ثقافة المجتمعات تختلف باختلاف عادات وتقاليد شعوبها ، ولولا العلم لبقينا في كهوف الجهل نتخبّط ، وفي هذا الزمن بالتحديد انفتح العلم وأصبح التعلّم ليس بالصعب على الفرد ، بل وأصبحت المعلومة بين يدي الباحث عنها بضغطة زر ، ولم يبقى إلا القليل من الأشخاص الذين لا يُتقنون التعامل مع التقنية الحديثة والأجهزة الذكية للحصول على المعلومة ، ولكننا مع الأسف الشديد ومع هذا الزخم من التقنيات المتعددة والمتنوعة لا نُتقنُ التطبيق لهذه الثقافة وهذا العلم الذي نتعلمه ولا نعمل به…!!
دعونا نُعرّج على ثقافة البيئة كمثال بسيط ، لنجد أن الكثير منا لا يُجيد فن التطبيق لهذه الثقافة المفقودة في مجتمعنا..!! كثيرٌ منا يشاهد مشاهد مؤسفة بل مؤلمة إن صح التعبير لبعض قائدي المركبات وهو يقود مركبته في الطريق ، وبكل استهتار ولا مبالاة يرمي قارورة زجاجية أو علبة فارغة مع نافذة السيارة في الشارع دون اكتراثٍ لما ستُحدثه من آثار سيئة وأضرار سلبية ، وتراها تتدجرج من أمامك ، بل في أحيانٍ كثيرة قد تؤثر على مركبتك أو مركبةٍ مجاورة..!! وهذا المنظر مُثيرٌ للغضب وغير حضاري وسلبي في ذات الوقت ، وينُمُّ عن ثقافة وعقلية ذاك القائد..!!
مثالٌ آخر: كثيرٌ من مجتمعنا السعودي سافر إلى خارج البلاد إما للدراسة أو للسياحة أو للعلاج أو للتجارة أو غير ذلك ، وتجده في تلك البلاد (رجلٌ آلي) إن جاز لي التعبير ، في الطرقات بالتزامه بالأنظمة والقوانين بل وكأنه يُقدّسها..!! وإذا وطأت قدماه ثرى هذه البلاد المباركة تجده ينقلب عربيداً مشاكساً في الطرقات متجاوزاً الأنظمة مضايقاً هذا وذاك ، ومستخدماً منبّه السيارة في كل زمان ومكان دون مراعاة للمرضى أو ساكني الأحياﺀ ، ويدٌ ممسكةً بالمقود والأخرى بجواله لا يفارقه طرفة عين ، كل هذه المخالفات منتشرة في أغلب شبابنا ، والواقع شاهدٌ على ذلك..!! ونسأل الله لنا ولهم الهداية والصلاح..
قِس على ذلك أمثلة كثيرة وجملةً من المخالفات التي تتكرر مشاهدها يومياً ، منها السرعة الجنونية والتجاوز الخاطئ وغيرها من المخالفات ، والمقال لا يتسع لسردها ، ولكنني عرّجت على بعضٍ منها للتوضيح فحسب..!!
فالثقافة تلعب دوراً هاماً في تشكيل طريقة السلوك وتصرفات الفرد ، ويكتسب هذه السِّمات من الأسرة التي ينشأ فيها فهي سِمات مكتسبة لا وراثية ، ومن المنزل تبدأ تلك الثقافة في الانتشار إما بالسلب أو الإيجاب..!!
أذكر مثالاً واحداً كشاهدٍ على ذلك وهو أنّ ابني “أسامة” وفقه الله وسدده ، شاهَدَ مني سلوكاً يوماً ما ، وهو أنني أضع كيساً صغيراً فارغاً في سيارتي الخاصة ، فكلمّا هَمَمْت برمي ورقةٍ أو أي بقايا ، كنت أضعها مباشرةً في ذاك الكيس ، وبعد فترة ليست بالطويلة رَكِبتُ معه في سيارته الخاصة فتفاجأتُ بوجود كيسٍ صغير مُعلقاً داخل سيارته..!!
فلا عجب فقد أصيب ابني بالعدوى.. نعم عدوى..!! ولكنها ولله الحمد عدوى إيجابية ، فكما أن هناك بكتيريا ضارة فهناك بكتيريا نافعة ، فمن ثمرات تلك العدوى الإيجابية أن زملائه شاهدوا تلك الطريقة في سيارته فقاموا بتقليده ، وانتشرت العدوى وتلك الثقافة بين زملائه ، ولعلها تنتشر في أوساط المجتمعات الأخرى.
وأتمنى من كل مُربّي أن يبثها في كل المجتمعات ، لكي نُحافظ على بيئتنا ، ونساعد عُمّال النظافة في نظافة بيئتنا ووطننا الذي نعيش بين ظهرانيه..!
لماذا دائماً نبقى على ثقافة محدودة ، ونرفض التغيير إلى الأفضل..!!
لماذا لا نطوّر من ذواتنا..!!
لماذا لا نستفيد من ثقافات الشعوب الأخرى نحو الأفضل والأميز..!!
كي نعيش في أمن وأمان وراحة واطمئنان ، بعيداً عن الأمراض والمشاكل والفوضى العارمة..!
يجب على العُقلاﺀ أن يأخذوا بأيدي سُفهائهم إلى برِّ الأمان ، وأن يكونوا قدوات حسنة لهم كي يقتدوا بهم..!
وقد أعجبتني حكمة قالها أحد الحُكماﺀ في هذا العصر وهي: (مهما أكثرت على ابنك من النصائح فإنه يأخذ: القليل من قولك ، والكثير من فعلك)..!!!
فكّروا أيها العُقلاﺀ جيداً في القدوة فإنها أبلغ من ألف مجلّد..!!
أخيراً لا ننسى أن ديننا الحنيف حثّنا على كُلّ حَسَن ، ونبينا عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم خيرُ قدوة للمسلم المثالي ، فلم يترك خيراً إلا ودلّنا عليه ، ولا شراً إلا ونهانا عنه صلوات ربّي وسلامه عليه.
بقلم الاعلامي_ توفيق الاسمري>