“طاعة ولي الأمر: وعي ديني ووفاء وطني”

بقلم/ محمد عمر حسين المرحبي

في زمن تتزايد فيه التحديات الفكرية، وتتسارع فيه محاولات النيل من وحدة الأمة واستقرارها، تبقى طاعة ولي الأمر من أعظم ما جاءت به الشريعة الإسلامية، ومن أقوى الضمانات التي تحفظ للبلاد أمنها وللمجتمع ترابطه. فقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بطاعة أولي الأمر كما أمرهم بطاعته وطاعة نبيه، فقال في محكم التنزيل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾، وهي طاعة قائمة على الحكمة، لا على الانقياد الأعمى، لكنها تحفظ كيان الدولة، وتمنع التنازع الذي قد يُفضي إلى الفشل وذهاب القوة كما جاء في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾. وقد جاءت الأحاديث النبوية لتؤكد هذا المعنى وتبين أن طاعة الأمير من طاعة النبي ﷺ، وأن الخروج عليه باب من أبواب الفتنة، فقال ﷺ: “من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني”.

وإذا كانت الطاعة واجبة ما لم يُؤمر بمعصية، فإن الولاء لولي الأمر والانتماء لصف الجماعة أصلٌ راسخ يميز أهل السنة والجماعة، ويمنع التفرق الذي نُهينا عنه، فقد كان خروج الخوارج والمارقين على مر التاريخ سببًا في سفك الدماء وخراب الديار وذهاب الأمن، ولذلك شدد العلماء على وجوب السمع والطاعة حتى وإن وُجد الظلم أو القصور، ما لم يرَ الناس كفرًا بواحًا عندهم فيه من الله برهان، كما جاء في الحديث المشهور. والحكمة من ذلك أن الخروج لا يجلب إصلاحًا، بل يفتح أبواب الشر والدمار، ويجعل البلاد فريسة للمخربين والمتربصين.

وإن من المهم في هذا السياق توجيه الشباب وتنبيههم إلى خطورة الانجراف خلف الشعارات الزائفة أو التأثر بالأصوات النشاز التي تُدار من خلف الشاشات وتحمل أجندات مغرضة. الشباب هم طاقة الأمة وذخيرتها، وإن توجيه هذه الطاقة نحو البناء والولاء الصادق والالتفاف حول القيادة هو الضمان الحقيقي لاستمرار الأمن والتنمية، لا سيما ونحن نشهد في وطننا الغالي جهودًا متواصلة تُبذل في الإصلاح والتطوير والرؤية المستقبلية التي يقودها ولاة أمرنا بحكمة وحنكة واقتدار. وإن من الوفاء والانتماء أن يكون الشباب حصنًا منيعًا أمام كل محاولة لإثارة البلبلة أو التشكيك، وأن يدركوا أن طاعتهم لقيادتهم ليست خضوعًا لشخص، بل التزامًا بشرع الله وحرصًا على مصلحة البلاد والعباد.

ومن الواجب كذلك على الآباء والمربين ترسيخ هذه القيم في نفوس الناشئة منذ الصغر، وتعليمهم أن الأمن الذي ننعم به لم يأت من فراغ، وأن الدولة التي تحكم بشرع الله وتخدم الحرمين الشريفين وتبذل الغالي والنفيس من أجل شعبها تستحق الولاء والطاعة والدعاء والنصرة، لا التشكيك والتشغيب. إن غرس حب الوطن، والسمع والطاعة، والاعتزاز بالقيادة الرشيدة من أعظم ما يقدمه المربون لأجيال الغد، فهي مفاتيح الاستقرار، وركائز البناء، وأسس النجاح في الحاضر والمستقبل.

فالواجب اليوم أن نعضّ بالنواجذ على وحدة الصف، وأن نكون دعاة خير وبناء، لا أدوات لهدم أو فتنة. فالطاعة لولي الأمر ليست مجرد مبدأ شرعي فحسب، بل ضرورة وطنية، وعنوان وعي، وبوابة عبور آمن نحو مستقبل مزدهر تنعم فيه الأمة بالأمن والإيمان، والعلم والعمل، والعزة والسيادة، تحت راية القيادة الرشيدة، التي نسأل الله أن يسددها ويوفقها لما فيه خير البلاد والعباد.

شاهد أيضاً

حقوق الإنسان

بقلم / سمية محمد  يتمتع الإنسان بحقوق أساسية و متأصلة لمجرد كونه إنسان هي جزء …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com