الشاعرة : هنادي الجهران
لِلَّهِ جُرْحٌ غَائِرٌ فِى النَّفْسِ
إِنْ قُلْتُ يَبْرَأُ عَادَنِي بِالنُّكْسِ
مَا جَفَّ يَومًا مُنْذُ رَقْرَقَ دَمْعَهُ
مَا بَينَ آمَالِي وَلَوعَةِ بُؤْسِي
فَحِمَى العُرُوْبَةِ يُسْتَبَاحُ ذِمَارُهُ
وَالقَوْمُ فِى لَهْوٍ وَمُتْعَةِ أُنْسِ
يُسْقَونَ أَقْدَاحًا تَفِيضُ بِذِلَّةٍ
خَسِئَتْ شَرَابًا فِى فَمِ المُتَحَسِّي
الخَاضِعُونَ وَلِلْهَوَانِ خُضُوعُهُمْ
مُتَسَرْبِلِينَ بِبُرْدَةٍ مِنْ خَسِّ
تَرِفُوا وَمَا عَرَفُوا بِأَنَّ المُلْكَ إِنْ
ذَلَّ اسْتَحَالَ لِمُصْبِحٍ أَو مُمْسِي
واللهُ إِنْ كَتَبَ الشَّقَاءَ لِأُمَّةٍ
جَعَلَ الوُلاةَ بِهَا جُبَاةَ المُكْسِ
إِنْ كَانَ بَالنَّشَبِ المَمَالِكُ تَزْدَهِي
فَبِهِ تَرَدَّى فِى قَرَارٍ بَخْسِ
أَوْ كَانَ بِالنَّشَبِ الجِرَاحُ تُبَاعُ مَنْ
يَشْرِي جِرَاحَ عُرُوبَتِي فِى القَدْسِ؟
لا شَيْءَ يَعْدِلُ فِي الوُجُودِ تُرَابَهَا
لا يَسْتَوِي قَفْرٌ مَعَ الفِرْدَوْسِ
فَخَلا نَعِيمَ القُدْسِ عِنْدِي بَاطِلٌ
بِالطُّهْرِ مُزْدَانَاً وَلَيسَ بِرِجْسِ
والعَينُ إِنْ طَلَبَتْ جَمَالاً غَيرَهَا
لَمْ تَلْقَ إِلاَّ دَاجِيًا كَالرِّمْسِ
يَمْشِي الزَّمَانُ عَلَى دُرُوبِ فَخَارِهَا
جَذِلاً يُقَبِّلُ جُدْرَهَا فِى الغَسِّ
هِيَ قِبْلَةُ الهَادِي إِذَا أَسْرَى بِهِ
رَبُّ الخَلائِقِ فِى ظَلِيمٍ دَمْسِ
عَرَجتْ بِهِ الأَنْوَارُ يَسْطَعُ بَينَهَا
نَحْوَ السَّمَاءِ بِطَلْعَةٍ كَالشَّمْسِ
هِيَ مَهْدُ كُلِّ شَرِيعَةٍ فَغَدَتْ تُرَى
رَوضَاً تَأَلَّقَ فِى بَهِيجِ الغَرْسِ
هِيَ دَارُ مَنْ نَطَقَ اللِّسَانُ بِضَادِهَا
سَكَنَتْ ضَمِيرَهُ فِى الفُرَاقِ كَهَجْسِ
فَإِذَا تَحَدَّثَ حَدَّثَتْ بِلَهِيبِهَا
بَينَ الجَوَانِحِ شَهْقَةُ المُتَأَسِّي
هَيَ كُلَّمَا ذُكِرَتْ تَصَدَّعَ خَافِقِي
أَوَ لَمْ يُصّدِّعْ ذِكْرُهَا ذَا الكُرْسِي
فَتَرَمَلَّتْ سَاحَاتُهُا لَمَّا اسْتَوتْ
فِيهَا الخُطُوبُ عَلَى أَيَادِي الحَرْسِ
وَكَسَا سَمَاهَا الغَاصِبُونَ بِقَتْرَةٍ
وَالرِّيحُ تَجْرُدُ دُورَهَا بَالدَّرْسِ
وَاللَّيلُ يَمْشِي فِى الطَّرَائِقِ نَاشِرًا
قِطَعَ الظَّلامِ بِدَعْسِهِ واللَّمْسِ
والفَجْرُ مَذْبُوحٌ عَلَى عَتَبَاتِهَا
مُتَنَاثِرًا تَحْتَ الخُطَى بَالدَّوْسِ
وَشَذَا الزُّهُورِ غَدَا كَرِيحٍ مُنْتِنٍ
يَسْرِي بَأَرْذَلِ حَاضِرٍ فِى قَعْسِ
وَالنَّائِحَاتُ مِنَ المَعَالِي حَوْلَهَا
يَلْطُمْنَ فَوقَ رُؤُوسِهِنَّ كَنَقْسِ
وَيَطُوفُ مَأَتَمَهَا الزَّمَانُ مُنَكِّسًا
رَايَاتِهِ وَمُرَدِّدًا فِى جِرْسِ
بَاعُوكِ يَا تَارِيخَ أُمَّةِ يَعْرُبٍ
فِى لَيلَةٍ هِيَ مِنْ لَيَالِي الوَكْسِ
أَيْنَ الأُلَى مِنْ قَادَةٍ ضَرَسُوا الرَّحَى
فَتَذَلَّلَتْ مِنْ هِمَّةٍ فِى الضَّرْسِ
مَنْ يَا صَلاحُ الدِّينِ يَطْلُبُ فَتْحَهَا
والبَعْضُ قَدْ خَلَدُوا لِلَذَّةِ نَعْسِ
والبَعْضُ أَغْرَقَهُ دَمُ الأِخْوَانِ فِي
أَمْواجِ جَهْلٍ مُؤْذِنٍ بِالطَّمْسِ
رَكِبُوا الرُّعُونَةَ وَاسْتَحَلُّوا ذَنْبَهَم
فِى حُلَّةٍ بِصَبِيْغَةٍ مِن وَرْسِ
فَالشَّآمُ عَمَّرَهَا الخَرَابُ كأَنَّمَا
شَأْنُ الحَيَاةِ مُسّيَّرٌ لِلْعَكْسِ
وَالنِّيلُ تجْرِي بِالدِّمَاءِ ضِفَافُهُ
مِنْ كُلِّ شِلْوِ مُضَمَّخٍ بِالتُّعْسِ
وَتَفَتَّقَتْ بَغْدَادُ بَينَ مَذَاهِبٍ
فَتَقَاتَلُوا فِى شُبْهَةٍ أَو لَبْسِ
بَيْرُوتُ تُنْحَرُ فِى خِلافِ طَوَائِفٍ
قَدْ غَابَ فِيهَا ذُو الحِجَى وَ النَّطْسِ
والنَّاسُ فِى صَنْعَاءَ تَطْلُبُ فُرْقَةً
مِنْ بَعْدِ مَا فَاؤُوا لِوِحْدَةِ نَفْسِ
يَا أُمَّةَ العَلْيَاءِ هُبِّي لِلْعُلَى
يَكْفِي خُنُوعًا فِى غَلِيلِ الأَمْسِ
سِيرِي عَلَى دَرْبِ الأَوَائِلِ وَابْتَغِي
قِمَمَ الجِبَالِ وَرَفْرِفِي كَدِرَفْسِ
وَخُذِي العُلُومَ فَلَيسَ تُجْدِي قُوَّةٌ
مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ مَانِعٍ كَالتُّرْسِ
لا خَيرَ فِى جِسْمٍ صَحِيحٍ عَزْمُهُ
كَالطَّودِ إِنْ جَهِلَ النُّهَى فِى الرَّأْسِ
والمَجْدُ صَرْحٌ لا يَنَالُ قِبَابَهُ
أَكْهَى وَخَوَّارٌ بِرَأْيٍ جَلْسِ
كُونِي كَمُجْتَمِعِ العِصِيِّ تَوَحُّدًا
تَجِدِينَ أَعْطَافَ الوَرَى فِى رَعْسِ
وَدَعِي الرَّذَائِلَ فَالرَّذِيْلَةُ سُمُّهَا
إِنْ قُلْتِ يَبْرَأُ عَائِدٌ بِالنُّكْسِه
>