
✍️ بقلم:لاحق بن عبدالله :الشبارقة
في الجنوب السعودي، حيث الغيم يهبط ليصافح القمم، وحيث يتعانق المطر مع حجارة الجبال المنيعه
تتربّع عسير كأنها قصيدة من الطبيعة تُردد على مدى الزمن.
هُنا، بين الهتان والضباب، تتكئ الذاكرة على حكايات الطفولة،
وتتنفس القلوب عبق المكان
الذي لا يشبه سواه.
بين المنازل والطرقات والوديان
التي تحفظ أسماءنا كما تحفظ الأم
على كفّها أذكار الصباح والمساء،
يظلّ الارتباط بعسير ارتباطًا وجدانيًا لا ينفصل، فهي الدفء حين تبرد المشاعر، والسكينة حين يضجّ العالم من حولنا.
عسير ليست مجرد أرضٍ على خارطة الوطن، بل هي العشق الذي لا يُروى بل يُعاش، لا يُكتسب بل يولد معنا، مع كل نسمة بَرَدٍ، ومع كل أغنيةٍ عتيقةٍ تصدح بها إذاعة الصباح.
هنا الغيم لا يغيب، والهتان يعانق أطراف الجبال في مشهد لا تمله العين ولا القلب،
كأنما خُلقت هذه الأرض لتكون وطنًا للجمال وملاذاً للروح.
على قمة جبل تهلل يشمخ الزمن واقفًا كحارسٍ أمينٍ لذاكرة الأرض، وفي قمم السودة تُنصت الرياح لهمسات الأشجار، فتعبق رائحة الشّث والعرعر والعثرب، وتفوح
من حولها مشاتل النعناع والوزاب والبرك والشيح والريحان، فتتضوع الحياة طيبًا وسحرًا لا يوصف.
في عسير لا ترى الطبيعة فحسب، بل تراها تتحدث بلغةٍ يفهمها القلب قبل العين، وتغمر الأرواح بنشوة الانتماء والبهاء.
هذه الأرض لم تكتفِ بأن تكون جزءًا من الوطن، بل صارت وطنًا داخل الوطن، خارطةً للعطاء والوفاء،
وقبلةً للجمال الربّاني الفاتن.
هنا تُروى القصص على جمر السَّمر، ويُسكب الشَّعْر على موائد الوجد، وتُكتب الهوية بعبير الورد وعطر الكادي، فيتمازج الإنسان والمكان في لوحةٍ من الوفاء والاعتزاز لا يتغير لونها مع الأيام.
فلا تلوموا قلبًا عشق عسير الفاتنة
ولم يعرف سواها عشقًا،
وعذرًا، فكلما ناداني نداء الشوق ارتميتُ في حضنها كمُغرمٍ صبٍّ أرهقه البعد والحنين.
أنا عسيريّ القلب، سعوديّ النبض، رهينٌ بين حبٍّ لا يُملّ وولاءٍ لا ينتهي
عاشقٌ متيّمٌ بأرضٍ تأسرني بكل ما فيها من جمالٍ وهيبةٍ وكرمٍ وسخاء.
عسير هي نبض وطنٍ شامخٍ عريق، أعتز بأنني أنتمي إليه، وأهيم بكل صوتٍ يتغنّى فيه. لكن عشقي لعسير ليس إلا امتدادًا لعشقي الأكبر لوطنٍ يحتضن كل هذا الجمال، ويصوغ من تنوّع مناطقه سيمفونية
مجدٍ واحدة.
ففي تفاصيل عسير أرى ملامح المملكة كلّها،
وكل نسمةٍ من جبالها تُذكّرني بأنني أنتمي إلى أرضٍ عظيمة تتوحّد فيها القلوب كما تتعانق السحب فوق القمم.
إنّ حبي لوطني المملكة العربية السعودية هو النبع الذي يمدّ عشقي لعسير بالحياة،
ومن حُبّ هذه الأرض الجنوبية الطيبة يفيض في قلبي حبّ الوطن الكبير، المملكة التي أفتخر أنني منها، وتفخر بي كما أفخر بها.
🇸🇦
يا دار لاهنتِي ولا هان راعيكِ
🇸🇦
ولا هان شعبٍ كرّموا راية الدِّين
عسير صحيفة عسير الإلكترونية