** لاتُذكر الحضارات والمدن التاريخية والشواهد الأثرية إلا وتُذكر عاصمةُ الشام ومهوى أفئدة العلماء والعوام ومركز الإشعاع الثقافي والتاريخي على الدوام .. تلك هي دمشق الفيحاء واحدة من أعظم مدن الشرق كما قال الشاعر :
جزاكمُ ذو الجَلال بني دمشق … وعزُّ الشرق أولهُ دمشقُ
** دمشق التي لطالما ألهمت الشعراء وأسرت الكتاب والأدباء وخرجت لنا العلماء والأتقياء وكانت منبراً من منابر العلم والأدب والثقافة .. دمشق ذات التاريخ الأقدم حيث نشأت قبل مايزيد عن تسعة ألآف سنة قبل الميلاد واحتضنت من الحضارات والأمم المتعاقبة ما تمتلئ به كتب التأريخ بل إن – ابن عساكر – ألف كتابا أسماه ( تاريخ دمشق الكبير ) وهو كتاب ضخم يقع في ثمانين مجلداً كتب فيه عن دمشق وتاريخها وذكر فضلها ، وتسمية من حلها من الأماثل ، أو اجتاز بنواحيها من وارديها وأهلها ، وترجم فيه لعلمائها وأدباءها وأمراءها ..!!
** ولدمشق تاريخ حافل منذ بزوغ فجر الإسلام ويكفيك ذكر جامعها الأموي الفخم والذي اكتسب شهرة بلغت الآفاق وظل طوال قرون جامعة إسلامية ومنارة ثقافية ومعلماً عمرانياً شاهداً على حقبة حضارية مجيدة من تاريخ العالم الإسلامي ولايزال حتى يومنا هذا من أشهر الجوامع على مستوى العالم الإسلامي .
** واليوم أكتب عن الشام – وهو اسم من اسماء دمشق – وهي ترزح تحت وطأة القهر والظلم والجور ..أكتب في مخيلتي ساحة الأمويين وقد تحولت نوافيرها الجميلة إلى شلالات من الدم والدموع..أكتبُ وقد تحول متحف دمشق الوطني إلى ثكنة تُصدر القصفَ والخوف والألم .. أكتب وقد أضحى خان أسعد إسماعيل العظم في دمشق القديمة ( خرابةً) شبه مهجورة بعد أن هجره الدمشقيون كَرها ..أكتب وقد خلت المكتبة الظاهرية – التي بناها الظاهر بيبرس – من روادها ولم يعُد يبدد صمت جدرانها سوى اهتزاز إنفجار سيارة مفخخة أو دوي رصاصة طائشة.. أكتب عن قاسيون وسوق الحميدية وسوق مدحت باشا والميدان وغيرها الكثير من معالم الشام العتيقة التي تغيرت ملامحها تحت وطأة القصف والقتل والتدمير..!!
** واليوم وكلما رأيت حال دمشق ( مدينة الياسمين ) البائس وهي ترزح تحت وطأة القتل والسلب والنهب ورأيت حالنا وعجزنا عن نصرتها أتذكر فاتحها الأول الصحابي الجليل والقائد العظيم خالد بن الوليد رضي الله عنه وأجدني أنشد أبيات نزار قباني الشهيرة :
يا ابنَ الوليـدِ.. ألا سيـفٌ تؤجّرهُ؟ …. فكلُّ أسيافنا قد أصبحـت خشـبـــا
دمشـقُ، يا كنزَ أحلامي ومروحتي …. أشكو العروبةَ أم أشكو لكِ العربا؟>