صحيفة عسير: فايع عسيري
تباعاً لما سبق في الحلقتينِ الأولى والثانية من ملوك التبابعة هذه
الحلقة “الثالثة ”
من تحقيقات / محمد بن عامر المحبّي في ملوك التبابعة حكام اليمن
حمداً لله تعالى كما يجبُ علينا من حمده وتعظيمه..وبعد
فقد تختلف هذه الحلقة عن سابقتيها من حيث وجود حكام لليمن من خارج بلاد اليمن وقد يتسأل
البعض عن كيفية تواجد الأحباش أو الفرس في أرض اليمن ولهذا أقول:
أن القصة أصبحت متلازمةً مع ما قد ورد في سياق الحلقتين السابقتين وخاصة الحلقة
الثانية حيث أن الملك رقم ( 22) وهو تبع بن حسان بن بجيلة
- الذي سار إلى يثرب بعدما أستنجد به مالك بن العجلان الخزرجي
من جور الفطيون الذي جار على الأوس والخزرج وظلمهم بحرب يهود
بني قُريظة وبنو النظير وبنو القينقاع
في عهد عمرو بن طلحة الخزرجي…
والملك تبع هو الذي عاد إلى اليمن ومعه أحباراً أو حبران من اليهود الذين انتشرت ديانة
اليهودية في أرض اليمن بسببهما. حتى تفرق اليمن على ملوك ومخاليف وحتى قتل
ذو نواس الخبيث لخنيعة ذي شناتر.
هذا و للعلم إن ذو نواس هو الذي خد الأخدود لإهل نجران كونهُ
على دين اليهودية وأهل بنجران على الديانة النصرانية أنذاك؟
من عهد عبد الله أبن الثامر والمسيحي فيميون كما تقدم في الحلقتين السابقتين
والرجل الذي كان من بين الناجين من أهل نجران هو دوسُ ذو ثعلبانِ الذي ذهبَ إلى قيصر الروم يستنجده فلم ينجده ولكنه كتب
له قيصر كتابا إلى النجاشي على أثره جهّز له جيشاً قوامه70 ألفوأمر عليهم إرياط (31) وهو أول الحكام الحبشيين في هذه
الحلقة والذي ولي اليمن مدة 4 سنوات حتى نازعه (32) أبرهة الأشرم حتى كادت تندلع حرب بين الأحباش
في اليمن فقال الأشرم لا ارياطاً لئنك أن حاربت بين جنود الأحباش على أرض
اليمن لم تكن قائداً حكيماً ولكنك أبرز لي وأبرز لك فأينا ظفر بالأخر فهو يقود الأحباش؟
فقال ارياط أحسنت وبعد ذلك ألتقيا في الميدان ولم يابه أو يهتم ارياطاً با أبرهة
الأشرم بينما الأشرم قد خهّز أحد الجنود المخلصين له وهو (عتودة)
وعند اللقاء ضرب ارياطاً الأشرم بالحربة فشق جبهته وأنفه وشفتيه وبتلك سمي الأشرم . وبعد ذلك جهزَ
الجندي عتودة على ارياط وطعنه وأرداه قتيلاً وظفر الأشرم بقيادة الحبشيين في اليمن
** فلما بلغ الأمر النجاشي ملك الحبشة حلف يميناً إنه ليطأ تراب اليمن بقدمية ويقص ناصية الأشرم
الذي خرج على والي النجاشي (ارياط) وعند بلوغ الأمر أبرهة الأشرم:
قام أبرهة الأشرم بجمع تراباً من أرض اليمن وقص شعر ناصيته وكتب كتاباً إلى النجاشي
ومما قال فيه:
لقد أختلفنا في أمرك أيها الملك وكنت أولى وأصلح لجنود الحبشة من رياط وكادت تصير حرب في أرض اليمن بين الأحباش
فطلبت من صاحبي أن يبرز لي وأبرز له فأينا ظفر بالأخر فهو الذي يقود الأحباش وبهذا ظفرت بصاحبي
وها أنا اليوم أبعث لك أيها الملك بجراب من تراب اليمن لتطأه بقدميك وانت على عرشع!
عرشك وكذلك أبعث إليك بشعر ناصيتي وأنت بين أهلك ووزرائك لتفعل بشعر ناصيتي
ما شئت ثم قال .وكل هذا براً لقسمك وإجلالاً لكرمك …
فعجب النجاشي بتصرفات أبرهة الأشرم فأمّرهُ على اليمن وبقي أبرهة يحكم اليمن
حتى بناء القليس أي الكنيسة التي أراد أن يجعل الناس يتجهون إليها
بالعبادة بدلاً عن البيت والكعبة المشرفة فلما بلغ الخبر كنانة وقريش غار رجلٌ من بني
كنانة من ضواحي مكة المكرمة وغاض من هذا التصرف فذهب إلى اليمن حتى
بلغ القليس فمكث فيها حتى توارى الناس عنه ثم لطخها بالعذرة ثم فرّ عائداً
إلى ضواحي مكة وعند بلوغ الخبر أبرهة الأشرم حلف إنه سيقوم بهدم الكعبة
المشرفة وجهّز الجيوش والفيلة فغضب الناس من سؤ صنيعه وعمله
فتعرض له ذو نفر وهو أحد حكام بلاد اليمن الشرقية وقاتله ولكن أبرهة هزم
ذو نفر وجيشه وأسره وأستمر في طريقه إلى مكة فتعرض له نفيل بن حبيب أمير خثعم بجيش من خثم وناهس
فقاتله ولكنه أنهزم أيضاً وأصبح أسيراً ثانياً في يد أبرهة الأشرم وأستمر
أبرهة في طريقه حتى بلغ سراة الطائف وخرج إليه مسعود بن متعب بن مالك بن كعب بن عمرو بن
سعد بن عوف بن ثقيف أمير ثقيف ومعه جمعٍ من ثقيف فقالوا للآشرم
إن البيت الذي تُريدهُ ليس عندنا وإنما هو بمكة وليس هذا البيت
- فتجاوز عنهم وبعثوا معه دليلاً يُدلّه على مكة والكعبة وهو أبا رغال الثقفيالذي ذهب
مع أبرهة وجيشه حتى بلغ مكاناً يُسمى (المغمّس) ثم مات
أبا رغال هناك وتقدّمَ الأشرم نحو مكة ثم بعث قبيلاً من قومه بقيادة الأسود بن مقصود الحبشي إلى مكة ليتحروا أخبار
أهلها وقد استاقوا من أموال أهل تهامة من قريش وكنانة وغيرهم وصاب فيها مائتي
بعير لعبد المطلب فلما بلغ الأشرم ضواحي مكة أرسل أحد
الساسة وهو حِناطة الحميري ليأتي بسيد قريش وشريفهم وكان سيّدهم أنها
/عبد المطلب بن هاشم وهو جد الرسول صلى الله عليه وسلم فلما قدم حُناطة
- إليه قال إن الملك يدعوك ويقول إننا لم نات لحربكم
وإنما لهدم هذا البيت وأمرني أن أتي بك إليه فذهب عبد المطلب مع حِناطة فلما وصل
إلى الأشرم كان ذو نفر في الأسر وهو صديقاً حميماً لعبد المطلب فأوصى به خيرا إلى
سائس الفيلة الذي يُسمى (أُنيس) وعظّم عليه حقه فاستأذن له بالدخول على
أبرهة فلما رآه الأشرم أجله وأكبره وأكرمه وكره أن يجلسه دونه وكره أن يجلسه
على كرسيه فيعيبوا عليه الأحباش ذلك ولكنه فرش بساطاً على الأرض وجلسا عليه سوياً وقال :
أبرهة لترجمانهِ أسالهُ ماذ يُريد فقال عبد المطلب أريد أنا وقومي أن نفتدي هدم البيت بثُلثِ أموال أهل تهامة فأبى الأشرم فقال عبد المطلب بِثُلثي أموالنا فأبى الأشرم فقال عبد المطلب لنا 200 أو 250 بعير قد أصبتموها لي ولقومي وأنا ربي أبلي وللبيت ربٍ يحميه . أريد
أموال قومي فقال أبرهة لترجمانه لقد أجللته وأكبرته ثم زهدت فيه عندما سألني مائتي
بعير فعرف عبد المطلب القصد فكرر عبد المطلب قوله إني أنا رب الإبل إما البيت فله ربٍ يحميه ويمنعه منك فقال؟
أبرهة ومن يمنعه مني ثم رد على عبد المطلب الأموال وقيل إنه قد دخل مع عبد المطلب إلى أبرهة يعمر بن نفالة بن عدي سيد بني بكر وخويلد بن واثلة سيد هذيل
وعرضوا على أبرهة الأشرم ثلث ثم ثُلثا أموال تهامة على أن يرجع عن هدم البيت فأبى قيل
فأنصرف عبد المطلب إلى قريش فأخبرهم وأمرهم بالخروج من مكة والتحرز في رؤوس
الجبال ثم قام عبد المطلب ومعه نفرٌٍ من قريش وأخذوا بحلقِ باب الكعبة ودعاء عبد المطلب هو قومه واستنصروا الله تعالى…
وكان نُفيل بن حبيب أمير خثعم أسيراً مع ذو نفر
لدي أبرهة فأقبل نفيل حتى قام إلى جانب الفيل وأخذ بإذنه وقال أبرك محموداً وأرجع راشدا من حيث أتيت فإنك في بلد الله الحرام
- فبرك الفيل ولم تكن الفيلة لتبرك فأخذوا يضربونها بالطبرزين والسياط فأمتنعت
الفيلة فوجهوا الفيلة راجعة نحو اليمن فقامت مسرعةً وكلما وجهوها نحو مكة والبيت
امتنعتْ ! وكلما يوجهونها لجهة أخرى استجابت ثم بداء التقهقر والانحلال
بأمر الله تعالى في صفوف جيش أبرهة ثم أخرج الله تعالى عليهم طيراً أبابيل من البحر
مِثال الخطاطيف. والبلسبان
مع كل طائرٍ منها ثلاثةُ أحجار يحملها مثال الحمّص حجر في
منقاره وحجران في رجليه لا تُصيب أحدٍ منهم إلا هلك وقيل إنها تُصيب الرجل
في رأسه وتنفذ من دبره قيل وصيب أبرهة في جسدة بالجذام وخرجوا به إلى اليمن
وهي تساقط أنامله الواحدة تلو الأخرى قيل وكانت قصة الفيل في أول محرّم سنة 886
من تاريخ ذي القرنين الثاني وهو إسكندر بن فلبس المقدوني
الذي يؤرّخ له الرومان قال ابن إسحاق فلما هلك أبرهة , وملك من بعده ابنه
اليكسوم (33) بن أبرهة مدة غير معلومة ثم ملك من بعده أخيه
(34) مسروق بن أبرهة مدة غير معلومة وفي عهده طال البلاء على أهل اليمن من الأحباش فخرج البطل
(35) /سيف بن ذي يزن بن ذي أصبح بن مالك بن زيد الحميري وهو من بني الهميسع بن
العرنج ويكنّى ب أبا مرة الذي ذهب إلى قيصر الروم ليستنجده على الأحباش فلم
ينجده فذهب إلى النعمان بن المنذر عامل كسرى على الحيرة وما يليها من أرض العراق فلم
ينجده ولكنه قال له؟ إن لي على كسرى وفادة في كل عام فأقم عندي حتى ذلك الحين
فمكث سيف عند النعمامن حتى خرج معه فأدخله على كسرى وكان لكسرى في
الإيوان تيجان عظيمة؟ معلقة بسلاسل ينتهي إليها مقعده فلا يراه أحد إلا هابه ورهبه
فلما دخل سيف طأطأ؟ رأسه فقال كسرى إن هذا الأحمق يدخل علياّ من هذا الباب
الطويل يُطأطئُ رأسه فعندما؟ سمع سيف كلام كسرى قال إنما فعلتُ ذلك لهمي وغمي وطول
بقائي حتى أفدُ إليك فقال كسرى:
وما همك قال سيف :
غلبت علينا الأغربة قال كسرى:
أي الأغربة !
الحبشة أم السند! قال سيف :
بل الحبشة
* فجئتك لتنصرني ولك ملك بلادي فقال كسرى بعدت بلادك مع قلّة
خيرها ثم أجازه بعشرة ألاف درهم وكساه كسوةً حسنةً فلما قبض سيفاً للعشرة
ألاف درهم خرج من مجلس كسرى فجعل ينثُر الدراهم للناس فبلغ ذلك الأمر
إلى كسرى فقال إن لهذا لشاناً ثم بعث إليه فلما عاد سيف قال له كسرى:
لما عمدت إلى نثر عطائي للناس فقال سيف وما أصنع به فما جبال أرضي التي جئتُ
منها إلاّ ذهباً وفضّة فجمع كسرى مرازبته ثم قال لهم ما ترون في أمر هذا الرجل!
فقال قائل منهم إن في سجونك أيّها الملك رجالاً قد حبستهم للقتل فلو بعثت بهم مع
هذا الرجل فإن يهلكوا فكان ذلك ما أردت بهم وإن ظفروا أزددت ملكاً
إلى ملكك وأرضاً تطلُ على الأحباش والنوبة ..
فبعث كسرى 800 مائة رجل في ثمان سُفن وقيل 8000 ألاف !
وأستعمل عليهم (وهرز) قيل فغرقت سفينتان في مياه البحار ووصل إلى ساحل عدن 6
سفن و600 مقاتل من الفرس ثم جمع سيف ذو يزن إلى وهرز من أستطاع من قومه
وقال رجلي ورجلك حتى نموت جميعاً أو نظفر فقال له وهرز أنصفت وخرج مسروق
بن أبرهة بجنده فأرسل وهرز جمعاً بقيادة ابناً له ليقاتلهم فقُتل ابن وهرز فزاده
حنقاً على الأحباش ثم تواقف الجمعان على مصافهم ودار القتال فقال وهرز ما
إمارات ملكهم فقالوا رجُلاً على الفيل عاقداً تاجه على رأسه وبين عنقيه ياقوتةٍ
حمراء فقال أتركوه ثم تحوّل مسروق على فرس فقال وهرز أتركوه ثم تحول على
بغلة قال وهرز أتركوه ثم وتر قوسه ورما مسروق وقتله وانهزمت الأحباش
وهكذا تننهى هذه الحلقة بعد أنتها ملك الأحباش لليمن
بدايةً بارياط رقم (31)
ونهايةً بمسروق بن الأشرم رقم (34)
وحتى نلقاكم في حلقة أخرى مع رقم (35) المشترك بين
سيف بن ذي يزن ووهرز الفارسي والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته,,
/ ومن مصادر الحلقة أعلاه/
(1) البيت الذي عند الثقفيين هو اللات أنظر من ص139 – ص157 ج3
البداية والنهاية لبن كثير تحقيق الدكتور/ عبد الله
بن عبد المحسن التركي مصدر سابق كذلك من ص195 – ص
205 ج1 من تاريخ اليعقوبي/لأ أحمد بن أبي يعقوب بن
جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي
(2) قرآتُ ( حِناطة : حُناطة ) مِراراً مجروراً بالكسرة تحت
حرف الحاء ومِراراً مرفوعاً بالظمّة تحت الحاء,
(3) ذهب نُفيل إلى أحد الجبال ورى الفيل الذي أسمه محمود
وهو يبرك وليس من شأن الفيلة أن تبرك 147ج3
البداية والنهاية مصدر سابق ولم يذكر في هذه الحلقة ملوك: وإنما كان الحديث عن.
قصة أبرهة الأشرم وسيأتي ذكر بقيّة الملوك لاحقاً,
(4)الخطاطيف(خ ط ف ) جمع خطاف طائر أسود والبلسبان يُعتقد إنها
الزرازير والزرازير جمع زرزور: 147 ج3
البدية والنهاية مصدر سابق
(5) البداية والنهاية المصدر السابق
(6) أنظر من ص167 -170 ج3 البداية والنهاية مصدر سابق
- تاريخ اليمن القديم مصدر سابق ,,
(7)الأسماء والأرقام من ارياط إلى اليكسوم /من 31 – 35
المشترك بين سيف ووهرز تؤضح ملوك
اليمن في هذه الحلقة ولكن سيف ذي يزن مُستنجداّ
بالفرس فكان الملك لوهرز المتقدم ذكره وهو فارسي>