“فاتحة” الخبراني

الشاب الشاعر عطية الخبراني، كائن خلقه الله ليحبه كل من يعرفه، وقد أحببته وقرأت نباهته، منذ النظرة الأولى، وكان ذلك في خميسية الصديق عبدالرحمن الموكلي؛ حينها كان يرتدي نظارة ذات إطار أبيض رغم سمرته الأثيرة.. ابتسم في وجهي قبل أنْ يكلمني، فعرفت أن قلبه كإطار نظارته تلك..

هذا الشاعر الشاب، تعجبه الأشياء عندما يريد أن تعجبه، ولا تعجبه عندما لا يريد ذلك، وكان يوهم المحيطين به بأنه غير مهتم بدراسته، بينما الحقيقة على النقيض من ذلك، حتى تخرج من كلية العلوم الطبية.

وهو يستطيع أن يكون كاتب سرد من طراز فريد؛ ذلك أنه يهتم بالتفاصيل البصرية والسمعية، ويستطيع إيصالها بلغةٍ معجبة، لكنه يريد أن يكون شاعرا، وحسبه ذلك لأنه قادر عليه منذ النص الأول.

في ديوانه “فاتحة”، الذي صدر في مارس الماضي، نجد قصائد تشبه الزفرات، لتأتي مؤثرة باختزال، بيد أنه يهتم بحفظ قصائد أحمد السيد عطيف وعلي رديش دغريري أكثر من اهتمامه بنصوصه، فهما عنده الأنموذجان الناضجان للقصيدة الإيقاعية التي لا يأتيها الخلل من بين شطريها، ولا من سطرها.

ومن عجائب عطية، أنه لا يقر بقصيدة النثر بوصفها شعرا خالصا، وذلك على غير عادة جيله الذين تربت ذوائقهم على قصيدة النثر، ويبدو – والله أعلم – أن مخالطته للشعراء (الرعويين) قد أكسبته هذه العقيدة، وهي له لا عليه دون شك، لأن البدء باستسهال كتابة النثيرة، يجعل من الشعراء الجدد مسوخا، فلا هم تمكنوا من الإيقاع الشعري، ولا هم كتبوا قصيدة نثرٍ حقيقية، كتلك التي عرفناها عند محمد الماغوط مثلا.

إن لقصيدة الومضة سوقها الرائجة عند النثريين، لكن نماذج عطية الخبراني العمودية والتفعيلية، تجعل لها عند الإيقاعيين أيضاً سوقاً شاعرة؛ ذلك أن النص عنده لايعاني من الاختزال للاختزال وحسب، وإنما هو مختزل لأنه اكتمل هكذا، دون تزيّد، أو استعراض لنفس طويل تُغني عنه زفرة شعرية واحدة.

“فاتحة”، التقاطات ذكية لأفكار لم ينضجها شعراؤها، وتحسينات بارعة على صور لم يرد سابقوه إليها أن تكون كما هي عند الخبراني، أو أنها استغرقته حتى باتت بعضاً من نصّة. يقول عن أبها، بعد أن بات عضوا في حزب المؤمنين بـ”سبْرتها”:

آمنتُ بِكْ، وبسَبْرَتِكْ

إذْ تفتَحينَ نَوافذَ الشِّعرِ العصية حينَ يدهمكِ المطرْ

يفترُّ ثَغرُكِ عنْ حَكَايَا الغيمْ، عَنْ سرِّ التفاتتكِ الأنيقة،

فاسكنيني يا مليحةْ

وتثنَّيْ غُصنَ بانْ

فاااااتناً كالخيزانْ،

سنغنيك لحون الليل دااااانْ

إيييييه أبها، أنتِ أحلى من خيالاتي وأشهى

أنتِ أبْهَى!!

هنا، ليس لقارئ أن يلوم عطية على أن مد قلمه إلى “سبرة أبها”، أو تجاوزها لطعم خيالات القصيبي، لأن الخبراني يغني، ولا يحق لأحد أن يمنع أحدا من الغناء الجميل.

أستشرف أنْ أرى عطية بعد عشر سنوات يحلق بين الأرضين والسماوات..

لكم، وله الحب.

>

شاهد أيضاً

مجلس الشورى يعقد جلسته العادية الخامسة من أعمال السنة الثانية للدورة التاسعة

صحيفة عسير ــ واس عقد مجلس الشورى اليوم الاثنين، جلسته العادية الخامسة من أعمال السنة …

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com