لست مستمسكا كثيرا بتلك القصبة أو القصبات المماثلة التي تتساقط تباعا إلا بمقدار التنببه إلى أهمية احتفاظ المنطقة بشيء من هويتها الثقافية في ظل تمدد حضاري ومدني قد تكون له جنايته على ثقافة المنطقة. المعطيات الآثارية التي تعبر عن سمت المكان وتاريخه أرى التواصي بالاهتمام بها والحفاظ عليها، وحين نؤكد على القصبة تحديدا التي محيت بأمل أن تعاد هيكلتها فإني أعتبرها هنا رمزا ثقافيا لغيرها مما يجب المحافظة عليه.. ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد كنت ولازلت أحب أن أصلي في جامع الملك عبدالعزيز وقد عملت عليه شركة رائعة لعبت على التراث العسيري فجعلت الإضاءة في النهار تقدم من خارج المسجد مرورا بنوافذ تتزين بالمعطى العسيري بصورة مريحة قد لا تحتاج معها لأنوار مصطنعة، وهي تدفع للخشوع والتأمل، وفي الليل تنعم بإضاءة صفراء كأنها الفوانيس القديمة ترى خيالك يمشي في الجدار..لكني زرته قبل فترة لأجد الخيال قد طار وقد انقلب الليل كالنهار .علل لي بعضهم حين سألته بأنه ربما يخشى من تلك الإضاءات الصفراء أن يكون فيها تشبه بالمعابد…!!
أروع تمثيل للحداثة من وجهة نظري هي تلك التي تنطلق من معطيات المكان أو تتأسس من القديم باتجاه بناء الحديث .. ومن هنا يمكن أن نفهم قول الله تعالى: “ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون”. والإسلام في فلسفته المنطلقة للأمام بني على مكارم الأخلاق الإنسانية قبله وزينها برؤيته المتجددة يفسرها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق” .
لذا يحسن بالقائمين على تنمية عسير أن تكون تلك الرؤية ماثلة أمامهم ؛فننطلق من معطيات المكان باتجاه التماس مع أدق معطيات التحديث.
خروج:
على مقربة من جامع الملك عبدالعزيز يحل (متحف عسير الإقليمي ) لوحة ظاهرها ينقل أملا ووعيا بماهية العمل الثقافي الذي نتأمل.
>