في ليلة الخميس العاشر من شهر صفر 1438 فقدنا شيخا صالحا وعالما زاهدا وقاضيا عادلا وقائدا محنكا وأخا سندا وأبا مربيا وجدا عطوفا وعما رحيما وجارا واصلا وصوت حق لاتأخذه في الله والحق لومة لائم ألا وهو عمي فضيلة الشيخ أحمد بن عبدالله بن ناصر الألمعي رحمه الله والذي اصطفاه ربه إلى جواره وكلنا أمل أن يبدله ربه جنانا ودارا خيرا من داره وجارا خيرا من جاره وأهلا خيرا من أهله ،حزننا كبير ، ومصابنا جلل ، وفقدنا عظيم ، فقد كان رحمه الله قدوة لنا ونبراسا نهتدي به في كل مرحلة من مراحل حياته وفي كل لحظة تجمعنا به ، فمنه رحمه الله :
_ تعلمنا الكفاح وتحمل المسؤولية حين علمنا أنه خرج من كنف والده صغيرا ليلتحق بالسلك العسكري في جيزان ويعين والده على مصاريف الحياة وعيشها.
_ تعلمنا وضع الهدف والسعي لتحقيقه وتحدي الصعاب ففي جيزان بدأ تعليمه مُجِدا مجتهدا حتى حصل على شهادته الابتدائيه وبعدها أخذ يتنقل من جيزان إلى شقراء، والرياض رغم صعوبة التنقلات في ذلك الزمان إلى أن حصل على الشهادة الجامعية في كلية الشريعة وعين قاضيا في أبها .
_ تعلمنا منه حسن اختيار الصحبة وحسن التعامل مع الآخرين ففي أبها إلتقى بعدد كبير من القضاه وصحب ولزم منهم الشيخ إبراهيم الحديثي الذي اعتبره إبنا له وأخا لابنه الشيخ محمد حفظه الله فساندهما في بناء شخصيتهما وحنكتهما وفراستهما القضائية والحياتية .
_ تعلمنا منه رحمه الله عدم الجزع والرضا بقضاء الله وأداء دورنا في الحياة بلا انهزام فقد رافق تخرج عمي وتعيينه في القضاء حدث مؤلم وفقد كبير فقد توفي والده رحمة الله عليه و كأنه آن الأوان ليكون الشيخ الشاب هو كبير الاسرة وقائدها وبالفعل برزت شخصيته للجميع وأظهرت المواقف رجاحة عقله وحكمته وتوازن فكره حتى صارت القبيلة خاصة وكافة قبائل عسير تستنير برأيه وتستشيره وقد بقي هذا حاله طيلة حياته رحمه الله .
_ تعلمنا منه الحزم في الحق بلا تردد ولا مجاملة وذلك من ورعه وتقواه رحمه الله حتى أن كثيرا من أقرانه كان يقول إن حزمه يؤثر في قراراتهم الشخصية لثقتهم دوما بصواب رأيه .
_ تعلمنا منه اتباع السنة في التعامل مع الأسرة فقد كان نموذجا حيا وعمليا لقوله عليه الصلاة والسلام “خيركم خيركم لأهله… الخ” فقد كان حنونا ودودا مع أبناءه وأحفاده يداعبهم ويلاعبهم ويسأل عن مريضهم ويودع مسافرهم ويستودع عند الله دينهم وأماناتهم وخواتيم اعمالهم .
_ تعلمنا منه حب الأدب والثقافة كان مجلسه لا يمل وكان يعرض تجاربه بأسلوب أدبي راق وبسيط نستفيد منه كثيرا فهو يعلم متى يتكلم ويعلم متى يصمت ولا يتدخل فيما لا يعنيه أبدا فإذا سئل في أمر أجاب بما يراه صواب بلاتردد .
_ تعلمنا منه الورع وعدم التجرأ على الفتيا فقد استفتيته مرارا في أمور لها أصول وأدلة واضحة في الكتاب والسنة وهو أهل لأن يستفتى لكنه كان يأبى أن يفتيني ،ويحيلني للمفتي حتى يعلمني أن آخذ الفتوى من منبعها .
_ أكرمني الله بلقاءه قبل وفاته بليلة ولم أكن أعلم أنها لحظة الوداع فلم يكن عمي رحمه الله يعاني من أي مرض في هذه الفترة بل على العكس في يوم وفاته شارك أهله وأصحابه وجيرانه أفراحهم ومناسباتهم في الغداء والعشاء وعاد لمنزله مسامرا لأهله ثم قارئا في كتابه إلى أن حان موعد لقاء ربه ليختم عمله وقوله في دنياه بنطق الشهادة مرارا وتكرارا .
عزاؤنا أنه كان رجلا يشهد له كل من عرفه بالصلاح والتقى والابتسامة والبشاشة وكلنا ” من شهود الله في أرضه “
_ عزاؤنا أننا نحسبه عند الله في عليين .
_ وعزاؤنا أنه من المتصدقين وممن نشروا العلم النافع وله ذرية صالحة نوصيهم بالدعاء له فقد قال رسولنا الكريم “إذا مات ابن ءادم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له” وارجو الله أن يجمعها لعمي رحمه الله .
_ أخيرا غفر الله ذنبك ياعماه وجعلك من المصطفين الأخيار وأدخلك الجنة مع النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولائك رفيقا .
إنا لله وانا اليه راجعون ولاحول ولاقوة الابالله .
بقلم /الأستاذ: مريع علي عبدالله الألمعي. >