ظلت قفزة عضو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في العاصمة «الرياض» قبل أيام، حديث المجتمع السعودي ومادته الدسمة، والعقلاء مقتنعون بأن القفزة خاطئة متهورة ودليل صريح على أن جهازنا الحبيب يضم أفراداً لم يستوعبوا بعد أن الأمر بالمعروف مقدم على النهي عن المنكر، ودفنوا الحكمة والموعظة الحسنة بمزاجهم المتقلب، وآمنوا ذات طيش وسفه أن الإكراه على الإيمان والفضيلة يصنع إنساناً مؤمناً وفاضلاً.
أشكر الهيئة اليوم لأنها تبنت إصدار بيان توضيحي في ظرف 24 ساعة وبهذه السرعة المتناهية، دليلاً على أنها باتت تقف مباشرة مع الحدث وتتصدى للمآزق الحقيقية بلا «رتوش» أو تأجيل لسطر يكون متعسر الهضم والاستيعاب حين يأتي بعد بضعة أشهر، أحياناً قول الحقيقة وإن أوجعت يشعر المجتمع المستاء من التصرفات والاندفاعات بأن هذا الجهاز يخطئ كما يخطئ غيره، وليس جهازاً ملائكياً يستوجب منا أن نبلع أخطاءه وندافع عنها ونقسم أنه يعمل طيلة الأعوام الفائتة بدرجة متدنية جداً من الأخطاء والتجاوزات والقفز على الصلاحيات وحدود المسؤولية، كما قفز العضو المتحمس على المواطن البريطاني وزوجته.
ينسب بعض المتابعين حضور الهيئة الأخير الشفاف إلى رئيسها الراغب في تحسين الصورة، وأن يكون الجهاز إضافة إلى رصيدنا التوعوي والسلوكي، ولا يحرجنا بما هو صادم من بعض أفراده المندفعين، كمشاريع المطاردة واستعراض العضلات وإظهار حدة الحبال الصوتية، وأعلم يقيناً أن المتعاطفين مع أخطاء الهيئة سيقولون كالمعتاد، إن المنتقد لهذه الأخطاء ومقدمها بوصفها كارثية يحسب من الأعداء ومن في قلوبهم مرض وأولئك الذين يحبون أن تشيع المنكرات، وأقول لهم: إن الفاصل بيننا هو الفعل نفسه، فمن كان مؤيداً ومشجعاً له ومعتقداً بأنه فعل جميل جاذب تفرضه أدبيات الوظيفة وأخلاقيات الدين، فهنا سيكون مناسباً لأبي حنيفة أن يمد قدميه، ومن كان ضد الفعل ومؤمناً بأن السكوت عن الأخطاء وتمريرها لا يصنع الحب بين الجهاز والمجتمع، فليبارك أية خطوة شجاعة في الاعتراف بالخطأ ووضع النقاط على الجروح قبل الحروف.
أعرف أن رئيس الهيئة الحالي لا يحبه الذين اعتادوا أن يتحركوا من خلال هذا الجهاز كيفما يشاؤون، والكارهون للتغيير أو التدقيق في تجاوزاتهم، والمتكئون على جماهيرية عاطفية، ولكن ما ننتظره منه وهو الراغب – قولاً وفعلاً – في التغيير أن يتحمس للتصدي لقضاياه المحلية بالسرعة والشفافية والعقوبات ذاتها، وإسكات من يقول إن الحماسة والشفافية ولدتا فجأة لأن الطرف الآخر في مباراة القفز «بريطاني الجنسية»، ولو كان سعودياً لكانت بيانات الهيئة خليطاً من التحقيق والمتابعة والتثبت، ومن ثم البراءة، أحلم معه بأن يدقق في خط الوسط أكثر من خط الدفاع الثقيل أو خط الهجوم المتهور، وسأحاول التفكير سريعاً فيما لو أن الحادثة لم توثق بالفيديو، فهل ستعبر قفزة «الرياض» بسلام وتختصر في جملة «إن هذا ما كان يتطلبه الموقف»؟ برأيي أنها ستعبر بسلام وبمعية الجملة الشهيرة «امسحوها هذه المرة بلحانا ووجوهنا»!
علي القاسمي>