
بقلم : أزهار بنت احمد الحمدان :
في صمت الأروقة البيضاء، حيث لا يُسمع سوى طنين الأجهزة ونبض الانتظار، يولد نوع خاص من التأمل. في استراحة المرضى، تتوقف الحياة قليلًا، أو ربما تتجلى في أبهى صورها. هناك، لا وقت للضجيج الخارجي، بل هناك همسات داخلية تهمس بأحاديث الصبر، والأمل، والخوف، والرجاء.
المرض ليس مجرد وجع جسد، بل رحلة إلى الداخل. حين يضعف البدن، يقوى البصير. في استراحة المرضى، ينظر الإنسان إلى حياته من منظور مختلف. كم مرة تألمنا، فتذكرنا نعمة الصحة؟ كم مرة جلسنا ننتظر نتيجة تحليل، فبدأنا نحمد الله على الأيام التي مرّت بلا قلق؟
الوجوه في هذه الاستراحة مختلفة، لكنها متشابهة في العمق. عينان تبحثان عن طمأنينة، ويد ممسكة بورقة التحاليل كأنها ورقة مصير. البعض يبتسم رغم الألم، والبعض يكتفي بالصمت لأنه أثقل من الكلام. وهناك من يربّت على كتف الآخر، دون أن يعرف اسمه، لكنه يعرف وجعه.
أكثر ما يميز هذه اللحظات هو نقاء الدعاء. في استراحة المرضى، لا يُطلب من الله مالٌ ولا شهرة، بل يُطلب شفاء، وراحة، وعافية. تُقال الأدعية بلغة القلب، وتُرفع النظرات إلى السماء كأنها تعرف طريقها جيدًا.
هذه الاستراحة ليست فراغًا، بل امتلاء. امتلاء بالتفكر، وبالقرب من الله، وبإعادة ترتيب الأولويات. فجأة، تصبح الحياة البسيطة هي الحلم: أن تمشي على قدميك بلا ألم، أن تتنفس بلا صعوبة، أن تأكل دون حمية، أن تنام دون أن توقظك وخزة أو خوف.
—
في استراحة المرضى…
يتعلم الإنسان دروسًا لا تُدرّس في الكتب، ويستمع لنبضه كأنه يسمعه للمرة الأولى. هي مساحة بين الألم والأمل، بين الضعف والقوة، بين الغياب والعودة.
خاتمة دينية:
قال رسول الله ﷺ: “ما يصيب المسلم من نصبٍ ولا وصبٍ ولا همٍّ ولا حزنٍ ولا أذى ولا غمٍّ، حتى الشوكة يُشاكُها، إلا كفَّر الله بها من خطاياه” [رواه البخاري ومسلم].
فما أجمل أن يتحول الألم إلى قرب من الله، وما أكرم الله بعباده، إذا ما دعوه وهم في أشد الحاجة إليه.
حكمة:
“المرض لا يسرق منك الحياة، بل يعيد تعريفها… فرب وجعٍ قاد قلبك إلى الله، فكان أعظم شفاء.”
عسير صحيفة عسير الإلكترونية