
بقلم / ظافر الشهراني
مابين فترة وأخرى تظهر مواقف تكشف معادن الناس. هناك من يقدّر البذل والعطاء والمواقف والتضحيات ، وهناك من ينساها سريعًا، وبين هؤلاء يبقى أهل الشيم والقيم والإحسان يسيرون في طريقهم دون أن يلتفتوا كثيرًا إلى ردود الأفعال. فالأخلاق الفاضلة وتقدير الآخرين ليس عادة طارئة، بل هي أخلاق تخرج من قلب صادق، وتعكس تربية عميقة وروحًا محبة للخير ولكن حينما يجد الإنسان نفسه مستمعاً وأذنه مفتوحة لكل ما يقال فلن يستطيع أن يشعر بالأمان بل يصبح في وساوس لاتنقطع وتوهمات قد تصل به إلى حد الاتهامات.
ورغم أن بعض التجارب قد تكون مؤلمة، حين يقابل البعض الإحسان بالجحود، إلا أن هذا السلوك لا يقلل من قيمة الفعل الطيب، بل يكشف فقط عن طبيعة الأشخاص. فالجحود نقص في النفس، أما العطاء فهو وفاء مع الذات قبل أن يكون وفاء مع الآخرين.
الإنسان الذي يُحسن لا ينتظر شكرًا، لأنه يعرف أن الخير يعود لصاحبه قبل أن يصل لأي شخص آخر. يعرف أن الكلمة الطيبة ترفع، وأن اليد المعطاءة تُبارك، وأن القلوب النقية لا تتبدل مهما تغيّر الناس من حولها. لذلك يمضي المحسن في حياته مطمئنًا، يحمل داخله سلامًا لا تهزه تصرفات الآخرين.
أما من ينكر الجميل، فهو يخسر دون أن يشعر. يخسر علاقة كانت يمكن أن تستمر، ويخسر أثرًا جميلًا كان سيبقى في حياته، ويخسر احترامه لنفسه قبل احترام الناس له.
الإحسان لا يضيع، حتى لو غاب شكر الناس. أثره يمتد، وذكراه تبقى، وبركته تعود. ولهذا نقول إن الإحسان خلقك أنت، أما نكران الجميل فهو طبع غيرك، ولن يغيّر هذا الطبع من نقاء عطائك ولا من صفاء نيتك.
وفي زمن تتسارع فيه الظروف وتتبدل فيه العلاقات، تبقى الأفعال الطيبة هي العلامة الفارقة التي تميّز أصحاب القلوب الرحيمة. وتبقى الأخلاق الهادئة البيضاء هي الطريق الذي يجمع الناس على المودة، ويعيد للقلوب نورها ومساحتها الرحبة.
عسير صحيفة عسير الإلكترونية