو الفتاة، وجدوا أنفسهم محاطين بشبح المقارنة لا مع أقرانهم بل مع من سبقوهم بزمان، وصنعوا لأنفسهم مكانًا لا يُدانى.
لكن، هل الإنصاف أن نطالب من لم يشهد زمن المجد أن يكرّره؟
هل العدل أن نُحاكم شابًا على أنه لا يُشبه جدّه الذي عاش في بيئة مختلفة ونشأ في ظروف أخرى، وتشكل في زمن لا يُشبه ذاك الزمن؟
إن المجد لا يُورّث كما تُورّث الأسماء والسمعة لا تُنتقل كما تنتقل الجينات والبصمات لا تتكرر وإن تشابهت الحروف.
فلنعلّم أبناءنا أن يحملوا من أجدادهم القيم لا أن يُطالبوا بأن يكونوا نسخةً منهم.
ولنترك لهم حقهم في أن يكونوا أنفسهم أن يخطئوا ويتعلموا، أن يتكوّنوا على مهل دون أن نحاصرهم بمقارنةٍ لا طائل منها.
نعم، نحب أسماء من سبقونا، ونفتخر بتاريخهم لكننا نُخطئ حين نحاول نسخ المجد وكأن الحياة لا تحتمل إلا صورة واحدة من العَظَمة.
دعوا لأبنائكم أسماء الأجداد، لكن لا تُحمّلوهم أوزار المقارنة ولا تصنعوا من الاسم سجنًا يحاصر أحلامهم.فلكل زمن رجاله، ولكل إنسان بصمته
وما أجمل أن يكون للجَد مجده، وللحفيد مجده وإن اختلفت الطرق والملامح .
عسير صحيفة عسير الإلكترونية