لطالما خضع مفهوم الأخلاق إلى العديد من التصورات الفلسفية التي أخذت بلا شك منحىً مختلفاً عند أبرز رواد الفلسفة الحديثة ، فحين اعتبر كانط مرجعية الأخلاق عقلانيةً تصدر من إنسانٍ واع ، يرى روسو بأنسنة الأخلاق التي تجعلنا نميز بين الخير والشر ومرجعية ذلك هي الأحاسيس الطبيعية التي تسكن إنسانيتنا المطلقة ، أما الفيلسوف نيتشه فيرى بأن الإرادة الفردية هي من يحكم الأخلاق الكامنة في الإنسان بناءً وانبناءً وعليه فلا يمكن عقلنة الأخلاق دون إرادة .
أمافي التصور الإسلامي فلقد جاء هذا الدين الأسمى ليصهر مفهوم الأخلاق في بعديه الروحي والعقلي ، بل كانت الغاية والرسالة التي حملها هي الأخلاق ، حيث تجلى هذا المفهوم في سيرة النبي الأعظم وسنته المطهرة .
ولئن كانت هذه المقدمة انتباذًا بسيطًا عن التصور الكلي للأخلاق ، فإننا معنيون بالنظر في الواقع الآني من حيث حضور هذا المفهوم وغيابه ، ولعل الواقع العربي بماأننا جزء منه وفيه يحكمنا بهذه العلاقة ( الحضور / الغياب) على المستوى الأخلاقي فنحن ملزمون بأن نفسر مايجري حولنا لاسيما وأن المنطقة أضحت كرة لهب مشتعلة ، فكيف كان التعاطي العربي الشعبوي مع هذه الأزمات السياسية على المستوى الأخلاقي ؟
وفي معرض إجابتنا على هذا السؤال نود أن نشير بأننا سنتناول الجمهور الشعبي في منصتي التواصل الإجتماعي ( فيسبوك / تويتر ) وسنقوم برصد ردات الفعل في بعض الحسابات اللارسمية والتي تحظى بمتابعة جماهيرية واسعة .
فمنذ اندلاع الأزمة السورية وحتى الآن أضحى الشارع العربي فسطاطين ( مع أو ضد ) وهنا نقف على الخلفيات التي يستقي منها الشارع مواقفه ، إن الملاحظ أن الأيديولوجيا الدينية والسياسية هي الدافع الرئيس لكلا الموقفين ، غير أن هذه المواقف اتخذت شكلاً متحولاً من حالة الدفاع إلى الهجوم وهذا مايبرزه لنا ظهور مصطلحات كانت تختزلها الذهنية العربية بوصفها حالة من حالات ردة الفعل ضد الآخر ، فمصطلحات كـ( التشبيح والبعران وعرب الشام وأذناب و…) هي مصطلحات ذات حمولات تأريخية معلبةٌ مسبقاً في الذهنية العربية ، إن هذه المصطلحات الغائبة والحاضرة في ذهنية الجمهور العربي أصبحت حاضرةً في منصات التواصل الإجتماعي بشكل فاعل حيث سعت الحسابات المشار إليها أعلاه في انتشارها وإخراجها من ( اللاوعي الجماهيري ) إلى الواقع الشعبوي . وهذا يؤكد لنا أن الشارع العربي المُسْتَلب تأريخيًا بفعل الأزمات السياسية التي عصفت بالمنطقة ولازالت منذ وعد بلفور المشؤوم ، حيث تسللت هذه المصطلحات إلى ذهنية الشعبي بتزييف من الفاعل السياسي الذي ماانفك في ممارسة الإقصاء والتخوين لكل ماهو مختلف معه ايديولوجياً وطبقياً،ومنذ ذلك ونحن لانزال نعاني من أزمة أخلاقية ، إن على المستوى الأخلاقي الديني أو الإنساني ، لذا من البدهي أن تصبح احصاءات ونسب الإجرام الأخلاقي في البلدان العربية يفوق كل بلدان العالم نسبةً وتناسبًا . هذه الحالة تنسحب أيضًا على المواطنين العرب والذين يقيمون في بلدان أخرى ونجدهم في منصات التواصل حاضرين بكل قوة ولعل أدونيس ومحمد الرفرافي واللذان يقيما بباريس منذ زمن طويل مثالين حاضرين يمثلان موقفًا متضادًا من هذه الأزمة ، فحين يقف أدونيس موقفًا مضادًا من الثورة السورية بل يقف مهاجمًا للثوار وللدول التي ساندت الثورة نجد محمد الرفرافي الشاعر التونسي يقف مع الثوار ويحمل المجتمع الدولي مسؤولية تلك الجرائم التي يرتكبها النظام بحق المدنيين . فالمفارقة التي يحملها هذا السقوط والمأزق هي تماهي النخب المثقفة مع كل سقوط أخلاقي شعبوي ، وعليه يمكن القياس على الأزمات السياسية الأخرى والتي تجتاح المنطقة .
إن المشاركة الجماهيرية الفاعلة أمرٌ إيجابي سيما وأن الجميع بذات المركب ، لكن السقوط الأخلاقي هو مانرفضه فكما يقال : ( الساسة قد يتغيرون ولكن الشعوب ستبقى )
فعلى الشعوب أن تعي جيدًا أن الأزمات السياسية طارئة وأن القاعدة الكبرى في علم السياسة ( لاعداوة مستمرة ولاصداقة دائمة ) وأن الغياب الأخلاقي يجب أن يتلاشى ويزول .
بقلم أ/ماجد أحمد ال مشافي>