هو الأمير وابن الملك وحفيد الملك، ومع ذلك اختار له لقبا يشبه نفسه، لا لقبا يشبه نسبه.
هو (المحروم ) والذي عندما قرأت نبذة مختصرة عنه لأول مرة، أخذت أسأل نفسي : كيف هو أمير ومحروم؟!
ومما هو محروم منه ياترى؟!
لم أجد الإجابة إلا بعدها بسنوات طويلة. عرفت بعدها أن الحرمان شعور داخلي لاعلاقة له بالحسب والنسب والمال والمنصب.
شاعرنا (المحروم ) هو الأمير عبدالله الفيصل بن عبدالعزيز آل سعود.
و هو أحد المنتمين إلى المدرسة الأندلسية وسائر على نهج شعرائها.
آخذ من تلك المدرسة رهافة الشعور، ورقة الألفاظ، وحسن التصوير، وروعة التخيل، و عمق العاطفة.
فجاء شعره، فيضا من الجمال، شعرا وشعورا.
تغنى بالحب وأبدع في الحديث عنه حتى بات يكاد يكون مرجعا للعشاق والمحبين من بعده، أو ليس هو القائل :
أنا وحدي في الوجد أخلف قيسا
في هوى غامر مديد الهبوب
أنا والحب توأمان خلقنا
وتلانا في العشق كل حبيب
ويمضي شاعرنا الفذ يحدثنا عن الحب و يبين لنا كيف تكون أحاديث العشاق، وماهي سيرته وكيف هي حياة العشق والعشاق فيقول :
وحديث العشاق لوم وعتب
ودلال ،ونظرة من رقيب
ويقول :
سيرة الحب لقاء وجفا
وعتاب واعتذار وسماح
وحياة العشق سهد وأسى
ولقاء عاصف مثل الرياح
ويهبنا شاعرنا المحب حكمة الحب الخالدة قائلا :
إن عين المحب تعمى عن السو
ء وقد تحسب الجفاء التئاما
وشاعرنا المحب يبين مواصفات المحبوبة التي لايرتضي لها بدلا فيقول :
يالائمي في ظمأي ، إنني
غريب أطوار الهوى في الدنا
أهوى جمال الخلق في غادة
تحفظ هاويها نأى أم دنا
وأرتوي من حب فاتنة
لغير من تهواه لا تجتنى
لها فم عن هفوتي صامت
وفي حناياها تضيء المنى
صابرةمهما يثيرها الجوى
تلجم في عفتها الألسنا
إنه يبين لنا جمال الحب وقيمته في الحياة، وخاصة في حياته هو بالذات فيقول :
ياحبيبي قل لي :أتشعر مثلي
بارتعاشات حبنا الغلاب؟
ياحبيبي هل أنت مثلي شجي
لايرى في الحياة غير ضباب؟
وإذا ماالتقت بعيني عينا
ك حسبت الوجود مغنى تصابي
فهو محزون معذب لايرى في الحياة شيئا جميلا ،لكنه سرعان ماتتغير نظرته الحزينة تلك للحياة بمجرد التقاء عينيه بعيني من يحب، فيصبح الوجود مكان فرح وسرور وتصابي.
ثم أنظر إلى هذا الجمال الكامل في هذه الأبيات (لفظا ،ومعنى، و تشبيها ) :
أترع الكأس من دنان عذابي
وأغني على أنيني الرتيب
أمل ضاع في مجاهل أمسي
وهوى شاب قبل المشيب
شيع الليل ساهدا يافؤادي
وصل الصبح بالضحى . . بالغروب
طوح اليأس بالأماني وولت
أمسيات الهنا وظلت دروبي
صفق القلب يوم عدت حبيبي
بعد طول النوى وليل المغيب
وإذا بالصدود يطوي الأماني
في حنايا معذب مغلوب
قلت من حسرة تعذب نفسي
ليت ماكان . . لم يكن ياحبيبيولايتوقف شاعر الحب والحرمان عند هذا الإبداع مكتفيا به فهاهو ينظم دررا أخرى في عقد الحب والحرمان ليكتمل فيقول في قصيدته (الصمت الناطق ) :
أحبك حتى كأن الهوى
تجمع وأرتاح في أضلعي
وأصبحت بعد الفراغ امرأ
صريع هوى جامح موجع
كأنك في أضلعي خفقة
تروح وتغدو وتحيا معي
وبالرغم من صدق عاطفة شاعرنا إلا أن ذلك لم ينجه من خوف وشك محبوبته في صدق مشاعره تجاهها فهي تسأله بتخوف قائلة :
لست أدري هل أنت مثلي مشوق
أم ترى أنت كاذب في الوداد
تتلهى بالحب بضع ليال
ثم تلقيه هامدا كالرماد
ولكن سرعان مايأتيها الجواب من شاعر الحب والحرمان فيقول :
ثم سارعت نحوها في ذهول
ليته لم يبن على حسادي
لأريها الجراح تترى بقلب
نازفات دما بغير اتئاد
و يوضح لمحبوبته سر ألمه من الحب قائلا :
يا ابنة الحب . . لو حملت فؤادا
قاسيا لاسترحت من آلامي
إنما . . والأسى يحدث عني
لي قلب في رقة الأنسام
ويبلغ إبداع شاعرنا ذروته وهو يصور لنا لحظة لقاءه بمحبوبته بطريقة تحبس الأنفاس فلننظر إلى ذلك الإبداع في التصوير وهو يقول :
أطل كالأنداء بعد الدجى
تنساب في مرج خصيب ندي
وكان ظني قبل ، لا نلتقي
مهما يطل صبري أو أسهد
ولم أكن أعرف كيف اللقا
وكيف أدعوه إلى موعدي؟
وفجأة لاح كحلم بدا
لعاشق هيمان لم يرقد
فكدت أنسى لحظة الملتقى
نفسي وأمسي والمنى في غدي
وكاد من فرط الجوى خافقي
يهجر أضلاعي ويغشى يدي
لما أستوت في كفه أنملي
مرتاحة بعد انتظار صدي
وفي قصيدته (ابنة الأحزان ) يحدث حبيبته التي يتشابه معها في الحرمان والأحزان فيقول لها :
وتشابهت أحلامنا في بؤسها
مابين حرمان وبين عتاب
حتى كأن الآه من ترديدنا
شدت عذابك في وثاق عذابي
ولكنه يستغرب منها خوفها وحذرها منه رغم هذا التشابه في الأحزان بينهما فيسائلها قائلا :
أو بعد هذا تركنين إلى الجفا
وتحاولين البعد عن محرابي
ثم يعود ليطمئنها بقوله :
لا . . يا ابنة الأحزان لا تتخوفي
من شاعر يهواك . . أو ترتابي
فإذا نأيت وطال هجرك إنما
تنأين بي عن صبوتي ورغابي
فمن التجني أن نلوذ بخيبة
وعلى مفارقنا انكسار غلاب
والحب لولانا توهم سادر
وسلافة من خدعة وكذاب
وهو بدوره كأي محب تعتريه المخاوف والشكوك في الحب فيقول :
أتحلف أنك لاتكذب
ولايحتويك غدا مهرب
أتقسم لاتعتريك ملال
ويخنق حبنا غيهب
حبيبي قل لي كيف ابتدا
هوانا وهل حبنا خلب
أم أنك ارتضيت الهروب
وأغضبتني حيث لا مغضب
أتنكر كم قلت لي باكيا
بأنك لي من دمي أقرب
وشاعرنا المحب الصادق يثور في وجه الكذب والخداع ويصور كم عانى من ذلك فيقول لمن كانت تتلذذ بتعذيبه :
كم تضاحكت عندما كنت أبكي
وتمنيت أن يطول انتحابي
كم حسبت الأيام غير غوال
وهي عمري وصبوتي وشبابي
كم ظننت الأنين بين ضلوعي
نغما تلتقيه بالترحاب
ورغم أنه شاعر الحب والحرمان إلا أنه يقول :
ياحبيبي أصبحت بالحب أشقى
شقوة الزهر بالمكان الجديب
ويقول :
ندمت على حبي ، ندمت على هوى
حسبت به ريا لمهجة صديان
وماكان لي منه سوى وهم عاشق
أضاف إلى المحروم آهات حرمان
لقد آلمه الحب وخيباته بشدة ليقول ذلك.
ولكنه بالرغم من كل تلك الخيبات إلا أن لديه قناعة وإيمانا تامين بأنه سينجح يوما ما في أن يجد له خدنا أليفا يبقى معه فيقول :
وسوف أبقى ظامئا دائما
حتى أرى خدنا لقلبي أليف
لابد للهيمان أن يلتقي
بما يرجي من هواه العفيف
فيرتوي من منهل سائغ
ممنع لم تدن منه الأنوف
ولشاعرنا طريقة بديعة في نسيان معاناته ولو مؤقتا فيقول:
فلم يعد للقلب من نشوة
ينسى بها الحرمان غير الرقاد
ويبدو أن شاعرنا تعتريه لحظات سأم من الحب ويحاول الهروب منه أحيانا فيقول :
قد سئمت الهوى وأحببت دمعي
فبدمعي ري لقلبي الحطيم
وارتضيت الهروب من عالم الح
ب هروبا من عذل وخصوم
وائدا بين أضلعي خفقات
لفؤاد محطم محروم
وبالرغم من حالات السأم المؤقتة هذه من الحب إلا أنه يقول أنه باق على الحب ولن يتخلى عنه حتى ولو ولى زمان الصبا بمحبوبته وتقدم بها العمر فيخاطبها قائلا :
لاتخش إن ولى زمان الصبا
فالحب بالأعمار لم يحفل
إني أرى فيك جمال الهوى
قد ينجلي العمر ولاينجلي
أهواك لا للحسن أزهو به
زهو صوادي الطير بالجدول
وإنما أعشق فيك الإبا
وأكتفي بالأحسن الأفضل
ويفند شاعرنا مقولة (أن الحب بالبعد يزداد قوة ) فيقول :
يقولون إن الحب يزداد قوة
على البعد لكني أكذب ماقالوا
ولست أرى في البعد إلا مرارة
يطاولني فيها ظنون وأهوال
ويصور لنا الشاعر حالة شجن جميلة بينه وبين محبوبته التي هو بعيد عنها فيقول لها :
سل نجوم الليل عن شاعرها
إن جفا عينيك في الليل الرقاد
وتلفت حيثما شئت تجد
وهج أنفاسي مشبوب السهاد
واستمعني في حناياك صدى
لغرام زاده البعد اتقاد
وتبسط في مناجاتي فما
أعذب النجوى إذا رق الوداد
ويصف لنا لحظة حب خاصة عاشها مع محبوبته فيقول :
وأصد النسيم عنك بضم
كاد يخفيك بين راحي وقلبي
وفي ساعة شوق كبير للحب يطلب من حبيبته اعترافا له بالحب بأي طريقة ولو همسا فيقول :
قل ولو هامسا . . أحبك . . أهوى
فيك كل المنى الكبار . . العذاب
إن قلب _المحروم _ يرجوك نطقا
وحرام حرمانه من جواب
ولأنه شاعر الحب والحرمان فهو يؤكد على أهمية الحب وجماله وكيف أنه يرقق القلب فيقول :
إن قلبا يغرد الحب فيه
يجعل الصخر مثله مستهاما
ويقول :
إن العمر بلا حب أسى
جامح لايعرف الدمع العصيا
لقد أهدى عبدالله الفيصل (شاعرالحب والحرمان ) أهدى للدنيا دررا من شعره، وشعوره، وفكره ،ليظل منارة لكل المحبين من بعده بشكل خاص، و لكل محبي الشعر بشكل عام.
فسلام عليك شاعر الحب والحرمان سلاما.
>